نقد التقييم النقدي. دفاعاً عن الحوار السوري. حينما يصر فاتح جاموس أن لا يرى البوصلة
ثوابت أساسية حين تبدأ عملية التفاوض
كم مرة يجب أن يتم تكرار هذه النتيجة المؤلمة: يمضي الكردي نصف وقته كي يثبت لشركائه؛ من المفترض أن يكونوا بالشركاء؛ بأنه غير الانفصالي وغير الانقسامي، وأنه بالذي وقع عليه وحده أكثر من غيره فعل التقسيم، ومورس بحقه أكثر من غيره مقصد الانفصال؟ علماً بأن هذه النتيجة أحدثت –تظهر هذه الأيام بشكل واضح- انزياحاً جليّاً مُسبِّباً جزراً وتقعيرَ لمن يصر أن يكون ماشياً في طريق هذه النتيجة.
كي نميل سويّاً إلى جهة الديناميك أكثر فلنحدد بداية وليكن هذا النقد جزءً مستمراً من عملية كسر الجليد في مسيرة الحوار السوري السوري؛ الذي بدأه مجلس سوريا الديمقراطية مسد في صيف العام الماضي وألحقه بثانٍ في خريفه. وفي ربيع العام الحالي قبل عدة أيام أنهى حلقة أخرى منه. أكاد أجزم بأنها الأكثر نجاحاً؛ إنْ على مستوى هذه السلسلة أو على عموم الاجتماعات والمؤتمرات السورية منذ بداية الحراك الثوري المتحول إلى أزمة بسبب عدم أهلية أغلب أطراف الانقسام الوطني بأن يكونوا أطراف الحل.
ثلاث أمور انطلق منها السيد فاتح جاموس وأرادها أن تكون بمثابة التعكز ليخلص إلى نتيجة نسف الحوار وما تمخض عنه؛ لا يهم هنا كثيراً أيّها المصطلحات التي يضمنها؛ على سبيل أن يتحول مجلس سوريا الديمقراطية إلى مركز جذب وطني بطريقة التفخيخ الواضحة التي يستخدمها السيد فاتح. النقطة الأولى غير الصحيحة؛ بأنه جرى اختزال ما تمخض عن عين عيسى2 إلى مسألتين هما المسألة الدستورية التي نالت نصيبها مدة يوم كامل ل22 مادة ارتأتها اللجنة التحضيرية-لم تضم أعضاء من مسد فقط- بأنها بنود فوق دستورية أو أساسية محصنة لأي عملية دستورية سورية تقدم. أما المسألة الثانية آليات الانتقال الديمقراطي/ خارطة طريق حل الأزمة السورية والتي اختزلت بدورها جميع النقاط الموصى بها في عين عيسى2 بما فيها انهاء الاحتلالات مشاركة بالمواد فوق الدستورية المتعلقة بالسيادة ووحدة التراب ومكافحة الفاشيّات وكل الظواهر التي نجمت في عملية كسر العظم الممارسة من قبل أغلب الأطراف السورية لبعضها الآخر على مدى ثماني سنوات فائتة. أما النقطة الثانية بما ذكره السيد فاتح أو في تقييم تيار التغيير السلمي بأنهم قاموا بالتحفظ على البيان؛ علماً بأن جميع جلسات الحوار كانت مسجلة مقيّدة وأن السيد فاتح أكد تحفظه على بعض النقاط في البيان وليس كل البيان؛ أي أنه يعتبر هو وتياره بالموقعين على الفحوى العام للبيان، ولن يفيده مقصد التنكر من ذلك، ولأي غاية يتنكر. على العكس تنكره في ذلك لا يفيد عملية الجمع الوطني بدلاً من الانقسام، كما يجعل من أفكاره سبيل نسف وليس طريق الوئام. أما النقطة الثالثة بما أفصحه في (التقييم النقدي) بما أسماه بالعنعنة حيال تحديد الموقف من قرار الرئيس الأمريكي في سيادة اسرائيل على الجولان السوري. علماً بأن تفسير ذلك يوصف ويصنّف في خانة المزاودة. لا شيء آخر. ثلاث حوارات برعاية مجلس سوريا الديمقراطية وتحت علمه المتضمن بسوريا إبّان الاستقلال غير منقوص منها شبر. فيها لواء اسكندرون: وهو يعلم كيف تم التنازل عنها وأيُّها الجهات التي تنازلت، وفيها عفرين وفيها الجولان المحتل. كان ذلك الاصرار كلاماً يتردد على أرض كوباني القلعة النضالية التي هزمت أعتى الفاشيات في الألفية الثالثة. مجرد كلام أمام مكونات قدمت أكثر من 30 ألف شهيد وجريح ومعوق في الحروب الديمقراطية كرداً وعرباً وسريان آشور وتركمان وغيرهم بالدفاع عن إرادة مكونات الجغرافية السورية. كان من المنتظر للسيد فاتح أن يقول بأن أفضل علم يمثل السيادة السورية هو علم مجلس سوريا الديمقراطية.
لماذا لا يرى جموعاً من السوريين البوصلة؟
تتهافت الفكرة/ الأفكار حينما يظهر صدأ الاستعصاء في كل عملية مناولة للحل. الصدأ الفكري علاوة على أنه عامل مثبط للحل فإنه مكرس للتقسيم؟ كيف هذا؟ ولماذا هذا الذي؟
الكل يرفض سايكس بيكو. الكل ينعتها بالمؤامرة. سوى أن الأغلب يدافع عن الحدود. وكأن المدافعون وظفوا أنفسهم ومن دون مقابل كحراس لخرائط سايكس بيكو. فيمضون في ذلك ويؤكدون بأن السيادة للحدود. فلا يملك أدنى فكرة بأن السيادة للشعوب التي سجنتها الفكرة وعذبتها الحدود والهويات والخرائط والدساتير المفروضة عليها منذ مئة عام. سوريا جزء من هذه المقتلة.
أغلب من حضر؛ وبقوة المناضل السوري فاتح جاموس؛ مقتنع ومصِّر بحق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا بما في ذلك حق الانفصال؛ لكنه في اللحظة نفسها مصر على أن تكون الجمهورية العربية السورية. نصحح لشركائنا السوريين بأن تكون فقط الجمهورية السورية كما بالتي ظهرت أول مرة بعد جلاء الفرنسي؛ لأنها الأكثر دلالة ولا تحتمل استعلاء قومي وتهميش لقوميات وشعوب أخرى. وبأن الدولة القومية المركزية فشلت؛ ولا نية للكورد أو الكُرد-ليس الأكراد- المنتمين لفكر الأمة الديمقراطية بتكرار الذي فشل. وبأن حرية الكرد كمطلب حقيقي وكردستان كحقيقة جغرافية تاريخية؛ سوى أن هذه الحرية لا تتحقق عن طريق الدولة القومية المركزية. إنه عصر الأمم الديمقراطية وكونفدرالية الشعوب. يجب أن نتعظ على الأقل من سقوط كل حاكم مستبد، ومن كل التغييرات المتحصلة. وبأن سوريا اليوم لا تشبه ولا يمكن ارجاعها إلى ما قبل 2011. يجب التفكير واستمرار النضال والمقاومة الديمقراطية للعمل كيف تكون سوريا الحل ومرحلة ما بعد الحل. فأيٌّ منا أصابه العنعنة والغمغمة والتمتمة؟ فأيّ منا يصر على القوقعة والبقاء عيشاً في حقيقة الكهف والاستمرار واهماً ومهدداً بالنسف؟
استعصاءات أخرى صاحبت السيد فاتح. يرفض فكرة تعميم الإدارة الذاتية؛ وربما كل الإدارة الذاتية كحل للأزمة السورية. ويرفض أن يسميها كوباني وهي كوباني ولم تكن يوماً بعين العرب. مثلماً لم تكن يوماً بالقحطانية إنما بتربه سبي أي قبور البيض. مثلما لم تكن بالمالكية إنما بديريك وهو الاسم السرياني. علماً لا مشكلة لمجلس سوريا الديمقراطية مع القحطانيين ولا مع ابن مالك. ويصر أن تتحول مسد إلى مركز جذب وطني؟!
لم تثر حفيظة أحد حينما وزع الأستاذ جاموس أوراق مشروعه قبيل انعقاد الحوار السوري السوري الثالث، وقام بتسليمها على كل أو أغلب من شارك بالحوار، مع العلم كان الاتفاق أن يتم نقاش مشروع تياره ما بعد انقضاء الحوار. وأن يحظى بإغناء كامل ونقاش مستفيض في اجتماع مع مسد طالما بأن الموضع يتعلق بمسد. وهنا لن أرد على أحد يقول: بأن مقاربة تيار التغيير السلمي في هذه الجزئية كانت من منطلق البراغماتية السلبية ومحاولة لم تنجح إلى تغيير لا سلمي للحوار من مسألتين اتفق عليها وعمل عليها لشهرين وأرادها التيار السلمي باتجاه آخر.
كي يرى جميع السوريين البوصلة
لم يجلب الكردي وشركائه التاريخيين في روج آفا وشمال سوريا وكامل شرق الفرات التحالف الدولي ولا الولايات المتحدة الأمريكية. في الوقت نفسه لم تجلب السلطة في دمشق روسيا على الرغم من سؤالها الصريح في ذلك. الذي حصل بأن نظام عالمي يتغيّر. يتغير من نظام القطب الواحد إلى متعدد الأقطاب. وحين القناعة في ذلك؛ لنجد بأنه حتى يثبُت ذلك فإن وسائل كثيرة تلزم. لا يمكن القبول من المنطلقين الأخلاقي والسياسي أن يتم تصنيف الإدارة الذاتية ضمن هذه الوسائل؛ فهي التي تأسست قبل تحالف قوات سوريا والتحالف الدولي ضد الإرهاب، وهي التي اكتسبت رمزية الحل السياسي في مقاومة الفاشيّة داعش من خلال هذا التحالف. لا يستقوي مسد بالأمريكي؛ إنما بالشعب ومقاومته، وينطلق من إدراك جمعي يحدث لكل مكونات شعب سوريا بأن بديل الإدارة الذاتية الديمقراطية إما الماضوية العثمانية أو الماضوية السياسوية في طهران أو الماضوية للاستبداد المركزي ونظام حكم الحزب الواحد في دمشق. هذه ضرورات الإدارة الذاتية وتحدياتها في الوقت نفسه. نرجو أن يدرك ذلك جيداً من حضر الحوار ومن لم يحضره.
الإشارة العظيمة التي أطلقها الحراك الثوري السوري والتي خسرت فيها السلطة معرفياً فكرياً بأن النظام شديد المركزية فشل. وبأن الحل يكمن في اللامركزية الديمقراطية المؤدية إلى توزيع حاسم للسلطات فيها للحكومة المركزية السورية صلاحيات، وللإدارات الذاتية السورية صلاحيات، وسلطات أو صلاحيات مشتركة ما بينهما/ بينها.
إضافة فكرية ابستيمية لتحديد البوصلة
نهاية، ولا نهاية لأي حوار: أقتبس فقرة من مقال كتبته قبل أكثر من عامين: ديالكتيك هيغل كان يحبو، قلبه ماركس على بطنه، أوقفه أوجلان على قدميه. انتهى الاقتباس. أما سر الوقفة فيكمن بأن الحل الأوجلاني يخلص إلى الأمة الديمقراطية بالضد من الأمم التنميطية؛ من خلال صراع تاريخي مرير ما بين ستاتيك الاستبداد/ الفاشيّات وديناميك الديمقراطية التي بدأنا أولى خطواتها، وينتظر تشكيل (الكتلة التاريخية) حوامل المشروع؛ ليس فقط من الكورد إنما من عموم الشعوب السورية. أما الديمقراطية هنا فهي الجذرية التي تؤدي أن يقبل فيها الجميع للجميع كيفما يريد أن يكون موجوداً وبالشكل المحقق للانتماء السوري الذي لم يتحقق حتى اللحظة. غير ذلك انتماء إلى لا حقيقة من يعيش في الكهف ويعتبر بأنه الحقيقة وخارجه هو الوهم. بالعذر من أفلاطون.[1]