لم يقرر الشعب بعد!
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2299 - #01-06-2008# - 07:58
المحور: المجتمع المدني
طلب مني صديق حميم ومن باب حرصه على العراق اليوم،ان اتحلى بروح الشباب المعاصر ، صاحب الارآء العلمية و النظرات الحيوية و العقول الديموقراطية المؤمنة بالتعددية و بالتغيير و الحداثة، العائش في عصر العولمة و التقدم التكنولوجي الباهر، واراعي هذه الصفات في كتاباتي مع الحرص على احترام المباديء الاساسية لليسار الديموقراطي المعتدل مع ما اؤمن بالاصالة و التراث و التقاليد و خصوصيات هذا المجتمع من جميع جوانبه ، وخاصة فيما يخص بالمواقف و الآراء و الانتقادات للعملية السياسية الجارية، واستقرا ما يحدث بالعيون المحايدة ، وقال حذاري من عدم الالتزام بالثوابت الطبقية التي تؤمن بها، وكن حرا في تحليلاتك و اعتمد على الاعمدة الرئيسية لتحديد الاولويات لكل مرحلة من مراحل التقدم الاجتماعي السياسي في العراق و نحن نعيش اليوم في مرحلة انتقالية ، والصحيح ان الشعب لم يقرر بكامل ارادته ما يريد من نوعية و كيفية الحكم لما بعد الدكتاتور ، لانه لم يتح بعد الفرصة السانحة من الحرية الكاملة و الحقيقية لتقرير المصير من قبله بذاته لا ممن يسيطر عليه بشكل من الاشكال التي ظهرت و انفلقت بشكل مفاجيء في هذا العصر.
مع تفكيري الطويل الممل باهمية قراءة المستجدات الفكرية الفلسفية التي تزكيها الارضية الملائمة بها اينما تبلورت،بدا لي انه من الطبيعي ان يتغير اي فرد او تركيب سياسي او اجتماعي بتغيير الواقع او الظروف الموضوعية و الذاتية الخاصة به،اوعند اي تغيير في المحيط الذي انبثق و ترعرع فيه، او كضرورة ذاتية من اجل التكيف و الموائمة و مواكبة المستجدات التي تسيطر تلقائيا على تلك المتغيرات.
ان الايديولوجيات السائدة في العراق منذ عقود، و التي فرضت بقوة الحديد و النار و اللعب على وتر المصالح الشخصية ،تراكمت نتيجتها مجموعة كبيرة من الافكار و التقاليد السياسية التي اثرت على حياة الفردالعراقي من كافة نواحي و جوانب معيشته، وفي نفس الوقت فتحت مجموعة من الثغرات المختلفة و السلبيات التي اعتمدت عليها الدكتاتورية لادارة الواقع العراقي الهائج بشكل عام.هذا ان كان في زمن الدكتاتور و الجميع يعلم سلوكه و سياسته المعلنة و السرية، انما نحن الآن بعد خمس سنوات من سقوطه، نرى العديد من الصفات الامتدادية لما كان عليه العراق،و ما نريد ذكره هنا بصراحة و منتقدين اياه لغرض العمل من اجل تفاديه مستقبلا، وكما اعتقد ان السبب الرئيسي هو الافكار و الايديولوجيات المجردة البعيدة عن الفلسفات و الثقافات الحديثة مما يؤدي الى انفراد بعض الاحزاب دون غيرها معتمدا على السلبية الكبرى لمواصفات هذا الشعب المظلوم و هو التزامه المفرط بالقيم و التقاليد و حتى المضرة منها، وتاثير التاريخ على كينونته و فكره و تصرفاته و حتى على عقليته، وهي التي دفعت ببعض القواعد و القيم و الطاقات الحديثة و التقدمية الى التهميش و الاسترخاء، وعليه يجب ان نجعل التجديد و التقدم و الحداثة امرا واقعا رغم الاعاقات و سد الطرق من قبل المنتفعين الكلاسيكيين من السياسيين اصحاب التوجهات المجردة و احادية الجانب.
ان ما نشاهده اليوم ليس بتغيير جذري و ظهور واقع جديد متكامل، و العاقل من يقرا ثنايا العملية و الاحداث و الظروف الدولية و الاقليمية بسرعة و دفة متناهية، لكي يرتب اموره و مخططاته و برامجه و آلية عمله حسب المستجدات ،و عليه ان يستفيد من التجارب العالمية و يستند الى قواعد متينة و علمية، عندئذ يمكن ان لا يتاخر عن القافلة او يصل بسفينته اللى بر الامان.
بهذه القاعدة الفكرية الصحيحة ، يمكن ان يتفاعل الفرد ومن خلاله المجتمع مع المستجدات و متطلبات الحداثة و التطور، و يكون له رايه و كلمته التي تشكل بها الراي العام و يؤثر في قرارات القادة و المؤسسات التي هي اصلا في طور التكوين في مجتمع متحرر حديثا، والديموقراطية هي العامل الحاسم و القاعدة الواسعة لنجاح اية خطوة في اتجاه التقدم و الازدهار ، وحينئذ يمكننا قياس مستوى حيوية الشعب و مدى تطلعه و كيفية مشاركته في صياغة و شكل مستقبله.
ما نتطلع اليه اليوم في العراق الحديث ان التغييرات فوقية غير جذرية و ليس للشعب يد فيها لحد ما، بل ما يجري في الكواليس هو العامل الجازم و ليس الظاهر و ما يجري علنا ليس الا لمشاغلة الشعب بشكل عام، اي ان العملية الديموقراطية الحقيقية و الانتخابات النزيهة و الراي العام و مشاركة المثقفين ما زال في طوره البدائي، ونتاكد به ان الشعب لم يقرر ما يريده من ترسيخ المباديء العامة و الافكار التقدمية بعد، وعند تخصيب الارضية و الوقت المناسب سيقرر الشعب و بسلام ما يؤمن به.[1]