الذهنية الديمقراطية منظومة الانتصار…
القضية الكردية وتوازنات الدول الإقليمية
جعلت الحداثة الرأسمالية من وعي الحقيقة حكراً عليها كما تبنَّت واحتكرت العديد من المفاهيم والممارسات الإيجابية الأخرى، وبسطت احتكاراتها على وعي الحقيقة دوماً.
فبدأت بالهيمنة على الذهنية لتفقد المجتمعات، وخاصة مجتمعات الشرق الأوسط ودولها الاستقلال الذهني تدريجياً, وبالتالي سيطرت على هذه المجتمعات وعلى النخب المثقفة والمتنورة إضافة إلى النخب السياسية لتنضوي تحت سيطرة فكر الحداثة الرأسمالية.
بلغت هذه الهيمنة ذروتها، وبسطت احتكاراتها ليس على الحقل الأيديولوجي فحسب بل شمل جميع المجالات, وفككت أواصر الأخلاق في المجتمعات تمهيداً لسيادة القوالب الاخلاقية للحداثة الرأسمالية.
لكن في الحقيقة الاقنعة انكشفت رويداً رويداً للعديد من الشعوب التي أدركت أن مؤسسي الدول القومية لم يكونوا قط أصحاب فكر استقلالي حسب ما كانوا يروجون؛ بل على العكس فكل ممارساتهم كانت ممهورة بطابع فكر الحداثة الرأسمالية.
هنا ينبغي عدم التغاضي أخلاقياً باستحالة استمرار أية ثورة مجتمعية ما لم يتم القيام بثورة ذهنية كالتي اعتمدناها في مشروعنا الديمقراطي. فمن منطلق “أثمن الأفكار تلك التي نصيبها من الحقيقة وطيد ” كان علينا التركيز على أهمية الثورة الذهنية في الممارسات العملية منذ البدايات الأولى للانطلاق.
أما بشأن السياسة الديمقراطية والعصرانية الديمقراطية والتي سعينا إلى رسم ملامحها وصياغتها بدأت اليوم تزداد عمقاً واتساعاً كما بدأت تتسم بعظيم الأهمية كونها تجاوزت تبعات الماضي والتباين الأيديولوجي والمصالح الضيقة.
ربما يمكن قمع الأفكار المعبرة عن الحقيقة، ولكن لن تُهزم هذه الأفكار اعتماداً على الحقيقة التاريخية أن “قوة الحقيقة هي الغالبة دوماً”, ففي سوريا والشمال السوري تحديداً أفضت عوامل فكرية وثورية إلى قيام ثورة ذهنية متسارعة, ونحن بدورنا باشرنا الممارسة العملية محصنين بأفكار نصيبها من الحقيقة كان محدوداً في البداية حسب نظر البعض، ولكن بتصعيد الممارسة العملية بصدق وإخلاص؛ تمكنَّا من مضاعفة نسبة الحقيقة في الافكار.
بات لا مفر من خوض ممارسات عملية أكثر توفيقاً فتعاظمت الحقيقة وأصبحت الحياة أكثر حرية وأكثر ديمقراطية.
نحن اليوم أمام مرحلة تحرر المجتمع من كل القيود، وكذلك السياسة، وتفتقد اليوم الدول القومية إلى خطاب الحقيقة، لم تعد دولاً تمثل شعوبها، بل قوة غاشمة تنتظر المجتمعات زوالها.
وتبقى الشعوب والمكونات هي القوة الرئيسة للنجاح والفشل في أية تجربة ديمقراطية أو غيرها، فالشعوب تنتظر الأفعال لا الأقوال في ترسيخ المشاريع الديمقراطية الحقيقية وتسعى لبناء مجتمع ومؤسسات حرة.
التجربة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا أصبحت جزءاً من منظومة الانتصار، وأحد أسباب ترسيخ القيم المجتمعية بسبب استمرارها في التمسك بسياسة الحقيقة وتوفير المقومات للثورة الذهنية.
خلاصة القول؛ ونظراً لتدني مستوى الحقيقة ووهنها لدى البعض, وبحسب ما تشير المعطيات سوف تفشل جميع أشكال الإعلام العدائي أيضاً كما فشلت جميع أشكال السياسات العدائية تجاه المشاريع الديمقراطية.[1]