بالعودة إلى بولتون.. التخلي عن الكرد كان تحولاً استراتيجياً
يكشف كتاب مستشار الأمن القومي الأميركي سابقاً، جون بولتون “الغرفة التي شهدت الأحداث مذكرات من البيت الأبيض”، سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في سوريا، وقرارات مثيرة للجدل اتخذها البيت الأبيض، كان لها تأثير كبير على الكرد، حلفاء الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ووفقاً لبولتون، فإن ترامب أكد مراراً على “أن الكرد كانوا شركاء مخلصين في الحرب ضد تنظيم داعش”، ولكنه في الوقت ذاته “أعطى الضوء الأخضر لتركيا للقيام بعمليات عسكرية في شمال سوريا، متجاهلًا التحذيرات من أن هذه الخطوة قد تعني تخلياً عن الكرد وفتح المجال أمام توسع النفوذ التركي”.
يقول ترامب حسب ما جاء في الكتاب: “نحن ندعم الكرد، ولكن تركيا لها الحق في الدفاع عن نفسها من بقايا التنظيمات الإرهابية.”
هذا التناقض بين الدعم الظاهري والإجراءات الفعلية أثار مخاوف الكرد الذين “وجدوا أنفسهم في منتصف الصراع بين حليفهم الأميركي وعدوهم التركي”.
صراع متجدد
ويشير الكتاب إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان “يعتبر الكرد تهديداً وجودياً، خاصةً أولئك المتحالفين مع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية”.
ويضيف أن “أردوغان كان يسعى دائماً إلى استغلال أي فرصة لتقويض قوة الكرد على الحدود، ووجد في تردد الإدارة الأميركية بشأن الملف الكردي فرصة لتعزيز موقعه”.
هذا التوتر المتصاعد دفع الولايات المتحدة إلى “موقف حرج، حيث أرادت الحفاظ على علاقاتها مع تركيا العضو في الناتو، ولكن دون التخلي عن الحلفاء الكرد الذين كانوا على الخطوط الأمامية في القتال ضد “داعش”.
خيانة؟
عندما أعلن ترامب عن قراره المفاجئ بسحب القوات الأميركية من شمال سوريا، كانت الصدمة واضحة على الكرد الذين رأوا في هذه الخطوة خيانة لسنوات من التعاون المشترك ضد “داعش”.
ويقتبس الكتاب تصريحاً للجنرال مظلوم عبدي الذي عبّر عن إحباطه قائلاً: لقد قاتلنا جنباً إلى جنب مع الأميركيين لسنوات، ولكن الآن يُطلب منا مواجهة المصير وحدنا، بينما يفسح ترامب الطريق أمام أردوغان لقتلنا.”
هذا الانسحاب الأميركي لم يؤثر فقط على الكرد، بل أيضاً على الحرب ضد تنظيم داعش، حيث حذر المحللون من أن “الفوضى الناتجة عن الانسحاب قد تتيح للتنظيم فرصة لإعادة تنظيم صفوفه”.
فراغ أمني
بعد الانسحاب الأميركي، حاول الكرد إعادة ترتيب صفوفهم وتنظيم المناطق التي سيطروا عليها في شمال سوريا. ولكنهم واجهوا “خطراً مزدوجاً: من جهة، محاولات تركيا لتوسيع نفوذها، ومن جهة أخرى، القلق من احتمال عودة داعش لاستغلال الفراغ الأمني”.
ويشير الكتاب إلى أن “القيادة الكردية كانت تسعى إلى تأمين نفسها من أي هجوم تركي عبر تعزيز العلاقات مع روسيا والنظام السوري، ولكن هذه المحاولات لم تثمر عن نتائج دائمة”.
روسيا وإيران
بعد الانسحاب الأميركي، تحركت كل من روسيا وإيران لملء الفراغ الذي خلفته واشنطن في المنطقة.
ويوضح الكتاب أن “روسيا، من جانبها، كانت تسعى إلى توظيف الكرد كأداة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في سوريا، بما في ذلك تعزيز سيطرة النظام السوري على مزيد من الأراضي”.
أما إيران، فقد كانت “تركز على تقويض النفوذ الأميركي في المنطقة، ولكنها كانت ترى أن تعزيز الوجود التركي على الحدود الشمالية لسوريا قد يشكل تهديداً لنفوذها”.
وهو ما دفعها إلى “تبني موقف مزدوج: دعم محدود للكرد، ولكن دون الدخول في صراع مباشر مع تركيا”.
تحوّل استراتيجي
يشير الكتاب إلى أن “تخلي ترامب عن الكرد لم يكن مجرد خطأ تكتيكي، بل كان تحوّلاً في السياسة الأميركية تجاه شمال سوريا، ترك فراغاً كبيراً حاولت تركيا وروسيا وحتى النظام السوري ملأه”.
هذا القرار لم يؤثر فقط على مستقبل الكرد، بل أيضًا على مصير الحرب ضد “داعش”، حيث أن “الفوضى التي تبعت الانسحاب الأميركي قد تتيح للتنظيم فرصة لاستعادة بعض مما فقده”.[1]