كادحو كوردستان العراق بحاجة ماسة الى اتحاد القوى اليسارية (4)
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2412 -#22-09-2008# - 09:45
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
بعدما اسهبنا في تاريخ اليسارية لكوردستان العراق و التساؤلات التي تخطر على البال ازاء ما يخص اليسار و عمله و اهدافه في الوقت الحاضر، لابد ان نشير الى ان اليساريين المستقلين او كشخصيات عامة من حاملي الفكر و العقيدة اليسارية اكثر بكثير من المنتمين الى الاحزاب ، و الذين يمكن الاعتماد عليهم في تحقيق اهداف الكادحين اكثر من الاحزاب اليسارية انفسها ناهيك عن القوى الاخرى، و الجماهير او بالاحرى الكادحين، اثبتوا انهم الطاقة المخزونة للعمل البناء و في الاتجاه الايجابي لخدمة الشعب، و برهنوا ذلك بعد انتفاضة اذار 1991 ، الا ان الظروف العامة الذاتية و الموضوعية و الوعي و المستوى الثقافي العام للشعب كانت وراء تراجع دورهم بشكل واضح ، و كانت الاهتمام بالقوى المالكة للتاريخ المسلح هو الغالب ، و بعد التغيرات الكثيرة و التدخلات و اختلال في ميزان القوى الكوردستانية، بقيت في الساحة الحزبين الرئيسين الديموقراطي و الوطني الكوردستاني مع مجموعة من الاحزاب الصغيرة غير الفعالة من ما يدعون بانهم من اليساريين في الشكل و الشعار و الخطاب ، و لكن التطبيق و الفعل و العمل لم يلاجظ اي من المواصفات التي تفرق بينهم و بين القوى المتنفذة الاخرى ، و من هذه القوى اصلا منبثقة من الاحزاب العريقة و لم يتوائم مع الواقع انذاك ، و لاسباب معلومة انشقت من القوى اليسارية المسلحة في خضم الثورة الكوردستانية ، و في مقدمة الاسباب سياسية بحتة لا علاقة لها باي فكر ، او بتحريض من القوى الداخلية المتصارعة مع بعضها اثناء الثورة المندلعة في ربوع كوردستان ، و منها ما اعتمدت على التجمع القبلي و العائلي في تنظيماته السياسية و تنادي نظريا بالاشتراكية و الديموقراطية و هي غارقة في الافكار و التقاليد و العادات التي مضى عليها الزمن، وهناك تجمعات يسارية صغيرة جدا بقيت بعيدة عن الواقع و سيطر الكسل و التبعية على ادائها ، و ابتعد العديد من الشخصيات اليسارية الحقيقية عن هذه الاحزاب السياسية التي تدعي اليسارية في العلن، و تنتظرهذه الشخصيات اعادة تصفية الظروف المفروضة على الشعب لكي تقوم بدورها الفعال و المخلص للطبقة الكادحة. و عليه ، عندما نقيٍم و ضع اليسار و الذي يشمل كافة القوى التي تسمي نفسها يساريا و انها جميعا لا تختلف عن بعضها الا بمقدار و مسافة قربها عن احدى القوتين المتنفذتين المسيطرتين على الوضع و السلطة في كوردستان، و الا في التطبيق و الخطابات و الصراعات و الصفات العامة متطابقة و متشابهة الى حد كبير جدا، و حتى في مناهجهم الداخلية و شعارتهم و اهدافهم متشابهون الى حد لا يمكن التمييز الواضح بينهم، و ان السبب الرئيسي لعدم توحيدهم هو المصالح الشخصية لقياداتهم و كوادرهم المرغوبة المتنفذة في احزابهم، و نتيجة الضغوط المفروضة عليهم من قبل الحزبين الرئيسين و يُستعملون كورقة لديهما في مجرى الصراعات المحتدمة بينهما و التي وصلت الى حالة الاحتراب و تقسيم كوردستان الى منطقتين تحت نفوذهما لمدة غير قليلة. و لذلك علينا ان نقرا اوضاع الاحزاب اليسارية من عدة ابواب و مجالات:
1- الموقع و الدور الجماهيري للاحزاب اليسارية في كوردستان العراق
لابد ان نشير الى عدة اوجه من منظور رؤية جماهيرية الاحزاب المحسوبة على اليسار ، من حيث عدد المنتمين اليهم او الموالين و المناصرين او تلبية الجماهير لاداء المهامات السياسية والمبدئية الحزبية و الفعاليات الجماهيرية و بالاحرى مقدار دعم الجماهير لهم في السراء و الضراء.
منذ انتفاضة اذار نشاهد التغيرات الحاصلة على واقع الاحزاب اليسارية بعد صراع الحزبين و محاولة كل منهما كسب ود جانب قريب من توجهاته،بحيث يتعامل كل منهما مع الاحزاب اليسارية كما هو فرع من حزبه و ليس كند له او كحزب مستقل ، و يستغلون الظروف الاقتصادية و الميزانية الحزبية لهذه القوى في فرض الشروط السياسية عليها، لذلك ان المنتمين الى تلك الاحزاب اليسارية ينظرون الى احزابهم في اكثر الاحيان كمصدر للرزق و المعيشة الخاصة و ليس وسيلة لتحقيق الاهداف و المباديء العامة ، و يتم تقدير موقف اي منتمي لهذه الاحزاب اعتمادا على مدى قربه من القادة المتنفذين في حزبه و للمحسوبية و المنسوبية دورها البارز في تقدير الاعضاء و تحديد المواقع و الرتب و الصفات له قبل اية كفائة و اخلاص، و لم يكن الفكر و العقيدة و الايمان بالمباديء الصادقة لخدمة الكادحين في يوم من الايام نقطة خلاف في صراعاتهم، و انما الامتيازات و النثريات و المكافئات هي السبب و لب المشاكل و الخلافات بينهم ، لذلك الانشغال التام بالوضع الداخلي لهذه القوى هو شاغلهم وهو السبب الرئبسي لاتساع الهوة و الانفصال بينهم و بين الجماهير، و اكتشفت الجماهير بنفسها مدى اهتمام القادة في هذه الاحزاب بمصالحهم الشخصية و بعدهم عن الاهداف اليسارية السامية ، و لذلك يمكننا القول بانه ليس هناك اي دور جماهيري او موقع لهذه القوى او ثقل لهم عند الجماهير، و بشكل مكشوف لا تعترف بهم الطبقات الكادحة و يُعتبرون في مصافي الاحزاب الاخرى لا اقل و لا اكثر، و هذا ما يعرفه القاصي و الداني، و الدليل ما حصلوا عليه من الاصوات في الانتخابات العامة و كما يقول المثل الشعبي انهم لا يحلون و لا يربطون في الساحة ، و عليه لا يمكنهم اتخاذ اي موقف واضح و صريح من الاحداث السياسية التي يقدم عليها الحزبين المتنفذين في الساحة الكوردستانية ، من الناحية السياسية و الاعلامية و الثقافية و الفكرية لا يخطون اية خطوة دون استشارة هذين الحزبين الرئيسين المسيطرين، و ان تخذوا خطوات نتيجة ضغوط الراي الداخلي لاحزابهم او عن اهمالهم من قبل الحزبين سوف يتراجعون في اول فرصة ، و هو ما جعل الطبقة الكادحة يئن تحت نير صعوبة المعيشة و الحياة يوما بعد اخر دون ان يبدواو يظهر منهم اي موقف لعدم الاحساس بانه هناك من يدافع عنهم .
2-مستوى تجسيد و ترسيخ روح التوافق و التسامح و مدى الرفاقية المبدئية بين صفوف الاحزاب اليسارية
المراحل التي توالت و تغيرت الظروف الذاتية لشعب كوردستان كانت لكل منها تاثيراتها المباشرة على روح التعاون و العمل الرفاقي و التضحية و الارتباط اللصيق بجوهر الافكار و المباديء. في زمن الثورة المسلحة و الظروف الصعبة و زمن الايمان القوي بالمباديء و الايديولوجية و عدم تدخل المادة اي النقود و الثروات في ثنايا طبيعة النضال ، كانت الارواح المبدئية و الاجساد متداخلة و ملتصقة و التوافق و التسامح و التضحية و التعاون و العمل المشترك و خدمة الجميع من اولويات النضال ، و قلما حدث الخلافات الشخصية و جل ما اهتم به المناضلون هوتطبيق الافكار الصحيحة، اما بعد الانتفاضة الجبارة و الاحتكاك المباشر مع الملذات و الكراسي و المناصب و الاموال و السلطة غيرت الروح المبدئية و الايمان المطلق بالاهداف الى الصراعات الشخصية و طرات تغيرات واسعة على صفة المناضل و المناصر، و لم يبق من المباديء و الشعارات اليسارية الرنانة في التطبيق و العمل الا اسم و لم يبق من التضحيات و خدمة الكادحين و روح الرفاقية الاخوية الا رسم ، و جل ما يصارع عليه مناصري و رفاق الامس و اليوم هو الاموال و الثروات و المنصب و الملذات و المصالح الشخصية ، و عليه تاثرت وحدة الصف و حتى نوعية الصراعات بها ، و المتضرر الاول و الخير هو الطبقة الكادحة و الفقراء المعدمين و الفكر و العقيدة اليسارية الحقيقية.هشاشة الصفوف و الصراعات الجانبية و الانشقاقات الحاصلة، استغلها السلطة المتنفذة لخدمتها في بقاء ايديها متحكمة على زمام الامور في جميع المجالات ، و بعد فقدان الايمان بالمباديء اليسارية السامية لم تبق المرتكزات الاساسية لبناء روح الرفاقية و العمل المشترك ، و في النتيجة لم يبق من التعاون و التضحيات الشخصية شيء لتنقبل الاخر في الحزب و العمل على رص الصفوف، و الدافع الفكري المفقود بفعل المصالح و الاقتراب من السلطة و ملذاتها هو الذي يوسع الهوة و يجعل الصفوف و الكيان باكمله هشا، و لن يكون بمقدور اية قوى اداء واجبها على ادنى مستوى،و في النتيجة لم يبق منها شيئا الا شكلها الصوري الظاهري فقط، و به يمكن ان نقول ان على الرغم من عدم رص الصفوف و انعدام التاثيرات السياسية و فقدان الدور المفروض وجوده، نستخرج بنتيجة هي الانعدام المطلق للقوى اليسارية الحقيقية الفعلية على الساحة الكوردستانية منذ فترة ليست بقليلة. و الملفت للنظران حياة اعضاء و كوادر هذه الاحزاب في علاقاتهم و التقارب فيما بينهم لم يكن كما كان من قبل، بحيث روح المحبة و والعلاقات الوطيدة المتعددة الجوانب التي كانت راسخة بين اليساريين و تعاملهم مع بعضهم كاخوة في بيت كبير لم تعد موجودة الان، و جل ما نشاهد الان هو العلاقات العائلية ان كانت و الروابط القربى بين الاعضاء في الاحزاب اليسارية ! و الغريب اعتمادهم على القرابات العشائرية و القبلية في علاقاتهم و تنظيماتهم الحزبية كما هو حال الاحزاب الاخرى في كوردستان ، اي لو دققنا في تركيبة اي حزب يدعي يساريته نرى تنظيماته و اعضائه و كوادره و قياداته متكونة من مجموعة من العوائل المتقاربة او العشائر او القبائل و التي تربطهم روح القرابة و العرف و العادات اكثر من مبدا اخر، و هذه هي الانتكاسة الفكرية التي تنعكس على كيفية ونوعية التنظيمات و العلاقات بين اعضاء هذه الاحزاب.
3-التربية و اعداد الكوادر و الاعضاء المنتمين او المؤمنين بالافكار اليسارية
ان التربية العقيدية و الفكرية الصحيحة لليساريين تتم بطريقتين رئيستين و هما الجهد الذاتي للفرد في العمل و العمل على اقتناء جوهر الافكار و توسيع معلوماتهم الشخصية بشتى الوسائل ، او عغن طريق التنظيمات اليسارية و مؤسساتها التربوية التي هي المسؤولة عن توفير الوسائل اللازمة للاغتناء و التوسع في مساحة معرفتهم الفكرية او الفلسفية ، و يجب ان يؤخذ الاختصاصات و الفروقات الفردية و الامكانيات العامة و كيفية الاستفادة منها في نظر الاعتبار ، وللتدريبات و التجارب و التطبيقات دور فعال في تقوية امكانيات الكوادر في العمل السياسي و يكون مملوءة الجعبة المعلوماتية من كافة النواحي للاستفادة منها في تحقيق الاهداف اليسارية العامة داخل التنظيمات او بين الجماهير و الطبقات الكادحة الواسعة.
اما القوى اليسارية الموجودة على الساحة الكوردستانية جميعا لا يوجد فيها اي اهتمام يذكر في هذا الجانب بحيث لو قيًمنا المستوى الثقافي الفكري للكوادر كافة ، سنصاب بخيبة امل لما نراه من تدني الوضع التربوي الثقافي ، و هذا لاسباب متعددة نابعة من الوضع السياسي و الفكري الذاتي لهذه التنظيمات او من الوضع الاجتماعي الثقافي العام للمجتمع و الطبقة الكادحة بشكل خاص. فيما يخص التنظيم نفسه فان الاهتمام بتطوير قدرة و امكانية الكادر و دعمه و توفير الوسائل المساعدة على عمله يكون في اخر الاهداف او يكون معدوما بالكامل اصلا، و الاعتماد الشخصي الذاتي هو الوحيد السائر على تربية و تثقيف الكادر ، و ربما لاسباب موضوعية ايضا نظرا لتوفر الوسائل العلمية و الثقافية و الاتصالاتية امام بعض الافراد ، و لكن هذا لا يمنع القوى اليسارية في توفير المستلومات لاكثرية الطبقة الكادحة التي لا يتمتع بتوفير هذه الوسائل لاسباب اقتصادية كانت ام اجتماعية ، و المجزن في الامر ان التباطوء او الكسل في هذا الجانب ظاهر بشكل واضح و كثيف في صفوف هذه القوى، بحيث لا يمكن لاي متابع و باحث ان يميز كوادر القوى اليسارية او الليبرالية و حتى اليمينية من حيث الثقافة السياسية الفكرية و الايديولوجية ، وهذه هي قمة الفشل لتطبيق المناهج النظرية و البرامج التي تقره الاحزاب في المؤتمرات العامة و الشعارات المركزية، و هذا ما يثبت مدى ايمان هذه القوى بانفسهمو بامكانية تطبيق افكارهم بشكل جلي، و للتغيرات العامة الحاصلة على الوضع الثقافي الفكري العام للمجتمع من حيث تاثيرات العملة و الفكر الحداثوي و تطور الوسائل الاتصالاتية و الاجهزة العلمية المتطورة، و مؤثرات كيفية المعيشة في المرحلة الانية و احتكاك الثقافات و سرعة نشر المعلومات و العلوم و المبتكرات ، و الاخطر من كل ذلك هو استغلال القوى الراسمالية العالمية و البرجوازية لهذه المتغيرات في تحقيق اهدافها الخاصة على حساب الاكثرية الكادحة الفقيرة المستضعفة .
ومن واجب القوى اليسارية الحقيقة ان كانت تهتم بشكل كبير بتربية و تاهيل الكزادر على الاسس اليسارية او الانسانية الصحيحة ، عليها ان تعكس ما تنويه الراسمالية التي تعمل من اجل اقلية جشعة، و استغلال هذه الوسائل و بالطرق الصحيحة لخدمة الاكثرية المسحوقة ، و هذا هو الهدف الواقعي الحقيقي في هذه المرحلة ، و لكن من يتابع القوى اليسارية الكوردستانيةو اهتماماتها الثقافية التربوية يلاحظ من غير الممكن بتركيبتها و قياداتها الحالية ان يجتنبوا الملذات الشخصية و التربية الصريحة الواضحة في صفوفهم هي الانعكاس لتربية و ثقافة العائلة و القبيلة و المجتمع بشكل علن و ليس للتربية اليسارية الخاصة لهذه القوى ، و الغريب في الامر ان مناهجهم الداخلية مليئة بعدة بنود تخص التربية و الاعداد و التوعية اليسارية العامة للمنتمين و الكوادر او الاعضاء و المناصرين.[1]