النظام التركي – السقوط الأخلاقي
القضية الكردية وتوازنات الدول الإقليمية
يبدو واضحاً أن الأحكام والحسابات والمصالح والتحالفات الإقليمية المشبوهة التي تُحرك بعض الدول والحكام والأنظمة، وتحدد بوصلتها، وتجعلها تتنكر بسهولة لأبسط قواعدها، هي نفسها التي تسمح لها بالمقابل بالعمل على الهتاف بحياة المستبدين(البشير)، وتقديمهم كأبطال وطنيين يدافعون عمَّا يسمى الأمن القومي لبلدانهم، فكيف يُبيح هؤلاء لغيرهم ما لا يرضونه لأنفسهم؟ ألا يتصادم الانحياز للعسكرة التي يصفق لها اردوغان في الخارج بقوة كما في (ليبيا)، مع مَدَنيَّة الدولة التي يتشدق بالدفاع عنها بشدة في الداخل؟ لعل ذلك أصل البلاء ومفتاح المفارقة التركية وربما كان واحدةً من معالم السقوط الأخلاقي لدى النظام التركي.
الموقف الأمريكي غيَّر من معادلة التفكير التركي، فلم يتوقع النظام التركي بأن تصل درجة التصعيد مع واشنطن إلى هذه النقطة الحَرِجَة؛ فالموضوع أصبح معقداً أكثر الآن خاصةً بعد إدراج الحرس الثوري الإيراني على لوائح الإرهاب، الخطوة التي جاءت بالتزامن مع فرض عقوبات على إيران بشكل عام، وهذه الخطوة تُعتبر الأولى التي تقوم بها واشنطن بتصنيف جزء من جيش دولة ذات سيادة كمنظمة إرهابية، خاصة وأن الحرس الثوري الإيراني يُعدُّ أحد أهم العناصر داخل الجيش الايراني، وبالتالي عملية التصعيد ما بين واشنطن وطهران يمكن اعتبارها بمثابة إنذار للأتراك أنفسهم، وهذا ما يجعل خيارات تركيا وجنرالاتها صعبة وذات أبعاد ثلاثية:
الخيار الأول: وهو خيار الإصرار على البقاء إلى جانب الروس رداً للجميل على هداياه الثمينة السابقة.
الخيار الثاني: العودة إلى واشنطن وترك روسيا، أي تفضيل علاقات واسعة مع واشنطن على حساب علاقاتها مع روسيا، وهو خيار بعيد الآن في تركيا لقوة التيار الاسلامي وضعف المؤسسات والانهيار الاقتصادي خصوصاً وأن النظام العسكري التركي مبني على منظومة التعاون مع المؤسسات الدولية والعلاقات الدولية العسكرية.
الخيار الثالث: تركيا تحتاج لضبط الخيار الداخلي وجمع القوى المحلية الداخلية بدلاً من الحروب الكلامية فالشعوب التركية نفسها ضجرت من الأوضاع التي آلت إليها مجتمعهم.
الأمر الآخر هو أن جميع القادة السياسيين الأتراك باتوا يدركون الآن مدى الخسارة في التوجه أو الاقتراب من أي عقوبات دولية خارجية، لأن الجنوح إلى الطرف الأضعف سيكون مكلف على النظام التركي.
إن الخيار الثالث و قدرة القيادة السياسية التركية على بناء خيار وطني للتعامل مع شعوبها ومع الجوار والعالم وتعزيز السياسة الداخلية؛ يتيح فرصة للتأمل في مستقبل الشعوب التركية والمجتمع التركي برمته، ولذلك تحتاج تركيا اليوم إلى قرار سياسي لتحديد خيارات الشعوب والمكونات التركية ومصلحة تركيا الوطنية.
وبالتالي خيارات تركيا في ضوء الخيار الثالث(الخيار الوطني) الذي طرحناه ووفقاً للاحتمال الثاني؛ يتطلب من تركيا التفكير بخيارات المستقبل أكثر من اختيار مسار مكلف للمجتمع التركي.[1]