طبيعة الانسان و تفكيره و اهتماماته من نتاج الواقع بشكل عام
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2386 - #27-08-2008# - 09:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عندما يتعمق اي منا في حيثيات بنيان ذلك الكائن الفريد في نوعه فيشعر انه فيه ما يحتمل دراسات و ابحاث لا تحصى من حيث كينونته البايولوجية او النفسية او الاجتماعية، و ترى فيه ملخص ما مرً على التاريخ من المتغيرات او التطورات و تحس ما تجري في الحاضر من خلال لغته او فكره و عقيدته او سلوكه و تصرفاته او ايمانه بما يفكر فيه او تعامله مع محيطه او ثقافته العامة و مظهره العام و ما يبثه جوهره من الاشارات. و بعد التعمق الاكثر في تحليل الواقع الذي يعيش فيه و تاثيراته و ما تبقى من المؤثرات التاريخية و توارث الصفات المتبقية يتوضح لديك ان التطور حالة واقعية صحيحة و علمية و لا غبار عليه، و لتغيير البيئة تاثير مباشر على المظهر و الجوهر و هذا على عكس ما قاله و ادعاه العديد من المفكرين المثاليين ،و حتى العقل الذي يميز به الانسان مع غيره هو حالة و فعالية مادية منتجة لصيغة فكرية و اضحة لها ركائز و مؤثرات على نفسها و على الكائن البشري بتكوينته الكاملة و محصلة نهائية لمعادلة تفاعل الفكر اي التفكر المادي مع المحيط و المؤثرات المؤطرة للشخصية الانسانية، اي نتاج الذات من اجل تغيير الذات و تطور الانتاج المادي و المعنوي و في بعض الحالات يكون عفويا و يكون التغيير العام تحصيل حاصل لكل تلك التغييرات و هذا هو منطق التطور الانساني بحد ذاته، و ليس بشرط ان تجري كل تلك الفعاليات و تحدث المتغيرات بوتيرة مستقيمة و متشابهة في جميع الحالات ، الا ان الانسان بعد تسيير اموره بصحة تامة يمكنه ان يتخلص من معوقات التفكير الصحيح و ادراك الحقيقة او على الاقل جزء منها.
و هذا ما يؤكد ان الانسان عندما يتصف بمجموعة من الخصائص و الصفات يكون نتيجة الحاصل النهائي للمؤثرات الداخلية (عملية التفكير الذاتي العقلي) الجوهرية و الدوافع الذاتية العقلية الخاصة و الخارجية المحيطة به ، و شيء طبيعي ان يتمكن من صنع الوسائل الفكرية او الالية التي يتجه بها نحو الهدف و يحصل على ما يغير الواقع و يؤثر على نفسه و يغيره في ذات الوقت، و على الرغم من محدودية و تحيز العقل و الفكر البشري في اكثر الاحيان و فيه من الدوافع و الغرائز الوراثية و المكتسبة الا ان التعمق في جوهر الفكر و التخصص الكامل و الانعزال عن المحيط في اوقات البحث و التفكير العميق ينتج ما ليس له وجود ظاهريا و هو يدرك من نتاج عمليات تفكيره ما ورث و جاء من الماضي و غير معلوم مع الجديد ليتكون مكون جديد لا وجود له مسبقا من حيث المظهر فقط، و هذا ما يعمل عليه التجدديون دائما و يفلحون مرات و يخطؤون في اخرى و لكن من استمرار الفعاليات الدائمة ينتج ما هو حديث اللامركب سابقا و المركب حاضرا.
ونتيجة كل تلك المعادلات المتتالية، بمرور الزمن تظهر الافكار و الاعتقادات و النتاجات التي لم تكن لها وجود من قبل ، اي يتعامل الانسان عقليا و عمليا مع المكونات الجديدة و الحديثة و يخرج بوعي اوسع مما كان عليه من قبل او من ما كان عليه سلفه و هكذا يتغير او بالاحرى يتوسع و يتطور الوعي الذاتي و العام بتطور و تقدم الواقع، و ربما هذا الراي يتناقض مع ما توصل اليه الدكتور الفاضل علي الوردي في دراساته للطبيعة البشرية من جانب واحد و هو التاكيد على الفروق الظاهرية ، اما الجوهر يمكن ان يكون من نتاج المتغيرات الظاهرية و بالتفاعل و التداخل ينتج ما هو غير معروف من قبل اي يتكون جوهر اخر غير ما كان عليه مسبقا، و هذا دليل و تاكيد على تطور جوهر الانسان تقدم المظهر و الواقع المحيط و كما يؤكده و يصر عليه العلماء الماديين الغريين الواقعيين الجدد و كنتيجة طبيعية للعلاقة الجدلية بين الحركة و المادة و الزمن و تغيير التركيب المادي.
و من هذا المنطلق الفلسفي يمكننا ان نحلل طبيعة و صفات الانسان الاجتماعية الثقافية و نتعامل معه في ميدان السياسة للاعتماد عليه في خدمة المجتمع ، اي معرفة الطبيعة البشرية خير دليل على الدقة في دراسة جوانب حياة الشعب و مكوناته و متطلباته، و في نفس الوقت معرفة ثنايا و جوانب الواقع و ما يتعلق به يساعد على نجاح البحث و الخروج بنتيجة دقيقة، و تحليل الزمن و ما فيه يوفر العوامل المساعدة لتسهيل تفاعل الامور و المعادلة الحياتية. و لو تطلعنا على طبيعة الانسان العراقي بالذات و قارننا الواقع و الزمن الذي عاش فيه نرى من التناقضات الواضحة في تصرفاته من حقبة لاخرى و نشاهد من الازدواجية في الفكر و السلوك ما يثير العجب ، فنرى في عهد معين على سبيل المثال ان عامة الناس لا يحبون التدخل في شؤون السياسة و لا يهتمون بها بتاتا و يعتبرونها خارج مجال اهتماماتهم و تفكيرهم و يعتبرونها خطرة عليهم و يبعدهم عن مصلحتهم و تامين معيشتهم ، و في المقابل تراهم في حقبة اخرى لا يهتمون بشيء اخر غير السياسة و العمل التنظيمي و التحزب و كأن الحياة لاشيء دون هذا الجانب و من عادتهم ان يتمسكوا بما يعتقدون و كأنهم على الحق دائما و الاخر على الخطا مهما كان ادلته و قرائنه ، و نتاكد بان السياسة في حقبات عديدة اصبحت مهنة و اختصاص جميع افراد العوائل العراقية مهما كانت شهاداته الدراسية العلمية.
فالحروب و الوقائع و الحوادث و الظواهر السياسية من العوامل الهامة التي سحبت المواطن العراقي الى هذه الساحة و ابعدته عن اهتماماته الخاصة و جلبت مع هذه الظاهرة الاخطاء و الويلات على عامة الشعب و ذهب ضحيتها الالاف من دون وجه حق ، و كان بالامكان تجاوزها دون اي ضرر ممكن، فالواقع و الظروف الداخلية و الاقليمية و العقائد و الافكار المكتسبة و المستوردة قسمت الشعب الى المتنورين من جهة و الى الظلاميين من جهة اخرى ،هذا في راي جماعة مقابل اخرى، و ان كان في نظر المحايدين غير ذلك. و بكل هذه الفوضى التي عمت المنطقة تغير الواقع و حل محله ارضية و واقع جديد، لو قورنت مع ما كان عليه في الماضي لبان التغيير جذريا بفضل طبيعة الانسان العراقي و الواقع الاجتماعي الثقافي و الحوادث و الحروب و المتغيرات المتعددة الجوانب الواقعة فيه ، انه جوهر و طبيعة الانسان التي تتاثر بالواقع فهو اذن من نتاج الواقع في الماضي و الحاضر و تجدد الواقع و الظروف الاجتماعية الجديدة الى حال يكون فيها طبيعة و جوهر اخر في الحاضر و ستتغير الى اخر في المستقبل.[1]