معضلة المقاتلين الأجانب.. “غوانتانامو” أم محاكمات دولية في ظل تنصل عالمي؟
إليزابيث دينت
لا يزال الخبراء يحاولون دق ناقوس الخطر بشأن عودة ظهور تنظيم “#داعش# ” الإرهابي المحتملة، ولم تكن تلك التحذيرات من فراغ. في خلال الأشهر القليلة الماضية من الهجوم الأخير ضد “داعش”، تواردت تقارير عن أن عناصر التنظيم قد عادوا إلى العراق أو عبروا الحدود إلى تركيا أو عادوا إلى بلدانهم الأصلية -وغالبًا ما لم يتم كشفهم- بهدف الاستعداد للقتال في وقت آخر أو لشن هجمات في المستقبل. هناك تهديد على نفس القدر يتمثل في حقيقة أن القوة الشريكة للتحالف في سوريا لا تملك ببساطة الموارد أو الدعم الذي تحتاجه لاحتجاز عناصر “داعش” إلى أجل غير مسمى، ما يزيد من احتمال عودة “داعش” إذا تم إطلاق سراح المقاتلين السابقين أو خروجهم من السجن. من المحتمل أن تكمن الإجابة على هذه المشكلة في وضع مجموعة من الاستراتيجيات والحلول، والتي تفسر السياسات غير المتسقة، وتضمن أن يدفع عناصر “داعش” ثمن جرائمهم، وكذلك ألا يمثلوا تهديدًا لأي مجتمع.
*المشكلة
إن العملية التي تقودها الولايات المتحدة لهزيمة “داعش” في سوريا هي أنجح حملة عسكرية غير تقليدية في التاريخ. ما بدا كصفقة هادئة في عام 2014 بين القوات الخاصة الأمريكية ومجموعة قليلة من وحدات حماية الشعب (YPG) للدفاع عن بلدة “كوباني” على الحدود التركية السورية، تحول إلى شراكة ائتلافية عمرها أربع سنوات لدعم قوة عسكرية شبه مستقلة من خلال الدعم الجوي والاستخبارات والوجود على الأرض. القوة المشتركة، المعروفة الآن باسم قوات سوريا الديمقراطية (SDF) ، تضم أكثر من 60 ألف مقاتل، وتضم كلاً من الأكراد -وبشكل متزايد عندما انتقلت إلى المناطق العربية ووادي نهر الفرات- والعرب. وتسيطر تلك القوة على ما يقرب من ثلث أراضي سوريا، وتشرف على معيشة ملايين الأشخاص، وتقيم المجالس المدنية المحلية في المناطق المحررة للمساعدة في تلبية الاحتياجات الفورية لتحقيق الاستقرار وضمان عودة النازحين داخلياً إلى مناطقهم. تواجه قوات سوريا الديمقراطية عددًا من التحديات التي تهدد بزعزعة استقرار سيطرتها الهشة بالفعل على ثلث الدولة السورية: 1) نظام الأسد مصمم على إخضاع قوات سوريا الديمقراطية ومناطقها لسيطرة الدولة؛ 2) إيران ووكلائها يخترقون القبائل في الجنوب، 3)تركيا تهدد بتوغل عسكري من الشمال؛ 4) يعمل “داعش” على تأجيج التمرد في المناطق المحررة.
كل هذه المخاطر تتفاقم بسبب التناقض الصادر عن البيت الأبيض وعدم اليقين بشأن النوايا الأمريكية والبقاء في السلطة. ولكن ربما يكون العامل الأكثر زعزعة للاستقرار هو ما يجب فعله بعناصر “داعش” وعائلاتهم التي خرجت من وادي نهر الفرات الأوسط، لا سيما منذ فبراير 2019.
في يناير، أطلقت قوات سوريا الديمقراطية حملتها الأخيرة لتطهير باقي المنطقة إلى الشمال من الفرات من “داعش”. منذ ذلك الحين، اضطروا إلى إيقاف أو إبطاء الهجوم عدة مرات للسماح للمدنيين، وكذلك الآلاف من عائلات “داعش”، بالإجلاء. تشير التقارير إلى أن أكثر من 40 ألف شخص قد فروا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بما في ذلك 15000 شخص فقط منذ أن أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن إعادة إطلاق هجومها في التاسع من فبراير. هذه الأرقام مذهلة وأعلى بكثير مما كان متوقعًا ومخططًا له قبل الهجوم.
علنا، أقرت وزارة الدفاع بوجود حوالي 800 مقاتل أجنبي احتجزتهم قوات سوريا الديمقراطية. ولكن كما ذكرت مؤخراً صحيفة “وول ستريت جورنال”، يقدر مسؤولو الدفاع الآن أن هذه الأرقام قد ارتفعت إلى “الآلاف”. ولم تصدر قوات سوريا الديمقراطية أو “البنتاغون” أرقامًا رسمية عن العدد الإجمالي للمحتجزين في سوريا، كما أنهم لم يقدموا تفاصيل من عدد المقاتلين العراقيين أو السوريين المحتجزين مقارنة بالمقاتلين الأجانب، لكن مسؤول دفاعي تحدث إلى وكالة “رويترز” في أوائل مارس/آذار، اعترف بأن “البنتاغون” وقوات سوريا الديمقراطية، كانا على خطأ دائم في تقدير عدد المقاتلين والأسر التي بقيت في المناطق التي لا يزال تنظيم “داعش” يسيطر عليها، ويقدر أن قوات سوريا الديمقراطية تحتجز حوالي 4000 مقاتل عراقي وسوري وأكثر 1000 من الأجانب.
إن كيفية التصرف بشكل نهائي مع هؤلاء المقاتلين تمثل تحديًا خطيرًا. على المرء أن ينظر فقط إلى العراق ليرى كيف يمكن لخرق السجون وعدم القدرة على التعامل مع المعتقلين الإرهابيين أن يتسبب في انتشار التمرد كالنار في الهشيم. في معسكر “بوكا” في العراق، تآمر العديد من العناصر الإرهابية التي تحولت إلى عناصر “داعش” فيما بعد، ومن فيهم زعيم “داعش” أبوبكر البغدادي، على تطهير السجناء الآخرين من أجل تعزيز تشددهم الفكري، ونما عدد متابعيهم؛ ووصف الحراس السابقون للسجن، المنشأة بأنها كانت بمثابة “إناء ضغط للتطرف”.
علاوة على ذلك، فإن مداهمة السجون هي استراتيجية كتابية للجماعات المتطرفة. في عام 2012، بعد الإفراج عنه وعودته إلى الإرهاب، ألقى “البغدادي” خطبة قال فيها إنه ينبغي أن يكون اقتحام السجون هي الأولوية الأولى للمجموعة. وبعد تلك الخطبة مباشرة، بدأ “داعش” في مداهمة سجن تلو الآخر، مستفيدين من ضعف النظام الأمني العراقي، وضم التنظيم كل من وجده في الزنازين دون عناء إلى صفوفه. في 7 مارس، أدلى قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل، بشهادة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، محذرا من أن “ما نراه الآن ليس استسلام (داعش) كتنظيم ولكن في الواقع قرار محسوب… هم يأخذون فرصهم في مخيمات النازحين داخليا ويختبئون فيها، أو يختفون في المناطق النائية، في انتظار في الوقت المناسب لإعادة الانبعاث من جديد”.
هذا الأمر يعد مؤشرا آخر على أن “داعش” يعود مرة أخرى إلى نفس قواعد اللعب التي استخدمها من قبل، وعلى استعداد للانتظار حتى تظهر فرصة جديدة يمكنه استغلالها. تتعرض قوات سوريا الديمقراطية بالفعل لضغط هائل في المناطق الخاضعة لسيطرتها للسماح للسوريين المحليين الذين انضموا إلى تنظيم “داعش” بالتعامل معهم من خلال نظامهم القانوني القبلي، وهو ما يتضح من الصفقة التي عقدتها قوات سوريا الديمقراطية خلال معركة الرقة، ومؤخراً، عندما أطلقت سراح ما يقرب من 300 مقاتل سوري محلي لشيوخهم القبليين. وبينما تخفض الولايات المتحدة مستويات قواتها في سوريا وتتجمع باتجاه الجنوب الشرقي لحماية قاعدة التنف والشمال الشرقي لمراقبة المنطقة الحدودية التركية، ستكون المناطق الواقعة بين تلك المناطق معرضة بشكل متزايد لخطر تمرد “داعش”، بالنظر إلى نقص الموارد والتركيز على مكان آخر.
*خيارات محتملة لإعادة المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية
على الرغم من أن عمليات إعادة المقاتلين قد حدثت، إلا أنها كانت بطيئة وغير متناسقة وأقل عددًا. العديد من البلدان، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، ترفض إعادة المقاتلين إلى الوطن لأنهم قلقون من أن قوانينهم في الداخل ستمنع النظام القضائي من متابعة التهم الموجهة ضدهم بشكل صحيح. حتى الآن، لم تقبل سوى عدد قليل من الدول بالمقاتلين العائدين (معظمهم من العراق)، وفي فبراير/شباط، أعلن العراق أنه استقبل أكثر من 200 مواطن عائد من سوريا، من إجمالي ما يقدر ب500، لكن هذه نسبة مئوية صغيرة من المقاتلين الأجانب المحتجزين -ناهيك عن المقاتلين المحليين- ولا يمثلون المئات الذين من المحتمل أن تكون قوات سوريا الديمقراطية احتجزتهم منذ فبراير والمئات الآخرين الذين من المحتمل أن يحتجزوها عندما تنتهي معركة “الباغوز” في نهاية المطاف.
علاوة على ذلك، تؤدي إعادة المقاتلين إلى وطنهم الأصلي إلى محاكمات وعقوبات غير متناسقة، على الرغم من حقيقة أن الدول التي وافقت على استرجاع المقاتلين حتى الآن فعلت ذلك فقط لأن لديها قوانين أكثر صرامة لمكافحة الإرهاب يمكن استخدامها لمعاقبة هؤلاء الأفراد، فقد رفضت بلدان مثل فرنسا وبلجيكا وأستراليا إعادة المقاتلين إلى الوطن أو جردتهم من جنسيتهم، في محاولة لتخليص أنفسهم من المسؤولية عن إعادتهم إلى الوطن ومتابعة الاتهامات الجنائية. بدلاً من ذلك، دعوا إلى محاكمة المقاتلين –بغض النظر عن جنسياتهم- محليًا، حيث وقعت الجرائم، أي داخل الدول التي وقعت فيها تلك الجرائم.
*خليج غوانتانامو
أشارت إدارة “ترامب” باستمرار إلى أنها تعتبر “غوانتانامو” حلاً محتملاً لمشكلة ما يجب فعله مع الآلاف من معتقلي “داعش”، بما في ذلك توقيع أمر تنفيذي في نهاية يناير 2019، لإبقاء المنشأة مفتوحة ومستمرة في العمل. لم تعلن الإدارة بعد عن أي خطط لكيفية عمل هذا الأمر فعليًا، وهي تقدم عددًا من المسائل القانونية واللوجستية، بما في ذلك كيفية مقاضاة هؤلاء الأفراد واحتجازهم هناك وما يجب فعله معهم بمجرد انتهاء العقوبة.
*تمويل السجون ومراكز الاعتقال في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية
أفاد تشارلي سافاج من صحيفة “نيويورك تايمز”، في الصيف الماضي، إلى أن السجون في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية كانت حلاً مؤقتًا، لكن قوات سوريا الديمقراطية ليست “سجَّانا دائمًا”، مشيرة إلى “أنها ليست حكومة ذات سيادة مع نظام محكمة معترف به؛ وقد أنشأت محاكم مخصصة للإرهاب -وألغت عقوبة الإعدام- لكنها تستخدمها لمقاضاة السوريين فقط، وليس الأجانب”. وفي حين أن الولايات المتحدة قد قدمت بالفعل الأموال والقوى العاملة لإنشاء وتجديد العديد من مراكز الاعتقال، إلا أن هذا حل قصير المدى لمشكلة طويلة الأجل. لا يمكن أن ينجح هذا الأمر إلا إذا حافظت الولايات المتحدة أو شريك آخر في التحالف على وجود لها في الشمال الشرقي، وكما رأينا خلال الأشهر القليلة الماضية، فهذا أمر لا يمكن الدفاع عنه ويتعرض للخطر بالفعل.
*عودة الدولة
شكلت عودة “حلب” إلى قوات النظام في ديسمبر/كانون الأول 2016، نقطة تحول في الحرب الأهلية السورية. منذ ذلك الحين، استعاد النظام كل الأراضي التي خسرها تقريبًا، حيث أبرم صفقات لتوطيد الجماعات المتمردة في محافظة “إدلب”. يبدو من شبه المؤكد أن “الأسد” قد فاز في الحرب، وبالتالي فإن عودة النظام -بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية حالياً- أمرا لا مفر منه على الأرجح. دخلت قوات سوريا الديمقراطية والنظام بالفعل في مفاوضات بشأن الشمال الشرقي عدة مرات على مدار العامين الماضيين، ومع خروج الولايات المتحدة، فإنها مسألة وقت فقط قبل التوصل إلى اتفاق.
هذا يعني أيضًا أن الولايات المتحدة والتحالف سيفقدان إمكانية الوصول إلى المعتقلين المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية (على افتراض أن الولايات المتحدة لا تزال لا تتحدث إلى النظام)، وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستفقد إمكانية الحصول على معلومات استخباراتية حاسمة قد تساعد في منع هجمات فلول “داعش” الذين فروا إلى أوروبا، وعادوا إلى أوطانهم دون الكشف عنهم، أو لا يزالوا ينشطون في العراق وسوريا. هذا السيناريو ليس سيناريو ستدعمه الحكومة الأمريكية وليس مثاليًا لعدد من الأسباب، بما في ذلك أن نظام “الأسد” يتكون من مجرمي حرب ذبحوا مئات الآلاف من مواطنيهم للبقاء في السلطة. من المرجح أن يستخدم بشار الأسد هذا الأمر كأداة، كما فعل في الماضي. وقد اتُهم بإطلاق سراح الآلاف من المتطرفين من السجن خلال انتفاضة 2011 للمساعدة في تبرير حملته العنيفة ضد المتظاهرين المسالمين الذين صورهم على أنهم إرهابيون. وعلاوة على ذلك، فإن سجونه سيئة السمعة بسبب التعذيب والقتل الجماعي للمحتجزين دون محاكمة، وهي قضايا موثقة جيدا.
*نقل المقاتلين إلى العراق
عرض رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي محاكمة المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في الهجمات الإرهابية التي نفذت في العراق في محاكم البلاد، وقد أعلنت الحكومة بالفعل أنها ستحاكم 13 مقاتلًا فرنسيًا رفض الفرنسيون استردادهم. لقد مرت خمس سنوات فقط على غزو “داعش” للعراق وتغلبه على قوات الأمن العراقية (ISF) ، وقد قطعت قوات الأمن العراقية شوطًا طويلًا، حيث استردت البلاد بأكملها من الجماعة الإرهابية ونجحت في عمليات مكافحة الإرهاب التي أدت إلى انخفاض هائل في العنف في أنحاء العراق. وعلى الرغم من أن العراق أكثر استقرارًا وأقل عنفًا مما كان عليه منذ 16 عامًا، إلا أن حكومته المشكلة حديثًا لم تكتمل وهي على أرض هشة غير ثابتة. هزت موجات الاحتجاجات الجنوب الخريف الماضي بسبب نقص الخدمات الحكومية، والعنف يتصاعد مرة أخرى في مناطق مثل محافظتي الأنبار ونينوى. هناك أيضًا مشكلة في القدرات والموارد: سجون العراق تعج بالفعل بأعضاء تنظيم “داعش” و”القاعدة”. كما كانت هناك مزاعم مؤكدة بالتعذيب والفساد وعدم وجود إجراءات قانونية قضائية تحد من استعداد الدول لتسليم مواطنيها، رغم أن ذلك لا يبدو أنه عامل في القرار الفرنسي.
*محاكمات دولية
بحسب ما ذكرت شبكة “سي.إن.إن”، دعت محامية حقوق الإنسان آمل كلوني والناجية الإيزيدية والحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2018 نادية مراد، إلى محكمة دولية حيث يمكن محاكمة أعضاء “داعش” بتهمة ارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية في “لاهاي”. ومن غير الواضح حجم الجّدية الفعلية لهذه الفكرة، لكن لا يبدو أن هناك رغبة قوية من جانب المجتمع الدولي لمتابعة هذا المسار. بالإضافة إلى ذلك، أخبر سيمون بالومبي مستشار التحقيق والاستخبارات والأمن، شبكة “سي.إن.إن”، أن المحكمة الجنائية الدولية تستخدم تقليديا لمتابعة التهم الدولية ضد القيادات، وليس “الآلاف من جنود المشاة المنتمين إلى داعش” كما في هذه الحالة. علاوة على ذلك، لا العراق ولا سوريا عضوان في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فإن المحكمة الجنائية الدولية ليست لها ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة في تلك البلدان، ما يجعل من المستحيل فعليًا متابعة هذا المسار. شكلت الأمم المتحدة فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لمحاسبة “داعش”، بقيادة كريم خان، لكن مهمة هذا الفريق هي ببساطة مساعدة الحكومة العراقية على التحقيق مع أعضاء “داعش” بشأن الجرائم المرتكبة في العراق ضمن نظام المحاكم العراقية، وليس لديه القدرة على محاكمة الأعضاء المحتجزين في سوريا.
*نظرة إلى الأمام
على البيت الأبيض وشركاء التحالف، عند تحديد مهامهم المتبقية في سوريا، ضمان ما يلي: 1) الموارد والقدرات اللازمة لدعم قوات سوريا الديمقراطية في احتجاز هؤلاء الأشخاص على المدى الطويل؛ 2) توفير الموارد والتكنولوجيا لردع أي هروب أو هجمات على منشآت الاحتجاز؛ 3) الجهود المؤقتة لإعادة أكبر عدد ممكن من اللاجئين إلى الوطن، مع عودة الباقي إلى العراق أو -حتماً- العودة إلى شكل ما من أشكال سيطرة الحكومة السورية المركزية.
على المدى القصير، من الأهمية بمكان أن يساهم شركاء التحالف، وخاصة أولئك الذين لديهم عدد كبير من المقاتلين المحتجزين، في تمويل للمساعدة في الحفاظ على البنية التحتية لمراكز الاحتجاز التابعة لقوات سوريا الديمقراطية. هذا يتطلب أيضًا بقاء بعض الجنود الأمريكيين وقوات التحالف على الأرض للمساعدة في دعم قوات سوريا الديمقراطية. يجب أن نستخدم أموالنا وأفرادنا لضمان وجود قوة موثوقة تراقب هؤلاء الأشخاص الخطرين، لمنع عودة تنظيم “داعش” والهجمات المحتملة ضد أوطاننا.
الحل طويل الأجل أكثر تعقيدًا بكثير. ونظرًا إلى الصعوبات القانونية لإنشاء محكمة دولية، قد يكون من الأفضل استخدام آليات موجودة مسبقًا مثل فريق عمل هزيمة المقاتلين الأجانب ضمن التحعش”، لوضع الحد الأدنى من المعايير التي يجب أن يحاكم بها عناصر التنظيم الإرهابي. قد يسمح هذا الأمر للبلدان التي لا يمكنها تلبية تلك المعايير بإنشاء طرق بديلة لمحاكمة المقاتلين، مثل فرنسا، بالسماح لمواطنيها بأن يحاكموا في العراق على الجرائم المرتكبة هناك. بالطبع، هذا يثير عددًا من القضايا القانونية بالإضافة إلى مخاوف حقوق الإنسان التي يجب التفكير فيها.
ماكس أبراهام، بصفته خبير مكافحة الإرهاب وأستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة نورث إيسترن، كتب على موقع “تويتر”: “تساءل العلماء السياسيون منذ فترة طويلة عما إذا كانت المعايير الليبرالية تؤثر سلبًا على فعالية مكافحة الإرهاب. تعد عودة مقاتلي (داعش) وعائلاتهم مثالاً على وجود مفاضلة بالفعل. إن احترام القيم الليبرالية ليس مكلفًا لمنع الإرهاب”. ما يجري هو سابقة عابرة للحدود، وسيتعين تسويتها بطريقة عابرة للحدود الوطنية، وسوف تتطلب منا التوفيق بين التزامنا بالقيم الليبرالية والتزامنا بالأمن. خلاصة القول هي أن قوات سوريا الديمقراطية لا يمكنها أن تعالج هذه المشكلة بمفردها، ومع اعتزام الولايات المتحدة التقليل بشكل كبير من وجودها ورفض شركاء التحالف حتى الآن تعويض هذا التخفيض، فإن هذا الوضع يمثل مشكلة نحتاج إلى التعامل معها على الفور. هل كنا نتوقع حقًا أن تتمتع القوة الوكيلة الفاعلة بالقدرة على احتجاز ومحاكمة وتنفيذ العقوبات على الآلاف من عناصر “داعش” الذين كنا نقتلعهم من الأراضي التي سيطروا عليها؟ مع كل هذا الجدل حول سوريا، لا يمكننا أن نغفل هذه القضية الحرجة. إن بذور النسخة الثانية من تنظيم “داعش” الإرهابي كامنة في من يأهلون تلك السجون. من المحتمل أن الطريقة التي يتم بها التعامل مع احتجاز هؤلاء المقاتلين هي السؤال الأكثر أهمية الذي يواجه مهمة دحر التنظيم، لكنه فُفد في ظل قيام الدبلوماسيين والقادة وشركائنا في التحالف بالتنافس على فهم القرارات غير المتسقة الصادرة عن البيت الأبيض. إن رفض مواجهة هذا التهديد لن يؤدي إلا إلى ظهور “داعش” جديد بسرعة أكبر، واستعادة الأراضي التي خسرها أمام التحالف، واستعادة قدرته على التخطيط والتنسيق، وتنفيذ الهجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
*إليزابيث دينت: باحثة غير مقيمة بمعهد أبحاث “الشرق الأوسط” في الولايات المتحدة. مسيرتها المهنية تتركز على الشؤون الدولية ومناطق النزاعات، ومجال خبرتها هو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومكافحة الإرهاب والتطرف.[1]