تاثيرات الخطاب السياسي و الثقافي على بعضهما في العراق اليوم
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2360 - #01-08-2008# - 04:41
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ان الخطاب الثقافي الان في العراق في وضع متعلق غير مستقر ولا مترسخ حتى ولو بشكل نسبي من اية ناحية، و لم يتوضح للشعب لحد اليوم ما العلاقة المتبادلة بينه وبين الخطاب السياسي ، ولم يُستوضح للشعب ركائزهما العلمية و دعائمهما الحقيقية و مضامينهما الفكرية و اهدافهما المستقبلية و وسائلهما الواقعية و آلية عملهما بشكل واضح و صريح، ولم يظهر الى الان البديل السياسي و الثقافي المُقنع لما كان عليه الوضع و ما توجههما فيما بعد، اما الثقافة العامة كمشروع عام للخطاب المعرفي و كيفية مشاركتها للخطاب السياسي و تاثيراتهما لتعين الطريق الصحيح لم تتجلى بعد، اي بهذا يستوضح لدينا ان هناك تقاطعات عامة بينهما عند الاحتكاك اثناء عملهما و الذي من المفروض ان يكونا ضمن عوالم و انسجة معرفية فاعلة و بهما يمكن التامل في الثقافة الوطنية العامة ، وبفعاليتهما و علاقاتهما الوطيدة تظهر الهوية و الخصوصية الوطنية ، حينئذ يمكن الانفتاح على كل المعطيات الثقافية الفكرية العالمية عبر جسور الجانبين المتراكبين . فالبديل الثقافي السياسي العام لتغيير المستوى الثقافي للشعب بشكل عام بعد كل ذلك الاغتراب الذي مرً به العراق في زمن الدكتاتورية من حيث ابتعاده عن امتلاكه للثقافة وفكر خاص ، ولاعادة اللحمة و البدء في بناء الصرح لابد من ارادة النخبة المثقفة و الدعم السياسي العقلاني الذي لم ينبر لحد اليوم لتحمل المهام و الواجب المفروض في تجسيد ما يجب ان يُوضح و يُرسخ و يُعتمد عليها من الثقافات العراقية المتنوعة التي كانت حتى الماضي القريب (قبل الدكتاتورية) لها الوجه المشرق بين الثقافات العالمية على الرغم من العوائق المتنوعة هنا و هناك .
ان التحديات التي تواجه الثقافة العراقية اليوم ليست بقليلة من حيث الفكر و الممارسة و العمل على التغيير الحاصل الذي لم يبن الصرح المامول و انما شيد جدارا امامها لحصرها في زوايا ضيقة و لم تنطلق من الخزينة الثقافية الفنية ما كانت يجب ان تواكب الثقافة من المتراكمات نتيجة العملية التاريخية لاثبات الهوية و خاصة في هذه المرحلة التي شهدت الحرية النسبية و لكن عشوائية، و انما السياسة المتَبعة التي فيها التاثير المباشر على المنطق الثقافي لم تدع لحد اليوم للعمل الثقافي الحرية الكاملة المطلوبة في حسم الكثير من النوايا و الافكار التي كانت النخبة المثقفة و الجهات المختصة بهذا الشان مترددة في السعي لتطبيقها . اليوم جلي للجميع نوعية المد الثقافي و الايدي السياسية الخفية لحصر و تصغير الثقافات الحقيقية و وضعها كما الان في حالة متجمدة و جعلها ضحية الافكار و السياسات و العقائد المتزمتة، وهذا ما يضع العقول الثقافية و بعض الخطابات السياسية الرضيعة و الفكرية التقدمية امام هذه الحقائق المرة، و يمنعها في اكثر الاحيان من توضيح الامر و كشف ممكنات الابداع و نشر الوعي المتكامل ، ويتطلب الوضع الجهود و ارادات قوية من اجل الخروج من الحدود المفروضة و كسر الاغلال و توسيع الاطر الضيقة عبر حوارات جريئة علمية منطقية في السياسة و الثقافة و من قبل كافة الشرائح المثقفة و الاكاديمية و دعمها من اجل عدم الالتصاق بنمط محدد في الاعمال و الابداعات و الدخول في المواجهة السلمية من خلال الحوار و تطبيق الديموقراطية في العمل و لتحديد المقاييس و المعيير التقدمية للثقافة و علاقتها الوطيدة مع الوضع السياسي فلابد من تخصيب الارضية لتحديد ماهية الثقافة والسياسة الملائمة ، وهذا ما يحتاج الى الاتحاد و التعاون المشترك من اجل اهداف ثقافية تقدمية وفي مقدمتها خلق ابداع متماسك و قوي و تقدمي و مصارعتها مع الثقافات المزيفة او الخادمة لاغراض اخرى لا صلة لها بالثقافة العامة للمجتمع و هذا ما يحتاج الى المكاشفة من قبل الجميع لتشخيص العقد وايجاد الحلول.
بعيدا عن تحليل الوضع السياسي للبلد و سيطرة الجهات المتعددة على الواقع و تاثيراتها على الثقافة العامة، لابد ان نفكر في كيفية كسر هذه القيود بسلام و بطرق ثقافية سلمية و بعقلية عصرية، ويمكن ان تكون البداية عبر التلاقح الثقافي مع الافكار و مصادرها و العمل على تجديد الحصيل الناتج في اطار التطور الموضوعي للحالة المنبثقة من تزاوج الثقافات المتعددة المحلية و العالمية ، والهدف المنشود دائما هو استقلالية الثقافة العامة و نشر الوعي و تقوية المعرفة، و المعلوم تاريخيا ان الطموح الثاقفي للشعوب لم تختف طالما بقيت التاثيرات و التفاعلات الثقافية بين افراد الشعب او مع الشعوب الاخرى مستمرة .
من الواضح ان الثقافة هي التي تدفع ابناء الشعب الى ايجاد البديل الواقعي الملائم لاي وضع طاريء عن طريق المؤسسات الثقافية السياسية و الفكرية التقدمية، ومعارضة السلبيات التي اوجدتها العوامل السياسية التي لا علاقة لها بالوضع الثقافي ، وفي هذا العصر الذي يتسم بصفات عديدة و للفكر و السياسة تاثير هام على الثقافة و العكس صحيح ايضا، لذا لابد ان تكون الطريقة الملائمة في تحديد البديل بوسائل تلتزم بالخط الانساني و ضمان الحرية و الديموقراطية ، وهي الاهداف التي يجب ان تكون الاهتمام منصب بها و توظف من اجلها المباديء الانسانية ، والعراق اليوم و سلطته و احزابه و العقائد المجردة السائدة فيه لا يبشر بما يمكن ان تنتشر و ترتسخ فيه من الثقافة العصرية التقدمية و التي تجعل الانسان و حقوقه اهم و اقدس من الوطن و العقائد ، و على الجميع حمايته من الاضطهاد من دون خرق السياسة العامة الموجهة للثقافة بعيدا عن تاثيرات العقائد المعيقة للتقدم .
ان السياسة وتاثيراتها الظاهرية او غير المباشرة على الثقافة تجعلنا ان نفكر في بداية الخطوة الهامة لضمان نجاح دعم الثقافة بها و هذا ما يحتاج الى خطط ثقافية سياسية فعالة و مؤثرة و يجب ان لا تكون انعزالية و محلية فقط ،لان حدود الثقافة العالمية مفتوحة و فيها من الابواب الواسعة للجميع، بالاضافة الى ذلك يجب عدم تهميش الخصوصيات الداخلية واحياء الاصالة في الثقافة الحقيقية و به ينتج ما هو ملائم لعصر التقدم والمتغيرات.[1]