ورطة أردوغان بين (إس 400 و أف 35) والخيارات المؤلمة!!
المقاومة في مجابهة الاحتلال والثورة المضادة
باتت الساحة الدولية في هذه الأيام تشهد اجواء حرب عالمية ثالثة غير معلنة وطقوساً من الحرب الباردة تتخطى حدودها الصراع الدائر في الشرق الأوسط، فما نشهده من تداخل وتضارب المصالح والاستحواذ على النفوذ والرغبة الجامحة لجميع أقطاب الهيمنة المركزية إلى خلخلة التحالفات القائمة إبان الحرب العالمية الثانية والسعي لإقامة تحالفات جديدة قد تكون متناقضة وغير مستقرة، وربما يعود هذا الانجذاب للقوى العالمية والاقليمية لسباق التصنيع والتسلح نذير تغيرات مرتقبة على الخارطة الجيوسياسية في عموم العالم وربما الأزمة الطافية على السطح بين الولايات المتحدة الامريكية وتركيا بشان منظومة صواريخ (اس 400 ) وطائرات (اف 35 ) تخفي خلف ستارها خيوط الأزمة العالمية المستفعلة برمتها؛ فهذا الصراع المحتدم بين روسيا وأمريكا لجذب الحليف التركي المتذبذب لم يعد خافياً على أحد وبات هذا الصراع تلقي بظلاله على عموم المنطقة؛ فمن جهة يعد الموقع الاستراتيجي لتركيا في منطقة الشرق الأوسط بما لا يمكن بسهولة لأمريكا التخلي عنها أو تركها لغريمها الأزلي الروسي، ولذلك فهي قد تضطر إلى تغيير طريقة تعاملها مع تركيا بطريقة مختلفة واستراتيجية جديدة، وذلك بسبب السياسات التي تتبعها حكومة العدالة والتنمية التي يترأسها اردوغان، والذي بات يشكل عقبة أمام الاستراتيجية الأمريكية وحلفائها في الناتو وربما ظهرت بعض هذه البوادر مع الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت في تركيا وخسارة اردوغان للمدن الرئيسية فيها والتي تشكل ثقلا سياسياً واقتصادياً لا يمكن لأي سلطة تحكم تركيا أن تستمر بدونها، ومن هنا نستطيع ملاحظة تغيُّر المواقف من سياسات أردوغان وأسلوب حكمه باتت تظهر بشكل جلي وبشكل قوي وخاصة أمريكا التي جاءت على لسان وزير خارجيتها بمومبيو والتي هدد فيها صراحة اردوغان من عواقب شراء منظومة صواريخ اس 400 الروسية، وكذلك تحذيره من أي هجوم على مناطق الإدارة الذاتية في شمال سوريا وتحذير الاتحاد الاوربي لأردوغان من عدم المساس بنتائج الانتخابات
وكما اسلفنا أن الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة يتجاوز موضوع طائرة أف-35 ومنظومة أس-400 بل هذا الخلاف عارض لخلافات أكثر عمقاً وهو سياسي بالدرجة الأولى ويعود لعدة سنوات مضت, ويتفاقم مع مرور الوقت دون أن يتمكن الطرفان من تجاوزها أو تطويقها.
ويبدو أن تركيا في ظل أردوغان باتت أكثر تعنتاً في اتباع سياسات متناقضة مع سياسة حلف الناتو وحتى متعارضة لتوجهات الولايات المتحدة بعد أن تجاوزت خلافاتها مع روسيا حول سوريا إلى حد بعيد، وخاصة في ظل تفاهمات سوتشي والاسيتانا وما خفي من ورائها من صفقات اقتصادية وتجارية وحتى عسكرية موجهة بشكل أساسي للسياسة الأمريكية واستراتيجيتها في المنطقة وربما تخطتها لما هو أبعد من ذلك، فالمواقف التركية المتناغمة مع روسيا والصين بشأن الأزمة الفنزويلية وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل حيث يمكننا القول أن التنسيق بين روسيا وتركيا يتجاوز الملف السوري إلى تفاهمات واتفاقيات في مجالات الطاقة والتجارة ولا يكاد يمر شهر إلا ويلتقي أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين ووصل التعاون والتقارب بين البلدين إلى درجة أن تركيا العضو في حلف الشمال الأطلسي أجرت مناورات عسكرية مشتركة مع البحرية الروسية في البحر الأسود منذ فترة قريبة.
لا شك أن مواقف تركيا العضو في حلف الناتو في ظل أردوغان باتت موضع تساؤل من قبل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية وخاصة فيما يتعلق بمبادئ الحلف الموجه أصلاً ضد روسيا وباتت تدرك أن الحليف التركي يشكل تهديداً مباشراً على المنظومة الأمنية الغربية فما يمكن أن نشهده في الأيام المقبلة ربما تكون حاسمة بالنسبة لسياسة اردوغان، وقد تكون مؤلمة لسلطته وخاصة بعد دحر الارهاب العالمي المتمثل بداعش الممول تركياً في آخر معاقله وفقدان اردوغان لمعظم الأوراق التي كان يبتز بها الغرب وانتهاء سياسة اللعب على المتناقضات بين القوى العالمية حيث باتت القوى الموجودة في شمال وشرق سوريا عنصر استقرار لم يعد بالإمكان الاستغناء بسهولة عنها في الاستراتيجية والسياسة التي يتبعها أمريكا في المنطقة، وخاصة بعد انتفاء أي بديل لها بعد أن جرَّبت امريكا جميع القوى التي قدمتها تركيا وقطر وغيرها لها وانتهى المطاف بها في أحضان القوى الارهابية كداعش والنصرة ومثيلاتهما والتي باتت جميعها في عهدة اردوغان يستخدمها كورقة تهديد لدول العالم أجمع حيث أصبح الارهاب المُشَكّلُ تركياً حديث الساعة وآخرها كانت في اريتريا التي اتهمت اردوغان بدعم الارهاب على أرضها وكذلك الأمر بالنسبة لمصر وليبيا وغيرها وكذلك الإرهاب الموجه إلى الدول الاوروبية والتي تهددها به اردوغان بين الحين والآخر سواء عبر العمليات الارهابية او عن طريق التلويح بتصديره عبر ورقة المهجرين أو حتى عن طريق الخطاب الارهابي والتحريض الديني المتطرف كما حدث في نيوزلندا مؤخراً وقبلها فرنسا وغيرها من الدول التي طالتها يد المجاميع الإرهابية المرتبطة بخليفتها أردوغان بشكل مباشر.
إن صفقة الصواريخ الروسية إس 400 ليست إلا واجهة لحجم التأزم في العلاقات بين تركيا ودول الناتو فليس مستبعداً أن تُطرد تركيا من حلف الناتو وهو ما لوَّح به مايك بنس بوضوح بقوله : (على أنقرة الاختيار بين أن تبقى شريكاً مهماً في أنجح تحالف عسكري في تاريخ العالم، أو أن تجازف بأمن هذه الشراكة عبر اتخاذ قرارات طائشة) كما أن بدائل القواعد الأمريكية في انجرليك التركية باتت متوفرة ومرحب بها في أكثر من دولة كاليونان والأردن وحتى في العراق وشمال شرق سوريا، وبالمستطاع القول أن البحث عن القوة البديلة عن تركيا في الناتو باتت لها صدى واسع بين الحلفاء وربما تشكل البرازيل إحدى هذه القِوى البديلة لتركيا، بالتوازي مع الحالة المتأزمة التي أوصل إليها اردوغان تركيا التي لم تعد خافياً على أحد وحجم العداوات التي شكلتها سياسة أردوغان لدول العالم قاطبة جعلتها في عزلة شبه تامة إقليمياً ودولياً والرغبة في التخلص منه(أردوغان) أصبحت مطلباً عالمياً لِما يشكله من تهديد للأمن والسلم العالمي عبر ترأسه لشبكة الإرهاب العالمية ابتداءً من جماعات الاخوان المسلمين ومروراً بداعش والنصرة ومثيلاتها لذلك تركيا برئاسة أردوغان مقبلة على سنوات عِجاف سواء على الصعيد الداخلي وصعود المعارضة أو على الصعيد الخارجي وصِدامِها مع القوى العالمية والإقليمية
ومن هنا فقد بات تغير الذهنية الدكتاتورية والتوقف عن معاداة إرادة الشعوب وفي مقدمتها الشعب الكردي والانفتاح على الداخل والاعتراف بالتنوع الثقافي والتوقف عن السياسة القومة دينية العنصرية والإرهابية من الضرورات الملحة التي يمكنها أن تنقذ تركيا من أزمتها الخانقة وإلا فإن التغيير والربيع مقبلٌ عليها ولن تنقذها حينئذ جميع قوى الإرهاب التي صنعتها ومولتها وعلى العكس قد تصبح وبالاً عليها لن تستطيع التخلص منها لسنوات طويلة.[1]