ترامب والشرق الأوسط.. الاستقرار والتحالفات الاستراتيجية وديناميات القوة الإقليمية
فابريس بالونش
عالمياً، يمثل التنافس مع الصين الشاغل الأكبر لدونالد ترامب، فهو يرغب في أن تظل الولايات المتحدة القوة الرائدة في العالم في القرن 21. ولتحقيق ذلك، يرى ضرورة التخلص من الصراعات “غير الضرورية” التي تستنزف الولايات المتحدة. وهذا يستدعي السعي لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، والأهم تجنب تكرار سيناريو غزو العراق في 2003، الذي يعتبره ترامب السبب في إضعاف الولايات المتحدة وتنامي قوة الصين. ففي الفترة الممتدة بين 2003 و2011، ارتقت الصين بشكل غير ملحوظ إلى المرتبة الثانية عالمياً، بينما انشغلت واشنطن بتغيير الأنظمة في العراق وأفغانستان دون جدوى وفقاً لرؤية ترامب.
ومع ذلك، لا توجد نية للانسحاب الكامل من الشرق الأوسط وتركه لمحور أوراسيا (الصين، روسيا، وإيران). فالمنطقة تمثل مصدراً هائلاً للثروات بفضل مواردها من النفط والغاز وموقعها الجغرافي الحيوي الذي يدفع قوة عالمية كالولايات المتحدة للسيطرة عليه.
سيكون حماية دول الخليج أولوية لدى ترامب، حيث تعود هذه الحماية بفوائد اقتصادية على الولايات المتحدة، إذ تعيد تلك الدول تدوير فائضها التجاري الضخم في الاقتصاد الأميركي. ومن المرجح أن يقوم الرئيس الأميركي الجديد بإعادة بناء العلاقات مع المملكة العربية السعودية بقيادة محمد بن سلمان، والتي تضررت خلال إدارة جو بايدن.
وعلى عكس الرئيس الديمقراطي، لا يعتبر ترامب الدفاع عن حقوق الإنسان أولوية. فهو لم ينتقد بن سلمان بشأن قضية جمال خاشقجي، الصحفي الذي اغتيل في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018. وبالتالي، من المتوقع أن تتحسن العلاقات بين البلدين، ما قد يؤدي تلقائياً إلى تهميش قطر والإمارات سياسياً.
يقدم دونالد ترامب دعماً غير مشروط لإسرائيل. ولم يُخفِ بنيامين نتنياهو تفضيله للمرشح الجمهوري. وخلال فترة ترامب السابقة (2017-2020)، حصلت إسرائيل على مكاسب عديدة من الولايات المتحدة، مثل الاعتراف بضم الجولان واعتبار القدس الغربية عاصمة لإسرائيل، إضافة إلى نقل السفارة الأميركية من تل أبيب، العاصمة الوحيدة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، إلى القدس، ما مثل اعترافاً بالمدينة المقدسة عاصمة للدولة العبرية.
وسعى ترامب لتحقيق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، ثم البحرين، والمغرب، والسودان من خلال “اتفاقيات إبراهيم” التي تم توقيعها في واشنطن في أيلول/سبتمبر 2020، والتي تذكر باتفاقيات كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر عام 1978. وتدعم السعودية العملية، لكنها تنتظر تسوية القضية الفلسطينية قبل الانضمام إليها. وجاءت الهجمة الإسرائيلية على غزة بعد مجزرة 7 تشرين الأول/أكتوبر لتعيق عملية التطبيع مع الدول العربية.
ومن المرجح أن يشجع ترامب إسرائيل على إنهاء الحرب، ليس من خلال التفاوض مع حماس أو حزب الله، بل بتزويدها بمزيد من الوسائل العسكرية لسحقهما. وقد شهدنا تصعيداً في الضربات على غزة ولبنان منذ فوزه، حيث يشعر بنيامين نتنياهو بدعم أكبر الآن. لكن هل سيتمكن من تنفيذ ضربات مكثفة على إيران، ويدمر البنية التحتية النفطية والغازية للبلاد، ويغرقها في أزمة اقتصادية عميقة ويهدد تمويل برنامجها النووي؟ هل ستمتلك القوات الجوية الإسرائيلية المعدات والتفويض لمهاجمة المواقع النووية الإيرانية بشكل مباشر؟ من المتوقع أن تزيد التوترات بين إسرائيل وإيران اعتباراً من تنصيب دونالد ترامب في #20-01-2025# . وحتى ذلك الحين، من المرجح أن تركز قوات الدفاع الإسرائيلية على حزب الله وترسانته الصاروخية في لبنان وسوريا.
وتعتبر سوريا الحلقة الأضعف في محور إيران في الشرق الأوسط بالمقارنة مع لبنان والعراق، بسبب غالبية سكانها السنية التي تعارض النفوذ الإيراني بشكل كبير. لكن نظام بشار الأسد حليف لإيران منذ أكثر من أربعين عاماً، ويعتمد على دعمها العسكري والاقتصادي من أجل البقاء. تعبر الأسلحة الإيرانية عبر العراق وسوريا لتصل إلى حزب الله اللبناني، دون أن تستطيع دمشق معارضتها. ومن المرجح أن تزداد الضربات على الأهداف المؤيدة لإيران، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام السوري من جديد.
وفي إدلب، تحلم هيئة تحرير الشام بالثأر من بشار الأسد. وحتى الآن، تمنع تركيا الهجوم، فهل تأمل في تبادل إقليمي جديد على حساب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؟ هذا سيكون متماشياً مع الاتفاق الضمني بين روسيا وتركيا منذ عام 2016: أراضي الكرد (عفرين ورأس العين) مقابل تحييد المعارضة السورية وانتصار نظام الأسد. ولتحقيق ذلك، تحتاج تركيا إلى الضوء الأخضر من واشنطن، حيث يفترض أن تحمي القوات الأميركية منطقة الإدارة الذاتية التي تتواجد فيها. لكن نتذكر كيف سحب ترامب القوات الأميركية من الحدود السورية التركية في تشرين الأول/أكتوبر 2019، ما سمح لأردوغان بمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية والسيطرة على تل أبيض ورأس العين.
وبقاء القوات الأميركية في منطقة الإدارة الذاتية مرتبط بوجود التحالف الدولي ضد داعش في العراق. غير أن حكومة محمد شياع السوداني قد أنهت هذا الوجود، ومن المتوقع أن تغادر القوات الغربية العراق الفيدرالي في أيلول/سبتمبر 2025 والمنطقة الكردية عام 2026. هل سيعارض دونالد ترامب الاتفاق الذي وقع عليه جو بايدن مع نظيره العراقي؟
خلال فترة رئاسته الأولى، وعد ترامب بسحب الجنود الأميركيين من سوريا والعراق، ما سيؤدي بالطبع إلى تعريض مقاومة قوات سوريا الديمقراطية للتهديدات المتعددة: داعش، والنظام السوري، والميليشيات الشيعية المؤيدة لإيران، وتركيا التي تحلم بتدمير الإدارة الذاتية. هل سينتظر أردوغان حتى الانسحاب الأميركي المقرر في عام 2026 أم سيحاول تسريع مغادرتهم كما فعل في 2019؟ هل يمنح النزاع الجديد بين إسرائيل وإيران لشمال شرق سوريا أهمية استراتيجية جديدة تبرر وجود القوات الأميركية؟
لا يخفي دونالد ترامب عداءه تجاه إيران، فهو يؤيد استخدام القوة كشرط مسبق لأي نقاش، ما قد يعيد ترتيب الأوراق في سوريا. في أي حال، فإن التخلي عن حليف موثوق وفعّال مثل قوات سوريا الديمقراطية في السياق الجديد للحرب الباردة بين الغرب ومحور أوراسيا سيكون كارثياً لمصداقية الولايات المتحدة في المنطقة.
______________________________________________________________________________________________________
فابريس بالونش، أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في “جامعة ليون 2″، وزميل زائر في معهد واشنطن، يحمل درجة دكتوراه في الجغرافيا من “جامعة تور” 2000، ويُعرف كخبير استشاري في قضايا التنمية في الشرق الأوسط والأزمة السورية.
قضى بالونش، الذي يدير أيضاً مجموعة الأبحاث والدراسات حول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط (GREMMO)، عشر سنوات في لبنان وسوريا، وهما مجال دراسته الرئيسي منذ انخراطه للمرة الأولى في العمل الميداني في المنطقة عام 1990.
تشمل منشوراته “الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط” (2014 بالفرنسية)، و”أطلس الشرق الأوسط العربي” (2012 بالفرنسية والعربية)، ونسخة كتاب أطروحته “منطقة العلوية والسلطة السورية” (2006، بالفرنسية).[1]