أوروبا ودورها المحوري في شمال شرق سوريا
هانا والاس*
مع تصاعد التوترات في شمال شرق سوريا، تبرز حاجة ملحة لخفض التصعيد وفتح قنوات الوساطة بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية/الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لمنع المزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
وفي الأسابيع الأخيرة، كثفت تركيا غاراتها الجوية على مواقع في شمال العراق وشمال سوريا، تقول إنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، وذلك بعد هجوم وقع الشهر الماضي في أنقرة أسفر عن مقتل خمسة أشخاص. إذ تتهم تركيا قوات سوريا الديمقراطية بأنها واجهة لحزب العمال الكردستاني.
ورغم تصاعد الأوضاع، هناك مؤشرات على استعداد كلا الجانبين للتفاوض. فقد أعلن مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، انفتاحه على حل دبلوماسي ودعا المجتمع الدولي إلى الانضمام إلى المحادثات مع تركيا.
إن وضع قوات سوريا الديمقراطية يزداد تعقيداً، إذ تواجه انقسامات داخلية وتوترات مع القبائل العربية وتهديدات مستمرة من جهات خارجية. إضافة إلى ذلك، قد يؤدي احتمال تغيير في سياسة الولايات المتحدة، مع وصول ترامب للرئاسة، إلى انسحاب مفاجئ للقوات الأميركية من شمال شرق سوريا. وهذا الوجود الأميركي، الذي يشمل 900 جندي، ليس مهماً فقط في الحرب ضد “داعش”، بل أيضاً لخلق توازن فيما يتعلق بتأثير كل من إيران وروسيا وتركيا.
وعلى الجانب التركي، هناك بعض الإشارات إلى أن أنقرة قد تمهد الطريق لمفاوضات جديدة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة. فقد اقترح دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية، منح عبد الله أوجلان الإفراج المشروط إذا تخلى عن العنف وحلّ التنظيم. ومع الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها المواطن التركي، تزايدت حالة الإنهاك تجاه الحرب مع حزب العمال الكردستاني. وربما تكون النخبة التركية أيضاً أكثر وعياً بضرورة التوصل إلى حل يُجنب تركيا تداعيات أوسع في المنطقة.
ويبقى أي احتمال لتحسن العلاقات بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية مرتبطاً بحل قضية حزب العمال الكردستاني في تركيا. وكما تقول الدكتورة ماريانا شارونتاكي، المحاضرة في السياسة الدولية، ل DeFacto “لتحقيق السلام بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، يجب أن يكون هناك أولاً اتفاق سلام بين الحكومة والتمثيل السياسي للكرد، يتضمن ضمانات دستورية، ليحل مشكلة حزب العمال الكردستاني المتأزمة”.
وتضيف شارونتاكي أن “هناك حاجة للاعتراف بالحقوق السياسية للكرد وتهيئة ظروف كريمة لهم في تركيا”.
أوروبا كوسيط
هناك فرصة لأوروبا لتبني موقف يتماشى مع تطورات الوضع على الأرض في شمال شرق سوريا. فقد كان دور أوروبا في الصراع السوري محدوداً، واقتصر على الدعم الإنساني وعملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة. وقد تعرض الاتحاد الأوروبي لانتقادات بسبب عدم تواصله السياسي مع السلطات الكردية في شمال شرقي سوريا.
ويزيد من تعقيد هذا الوضع غياب رؤية استراتيجية موحدة بين دول الاتحاد الأوروبي، حيث تتبع كل دولة سياسة خاصة وفق مصالحها. ففي عام 2019، اقترحت ألمانيا إقامة منطقة أمنية دولية على طول الحدود السورية-التركية لحماية المدنيين وضمان استمرار مكافحة “داعش”، لكن الاقتراح لم يُنفذ بسبب الانتقادات المحلية والأوروبية.
ويخدم السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني مصالح أوروبا. فكما يقول محمد أ. صالح، وهو زميل أول غير مقيم في معهد أبحاث السياسة الخارجية وخبير في الشؤون الكردية: “قد يسهم ذلك في دفع عملية الديمقراطية في تركيا، ما يعزز علاقاتها مع أوروبا ويقرب الطرفين من بعضهما البعض”.
ويضيف صالح ل DeFacto: “إن السلام في المناطق الكردية بتركيا سيفتح المجال لاستثمارات محلية وأجنبية، بما في ذلك من أوروبا، ويُسهم في بناء طرق تجارية أكثر أماناً بين أوروبا والشرق الأوسط”.
من جهة أخرى، فإن استمرار حالة اللااستقرار في شمال وشرق سوريا قد يُعرّض أوروبا لمزيد من التهديدات، كزيادة خطر الإرهاب وموجة جديدة من اللاجئين. وقد ألحقت الغارات الجوية التركية أضراراً بجهود قوات سوريا الديمقراطية في احتواء عودة “داعش”، حيث انشغلت القوات عن حراسة المحتجزين للتصدي للقوات التركية. ويضم شمال شرق سوريا أكثر من 10,000 من مقاتلي “داعش” في مراكز الاحتجاز، في حين يعيد التنظيم بناء صفوفه في مناطق خاضعة لسيطرة قوات النظام وأخرى لقوات سوريا الديمقراطية.
إن وجود قوات سوريا الديمقراطية يشكل التهديد الأمني الرئيسي لتركيا، التي تسعى إلى منع إقامة حكومة كردية فيدرالية في شمال وشرق سوريا، وتريد إبعاد القوات الكردية عن حدودها. كما تهدف إلى إنشاء منطقة عازلة لنقل اللاجئين السوريين إليها. ولنجاح أي اتفاق سلام، يجب معالجة المخاوف الأمنية التركية والموافقة على ضم أكثر لمجموعات “صديقة لأنقرة” لتوسيع قاعدة الحكم للإدارة الذاتية.
ينبغي أن تدفع أوروبا نحو الحوار والسلام بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، وأن تتطلع إلى لعب دور كراعٍ رسمي أو مشرف مباشر على هذا الحوار. وكما يقول صالح: “هناك دور يمكن لأوروبا أن تلعبه دون أن تبدو كأنها تفرض أجندة على تركيا أو تتدخل في شؤونها الداخلية”.
وعلى الرغم من تراجع نفوذ الاتحاد الأوروبي السياسي على أنقرة، إلا أنه ما زال يحتفظ بنفوذ اقتصادي قوي، كأكبر شريك تجاري ومستثمر في تركيا. ويمكن لأوروبا أن تلعب دوراً حيوياً في استقرار المنطقة ومنع المزيد من التصعيد من قبل الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية.
هانا والاس صحفية من بورتلاند تكتب في عدة مجلات منها “بلومبيرغ بيزنس ويك” و”بلومبيرغ بيرسوتس” و”نيويورك تايمز”، بالإضافة إلى منصات أخرى. تعمل أيضاً كمحررة مستقلة.[1]