الاستناد على الاخلاق و المباديء في السياسة و التحزب
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2393 - #03-09-2008# - 08:51
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
لا اريد ان ادخل في ماهية و تعريف الاخلاق ، و ما يتضمنه هذا المفهوم الواسع المعنى و المميزات العامة و الصفات المتعددة بهذا المصطلح الكثير الاتجاهات و الجواهر ، و لا اريد ايضا ان افسر الاخلاق اجتماعيا، بل اود تفسير كل ما يتصف به اي سياسي و ما علاقته بالمباديء الفكرية و العقيدية و الايديولوجية المرتبطة به، و العلاقة الجدلية العلمية الصحيحة بين المباديء الفكرية السامية و الاخلاق الذي يتسم به ،و ليس مجرد ما يؤطر هذا المفهوم و يُنظر اليه سلوكيا ، اي كونه مفهوم يختلف عليه الافراد اعتمادا على الخلفية الفكرية و العقيدية او المستوى الثقافي او استنادا على السياسة و العلاقات و الصراعات السياسية و الحزبية المجردة ، دون اي نظرة مسبقة .
و طبيعي ان نذكر هنا ان محتوى و لب الاخلاق و خصائصه يختلف من موقع لاخر و مجتمع لاخر و من مستوى ثقافي اجتماعي مترسخ لمستوى اخر و من فترة لاخرى . كما ان للتاريخ و الموروثات الفكرية و العقيدية و الاديان و الايديولوجية الدينية والمذهبية تاثير خاص و جذري على مكامن الاخلاق و ابعاده ، و معطيات ما يبدر من صفات اخلاقية خاصة دون اخرى في موقع دون اخر . و المباديء التي يؤمن بها الفرد استنادا على خلفيته الفكرية تؤثر بشكل مباشر على ما تُعتبر من الاخلاقيات السائدة او الصفات الاخلاقية المرتبطة بتصرفات الفرد الاجتماعي و السياسي . من الملاحظ ان المصالح و المميزات الفردية تدخل بشكل مباشر على تصنيف الصفات و المبادرات و الاعمال الاخلاقية وبشكل خاص السياسة المجردة و التحزب المسيطر على فكر الفرد السياسي .
من المهم ان نذكر اهم الخصائص و المميزات التي تحدد جوهر الاخلاق وما يعتمد عليه من الفروقات الطبيعية المترسخة ، اي يختلف مفهوم الاخلاق و المباديء العامة من فرد و جماعة منتمية الى طبقة معينة لاخرى، و السلوكيات التي تعمل عليها مجموعة و فئة تختلف من طبقة لاخرى ، و ان ما تعتمد عليها الطبقة الكادحة و الفقيرة المعدمة في اختيار العمل و الصفات و التعامل مع الواقع و الاخر من الاخلاقيات و المباديء هومن نتاج الفكر و الثقافة و العقلية و الصفات التي يفرضها الواقع الخاص بهذه الطبقة و نوع علاقاتها الخاصة و الالية التي تعتمدها لبيان ما هو الاخلاقي و ما يفيد في النتيجة ، ان جوهر القول في هذا الاطار هو ان الطبقة الكادحة هي الوحيدة التي تفكر في المصالح المشتركة لجميع مكونات الطبقة، و هي من الاخلاقيات السامية التي تتمتع بها دون الطبقات الاخرى التي لا يهمها الا الجشع و المصالح الذاتية.
هنا لابد ان نذكر ليس كل من كان يدعي الايمان النظري بمصالح الكادحين هو صاحب الخلق الذي يعمل من اجل مصالح جميع افراد الطبقة ، هناك من الطارئين على هذا الفكر و هناك من لا يؤمن بهذه الاخلاقيات الا بالقول و التضليل و هناك من يستغل هذه الصفات من اجل حلقة ضيقة او عائلة او فرد بحد ذاته، فكم نرى من القيادات التي يعتبر نفسه من الفقراء و الطبقات الكادحة الفقيرة و المظلومة في خطاباته فقط ، و انما اسلوب عيشه و سلوكه و اخلاقياته و ايمانه الفعلي برجوازي مستغل لمشاعر و نقاط ضعف هذه الطبقة المحرومة لمصالحه الخاصة، و هذه هي الصفة التضليلية و ابشع انواع الاخلاقيات و السلبيات التي تبان من افعاله و اضر من الطبقة البرجوازية نفسها. فالاخلاق ليس الجانب الخير و الايجابي في المفهوم الذاتي فقط بالنسبة للسياسيين و العمل الحزبي، فالصالح العام غير موجود و المصالح الذاتية هي التي تفرض على المسؤول ذو الاخلاق السلبي ان يتصرف من خارج ما يتصف به من السلوك الايجابي و الاخلاق الخيٍر، فكم من القادة الذين يتباكون عن احوال و معيشة الطبقة الفقيرة و يتصرفون في خصوصياتهم ابشع انواع التصرفات المشينة و التي يستغلون الطبقات الادنى في نظرهم و الموالين الذين فرضت الظروف ان يكونوا عبيد العصر و يستغلو الفقر و الجهل للاعمال اللااخلاقية السياسية ، و في اكثر الاحيان يختلط الاخلاق السياسي و الاجتماعي لديهم و هذا ما نحسه يوميا في كوردستان العراق بشكل واضح، و يتمادون على مقدسات هذه الطبقة و هم محسوبون عليها نظريا فقط، و ان ما نراه من الفساد الاخلاقي و الاداري المنتشر هذه الايام يُنفذ جميعه تحت يافطة خدمة المجتمع ، و كم يساري او محسوب على اليسار بالاحرى و هو منحرف اضًرالفقراء عن طريق نضال حزبه الذي يدعي هو يساريته و اليسار براء منه ، و لم يبق ما يسمى باخلاقياته و مبادئه ، و كم من الاحزاب التي تدعي في ممارساتها الحزبية انها تناضل من اجل الطبقة الكادحة و العاملة و تقودها المنحرفون و البرجوازيون التضليليون ، وكم من السياسيين ابدعوا في ممارساتهم و خطاباتهم الحزبية التضليلية المصلحية ، و الفساد ينخر في عقولهم و تصارفاتهم و هم يعتاشون على ما هو حصة الطبقة الكادحة و هو ما يضر الفقراء و يرتفعون على بطون المظلومين من الكادحين، و هم يدعون ايمانهم بالمباديء السياسية العالية، وكم منهم اطالوا و تمادوا حتى على شرف و مقدسات العوائل الفقيرة الكادحة مستغلين نقطة ضعفهم الاقتصادي ، و لا اخفي هنا التحزب في اقليم كوردستان مليء بهذا النوع من القادة و السياسيين و الاحزاب المنحرفة الفاسدة ناهيك ما في العراق لانه حديث التحرر من نير الدكتاتورية.
اذن نتوصل الى خلاصة ما يمكن ان نسميه اليوم باخلاقيات السياسة ، و هو العمل من اجل المصلحة العامة و نزاهة الفكر و العمل و الالتزام بالمباديء قولا و عملا ، و عدم الخروج من الاطار العام المحدد للمباديء و الاخلاق السياسي ، و المجتمع الذي يتميز بمجموعة من الصفات العامة التي تدخل في اطار ما نسميه الاخلاق العام يفرز من تلقاء ذاته الخارجين عن المسار الصحيح و المنحرفين بشكل عام عن المباديء و الاسس الصحيحة، من اجل العام و من صالح الاكثرية الكادحة.
اما التحزب الضيق الذي يسيطر هذه الايام على المسار السياسي و الصراعات الناجمة منه توضح مدى الخروج عن الطبيعة الاخلاقية السامية التي يتمتع بها الطبقات الكادحة و الفقيرة المعدمة من الشعوب بشكل عام، و الحرية النسبية الموجودة استغلت بشكل سيء في العراق من قبل الاحزاب و تعمل هذه الفئات الطارئة على السلوكيات و الاخلاقيات للشعب العراقي لاستصدار الهوية الاخلاقية قبل السياسية لافراد المجتمع، و جوهر العملية السياسية الجارية يعتمد على مجموعة من الاسس التي تضر بما يمكن ان نعرفه على انه الاخلاق الاجتماعي الثقافي السياسي الصحيح، انه الوضع الذي نشاهد فيه يوميا الشواذ و الاستثنائات بسبب الصراعات و التحزب ، و الامرٌ من كل ذلك هو استيراد بعض المفاهيم المحسوبة على ما يسمى بالاخلاق العقيدي و الفكري و محاولة تعميمها على الجميع ، و الادهى فيه ان من يسيطر على زمام الامور يوزع درجات و حصص في الاخلاقيات السياسية و الفكرية استنادا على خلفيته الفكرية الحزبية ، اي ان الاستناد على الاخلاق و المباديء الفكرية اصبح من الماضي و التحزب المصلحي البعيد عن المباديء هو المسيطر على الواقع.
لذلك لابد لنا هنا من ان ننادي نداءا انسانيا وبعيدا عن المزايدات السياسية الفكرية، للنخبة العقلانية المؤمنة بالفكر و المباديء الانسانية ان يناضلوا و يكدحوا اليوم في مجال العمل و الفعل قبل القول للاكثرية الفقيرة الكادحة و الواقع و العمل الواقعي هو الكفيل الضامن لتصحيح العملية و المسار السياسي الصحيح و بتعاون الجميع، و التاريخ هو ايضا الكفيل برمي الشواذ و المنحرفين و المضللين و اللامبدئيين في سلة المهملات.[1]