حوار تركي-كردي محتمل: ما هو انعكاساته على المعارضة السورية؟
عماد كركص – عينتاب
فاجأت الدعوات للتواصل مع قادة الكرد في تركيا مؤخراً الأطراف السياسية والعسكرية السورية مثل غيرهم، خصوصاً وأن أبرز المبادرات جاء من حزب الحركة القومية المعروف بتشدده تجاه القضية الكردية.
فهل على أطراف المعارضة السورية الاستعداد للدخول في حوار مماثل مع الكرد السوريين والإدارة الذاتية، خاصة أن بدء تركيا الحوار سيزيل الحظر الذي كانت أنقرة تفرضه على أي خطوة مماثلة.
وطوال أكثر من 11 عاماً منذ تأسيس الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، كانت أطراف مختلفة داخل البلاد وخارجها تشير لها بوصفها كيان كردي يسعى للانفصال، رغم مشاركة العرب والمسيحيين في مؤسساتها، كما ساعد مبدأ الرئاسة المشتركة مشاركة أوسع في قيادة الإدارات الرئيسية.
وكانت تركيا أبرز المتخوفين من إنشاء كيان كردي على حدودها الجنوبية، نظراً للعداء التاريخي بين حكوماتها والتنظيمات الكردية، لا سيما حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة المحرك الرئيس في الإدارة الذاتية السورية عبر حزب الاتحاد الديمقراطي.
“كل شيء وارد”
وفي معرض استقصاء DeFacto رأي المعارضة السورية بمختلف تشكيلاتها، حول إمكانية بدء حوار محتمل بين تركيا والإدارة الذاتية، وبالتالي فتح حوار بين المعارضة وقسد، قال مصدر رفيع في الجيش الوطني، ل DeFacto، إن هذا الموضوع تحول من كونه في إطار الفرضية إلى إطار المتوقع، لا سيما بعد ميل تركيا لحل الأزمة مع الكرد.
ورجّح الضابط في الجيش الوطني، الذي فضّل عدم نشر اسمه لحساسية المسألة، أنه “تتزايد المواقف الداعمة للتقارب والحوار سواء في تركيا أو الإدارة الذاتية قريباً”.
واعتبر أن مشكلة المعارضة مع الإدارة الذاتية وقسد “تكمن في تحكم حزب العمال المصنف إرهابياً في قرارها، فهو تنظيم غير سوري دخل البلاد، ولا يزال ينفذ أجنداته غير الوطنية السورية فيها”.
وأضاف أنه “عندما لا يكون هناك تدخل خارجي في قرار الإدارة الذاتية، ووجدنا مع حلفائنا الأتراك ما لا يهدد المصالح الوطنية السورية وأمنهم القومي، فكل شيء وارد”.
وقال المسؤول العسكري إن “الأساس للحوار مع أي مكون في البلاد، هو موقفه من الثوابت، وأهمها وحدة الأراضي السورية، والتطلع لتحقيق الأهداف التي ناضل من أجلها الشعب الثورة في الحراك الذي بدأ عام 2011، ولا يزال مستمراً”.
واستبعد العقيد مصطفى بكور، أحد قياديي “جيش العزة”، وهو فصيل في إدلب لم ينضم حتى الآن للجيش الوطني ولا لهيئة تحرير الشام، نجاح أي عملية تقارب بين الجيش الوطني وقوات سوريا الديمقراطية، رغم “تصريحات داعمة للثورة صدرت عن قسد”.
وعلل اعتقاده بموقف تركيا ووجود حزب العمال الكردستاني على لائحتها للإرهاب، “والجميع يعرف أن فصائل الجيش الوطني تتبع لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، وهي تتعاون بشكل وثيق مع الجانب التركي”.
واستدرك بكور بأنه في النهاية سيتم تنفيذ القرار التركي، “وإذا ما حصلت أي مفاوضات فإن الأتراك هم من سيفاوضون باسم الجيش الوطني”.
واعتبر أن الفصائل والقوى السياسية خارج إطار الجيش الوطني والحكومة المؤقتة، كما فصائل غرفة عمليات “الفتح المبين”، تمتلك قرارها في المبادرات والحوار مع الأطراف الأخرى أكثر من تلك الملتزمة بالقرار التركي.
“لم نهاجم تركيا”
وكانت وحدات حماية الشعب قد شكلت مع مقاتلين وفصائل محلية عام 2015 قوات سوريا الديمقراطية، فازداد عدد المقاتلين العرب والسريان، لكن تركيا زادت مستوى التهديدات والتحذير من مخاطر أمنية على حدودها، أدى لجمعها غالبية فصائل المعارضة في العام 2017 ضمن “الجيش الوطني السوري” الذي استخدمته لانتزاع عفرين عام 2018 ورأس العين وتل أبيض عام 2019.
وتزامنت الهجمات على المناطق الكردية مع انسحاب لقوات المعارضة في إدلب وحلب وحماة أمام القوات الحكومية المدعومة من روسيا وإيران.
وتسببت مشاركة فصائل المعارضة المسلحة في العمليات العسكرية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية بشروخ بين المكونات والأطراف السياسية السورية، لا سيما أن المعارضة المسلحة خدمت مخططات تركية ممنهجة لإحداث تغيير ديمغرافي واسع، لا سيما في عفرين شمالي حلب.
يقول سيهانوك ديبو، وهو الرئيس المشترك لمكتب العلاقات العامة في حزب الاتحاد الديمقراطي، إن من “الممكن أن يتم تطوير الحوار مع تركيا في حال إذا انسحبت من الجغرافية السورية التي قامت بضمها مؤخراً من دون وازع قانوني أو مجتمعي”.
وحمّل ديبو تركيا “كامل المسؤولية القانونية حيال التغيير الديمغرافي في منطقة عفرين ورأس العين/ سري كانيه”، “فهي تمارس سياسة التتريك، وتطبق سياسات تعادي السلام والاستقرار وأساسيات الحوار، لكن في حال غيرت سياستها هذه، فإننا مع مبدأ حسن الجوار”.
ورفض الاتهامات الأمنية التركية، “لم نهاجم تركيا، بل تركيا هي من قامت بانتهاك السيادة السورية، وهي من قامت باحتلال الأراضي السورية، وهي من ارتكبت جرائم حرب ضدنا بضربها للبنية التحتية وحرمانها لمئات الآلاف من السوريين من مياه الشرب، لذلك عليها أن تغير من سياستها الجائرة هذه”.
واعتبر القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي أن الإدارة الذاتية لا تعادي تركيا، وتعتمد منذ تأسيسها مبدأ الحوار والتفاهم، ولم تتجه للخيار العسكري كحل للقضايا داخل سوريا وخارج حدودها، “إنما قامت حتى الآن باستخدام حق الدفاع المشروع”.
وأضاف أن الخيارات العسكرية ليست في صالح الشعب التركي وأن بناء الجدران لن يكون حلاً لأمن الحدود التركية، “بل الحل هو بناء جسور تواصل وثقة بين تركيا وبين الشعوب المجاورة”.
“الاتفاق لصالح روسيا”
ويأتي الحديث عن حوار تركي كردي، بعد أشهر من محاولات أنقرة الحثيثة فتح باب حوار مع النظام السوري لتطبيع العلاقات، لكن يبدو أن النظام في دمشق لا يزال غير مهتم بتلك الدعوات، لأسباب عدة من بينها عدم رغبته في البدء بإعادة اللاجئين.
وقد يكون من المرجّح حصول الحوار المفترض على دعم وتأييد أميركي، لكن كيف سيكون موقف روسيا التي تتمتع بعلاقات مع كل من النظام وتركيا والإدارة الذاتية؟
يرى طه عبد الواحد، وهو محلل سياسي مقيم في موسكو، أن “روسيا ستدعم أي حوار بين تركيا والإدارة الذاتية، لأنه سيقلب الأمور راساً على عقب، بما يصب في خدمة المساعي والمصالح الروسية بشكل كبير”.
ويضيف: “الحوار يعطي بصيص أمل في الحد من النفوذ الأميركي في المنطقة، هذا لو تجاهلنا حقيقة أن مثل هذا الحوار يمكن أن يبدأ فقط في حال الانسحاب الشامل العسكري والسياسي للأميركيين من سوريا، وهو ما سيسعد روسيا بالطبع”.
لكن عبد الواحد يعتقد أن الحوار التركي مع الإدارة الذاتية سيفتح الباب على مصراعيه أما التطبيع الذي تلعب فيه موسكو دوراً محورياً بين دمشق وأنقرة، وسيزيل مبررات التواجد العسكري التركي على الأراضي السورية، وهذا كله ضمن أهداف تسعى روسيا إلى تحقيقها في سوريا.
ويؤكّد: “كيفما نظرنا إلى الأمر سنجد أنه يصب بصورة رئيسية لصالح روسيا، حتى بدرجة أكبر من مصالح الطرفين تركيا والإدارة الذاتية”.
أما بخصوص إحداث أي تغيير في موقف المعارضة وحدوث تقارب مع قسد يفضي لتوحيد المعارضة السورية، يرى المحلل السياسي أن “المسألة شائكة للغاية، ولن يقدم عليها قادة المعارضة من تلقاء أنفسهم، الأمل هنا هو أن تقوم تركيا بإجبارهم على أن يتوحدوا”.
ويعتقد أن المسألة المهمة بالنسبة لتركيا هي من يوجد على رأس هذه “المعارضة الموحّدة”، فحتى أن نجحت في اتفاق يرضيها مع الإدارة الذاتية، “هي ستحاول الخروج منتصرة من الملف السوري دون الخروج فعلياً من سوريا”.[1]