انغلاق الاحزاب الكوردستانية على نفسها
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2434 - #14-10-2008# - 08:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
من يتابع الوضع السياسي الاجتماعي الاقتصادي في اقليم كوردستان العراق تتجلى لديه مجموعة كبيرة من الحالات و تستوضح اراء و مواقف عديدة لابناء الشعب له، اضافة الى نظرتهم الى السلطة و مدى ايمانهم بالاحزاب و الحكومة و احاسيسهم و شعورهم تجاه الاقليم و الوضع الراهن الذي تتسلط فيه الاحزاب على الامور العامة و الخاصة.
بداية لابد ان اشير الى ان عمل و اداء و مواقف كافة الاحزاب بدون استثناء متشابهة على ارض الواقع لحد كبير جدا ،و كل منه يعمل حسب ثقله و رصيده و امكانياته و قدرته و سلطته التنفيذية،لا يوجد حزب معارض بمعنى الكلمة بحيث يكون معتمدا على نفسه دون الاتكال على الحزبين المتنفذين اللذين يديران الحكم في هذا الاقليم، ربما نسمع هنا و هناك بعض الاراء الصغيرة التي تنتقد الاوضاع المتدهورة بين حين و اخر ، و هذا ليس من اجل عيون الشعب بل لكل من هذه المواقف اهداف خاصة شخصية كانت او حزبية .
اي يمكننا التاكيد هنا على ان السلوك و الافعال داخل الاحزاب او نظرتهم الى الشعب و هي التي تهم المجتمع متشابهة جدا، و تركيبة كافة الاحزاب و وضعهم الداخلي مماثل لبعضها ، لا يوجد حزب كبير او صغير خالي من الامراض المتعددة و الصراعات غير الشرعية التي يتلمسها كافة المواطنين، هناك دائما فئة مسيطرة تقود الحزب كيفما شاء و بالشكل الذي تراه و هو الامر الواقع ، و تستند على الترضية و التكتلات و خدمة الموالين ،و فئة اخرى مغلوبة على امرها تساير الامور من اجل لقمة العيش او مكافئة تقتاد بها من الباشوات، اي اصبح الحزب هو الهدف المنشود و ليس الوسيلة التي يدعون بها لتحقيق اهداف عامة، بل جل ما يهم الفئة العليا هو ادامة و استمرار بقاء الحزب على ما هو عليه دون اي تغيير لتستفيد هذه الفئة الموجودة في كل الاحزاب من ما يحصل عليه حزبها من المكتسبات المادية فقط على حساب المواطنين و الطبقة الكادحة الفقيرة المعدمة بشكل خاص .
لو تمحصنا الواقع الداخلي لاي حزب ، نرى طبقات متعددة نشأت حسب الحلقات و المحسوبية و المنسوبية والامكانية العشائرية و الموالين مقابل مجموعة غير مبالية لا يهمها سوى الراتب الشهري الذي يتقاضاه من الحزب او الحكومة او اية جهة اخرى تابعة للحزب .
اما اذا نظرنا الى الشعب بشكل عام فاكثريته معترضة و محتجة على انعدام الخدمات العامة و تفشي الفساد و ضعف الاداء الحكومي و التميز و التفرقة بين الحزبي و غير الحزبي و انعدام العدالة و سوء سلوك و تصرفات القادة و المسؤولين، و كل يعبر عن معارضته بطرق شتى شفهية مما نسمعها يوميا في كل زاوية و شارع او تحريرية في العديد من الصحف و المجلات المستقلة، و يزداد يوميا التشكي و التافف و السخط و السب و القذف و الانتقادات و الاعتصامات و التظاهرات و الاضرابات العامة المقتضبة، و اصبحت هذه الاحتجاجات ظاهرة طبيعية عامة، و المؤسف لم تتحسس بها السلطة و المتنفذين و هي تتراكم بشكل فضيح و تصل الى حالات وتنتج عنها افرازات و سلبيات و اعمال لا تحمد عقباها.
الغريب في الامر ،على الرغم من كل هذه التصرفات و السلوك العامة للشعب، الاحزاب و الحكومة ساكنة لا تتحرك و كانها صم بكم ، و لكون الاحزاب هي التي تدير امور الحكومة و تتدخل في كل صغيرة و كبيرة فيها ،نرى عدم فعالية الحكومة في الاصلاح و التغيير لانها هي التي انغلقت على نفسها و على الحكومة اعتمادا على المصالح الخاصة فقط، و عليه تغض الطرف عن جميع السلبيات و هي التي لاتهمها معالجتها لانها تضر بالمصالح الحزبية و الشخصية للمسيطرين في حالة التقرب من الحلول الجذرية لها .
لو دققنا في المتغيرات الحزبية نرى يوميا التقلص و الانكماش في حجم الاحزاب كافة و يتدنى المستوى الثقافي و نوعية الكوادر والمنتمين بالمستويات الخيالية، و يمكن ان نتاكد بان الاحزاب خالية الى حد كبير من المثقفين البارعين، و تحتوي على العديد الكبير من الحثالى و المتملقين، و هم الذين يسيطرون على الوضع العام باستغلالهم الثروات و القوة العسكرية و الاعلام و المناصب و ملذاتها ، و لم يبق امام المؤمنين بالعمل من اجل الشعب الا طرق ضيقة و قليلة ليسلكوها ،اما الاستقالة من الاحزاب و انتظار الحل لايمانهم بان الفساد سيطر على الوضع و يحتاج لعاصفة من اجل التغيير لانهم هم ( المسيطرين على الاحزاب ) بيدهم كافة الاوراق و الوسائل من الرواتب و الوقود و الاراضي و الغذاء و الامن و الشرطة و القوات العسكرية من البيشمركة و غيرها،و باستطاعتهم كم الافواه و سد الطريق امام المخلصين من التعبير و الاعتراض و الاحتجاج .
لذلك يختار البعض السكوت لاسباب عامة ، لكون من يعتقد ان الظروف العامة و تربص الاعداء يحتم علينا عدم الخوض في الطرق التي تؤدي الى ازالة المتنفذين و يحتم الظروف على الجميع التاني و الصبر ، و الاصرار على عدم استخدام القوة مهما كلف الامر، وهو السبب الرئيسي المانع لتغيير المسيطرين بالطرق الملتوية و لا يصلح الخطا بالخطا ابدا، و في المقابل هم لا يصلحون من شؤونهم و اعمالهم ايضا.
و هناك من المعتدلين الذين يؤمنون بالتغيير و الاصلاح في الاحزاب و الحكومة و هم يسلكون الطرق السلمية من الاعتراضات و الانتقادات السلمية و طرح الخطط البديلة و الاستراتيجيات و تحفيز الخيرين و اثارة العقول لاتباع الطرق السوية في الحكم و محاولتهم( فصل الحزب عن الحكومة) كهدف رئيسي عام،و( اصبح هذا الهدف لاقليم كوردستان كفصل الدين عن الدولة في الدول الديموقراطية التقدمية الحرة)،و المهم عند الاصلاحيين اتباع الطرق الديموقراطية و المدنية في التصرف و التوجه ، و الميل للعمل على اجراء الانتخابات المبكرة النزيهة ، من اجل تداول السلطة و تولي القضاء العادل مهمته تجاه المفسدين و محاكمتهم بشكل عادل .
و هناك من يأس حقا من الاصلاح لطول الفترة التي يدعو اليه المؤمنون و المخلصون للقضية و الشعب لاجرائه، فهناك برز مطالبة التغيير الجذري سوى كان داخليا في الاحزاب او خارج الاحزاب ، لان عهد الثورة انتهى و ابتدا منذ 17 عاما عهد الحكم المدني و السلطة التي كانت من الواجب الابداع فيها الا ان المتنفذين لا يهمهم الا مصالحهم الخاصة و فشلوا بعد طول هذه المدة ،و لكن الاكثرية المطلقة من المتسلطين و المتنفذين مستمرون على عقلية و ذكريات الماضي الثوري و الحزب و الحكومة عندهم هي الهدف الان و ليس وسيلة لخدمة الشعب، و انهم يعيشون في الماضي على منجزاته و اعتقاداته ،و الافتخارات و التباهي بالماضي الثوري لا يبريء الفساد و سلبياته، لان عهد الثورة لم يهدف الى نتاج عهود و فترات تتراوح في مكانها و يعيش الشعب على منجزات الماضي دون اي تقدم و هو يغرق في الفساد.
وحتى دعاة التغيير متعددون ، منهم يدعي تغيير الاشخاص و المناصب، و منهم يريد التغيير التدريجي و منهم من يريد التغيير في القياداة ، الا ان الاصح هو التغيير في نظام الحكم العام و اسلوب و استراتيجية و نهج الحكم في اقليم كوردستان و التغيير في نوعيته و ركائزه و صفاته، و يتم هذا عند تثبيت استقلالية القضاء و سيادته و فصل السلطات ،وطرق متعددة من اهمها انتخابات حرة نزيهة بعيدة عن تدخل الاحزاب و باشراف دولي لضمان نتائجها . و لسلامة تطبيق الديموقراطية الحقة و الاعتراض و الاعتصام و انبثاق مجموعات الضغط من كافة الفئات على المثقفين اداء دورهم البارز تاريخيا ، و عندئذ يكون للجماهير راي فصل في كافة القضايا .
بعد تنفيذ كل تلك الواجبات و الاهداف العامة يمكن فتح انغلاق الاحزاب و يبدا سلاسة التحزب و الحكم و يمكن اصلاح الوضع بالطرق الديموقراطية المتبعة ، و يمكننا القضاء على الفساد و ازالة المركزية الحزبية المتداخلة مع الحكومة ، و به نخطوا الخطوة الاولى في طريق الاصلاح و التغييرو التقدم.[1]