مدينة الحب في مواجهة الثقافات الدخيلة
رحلة إلى الوجع الكردي
في شوارع #قامشلو# (مدينة الحب).. يشعر المرء أن جميع المظاهر الثقافية والاجتماعية السابقة قد أزيحت عن صدر المدينة أو استبدلت بأخرى، ابن المدينة وهو يتجول في شوارع مدينته يشعر بالغرابة ويتملكه الذهول.. فالمدينة استبيحت من قِبل البعض. الأسواق مكتظة بوجوه هلامية غير مألوفة لديه, ظاهرة النسوة اللواتي يلفهنَّ السواد (العادة المنتشرة بكثرة هذه الأيام), تذكرنا بانتشار سيارات (الادخال) التي غزت شوارع مدننا بتلوثها وعطبها وضجيجها في تحدِّ واضحٍ
ل (بكرو) ولسيارته. وغيرها الكثير من الثقافات الدخيلة.. كل ذلك وفي مدخل كل شارع في مدينتي صورة مُعلقةٌ من خِيرة الشباب أو الشابات ومدون تحتها (الشهيد/ة .. ) من الذين دفعوا أغلى ما يملكون للحفاظ على مجتمعهم وثقافاته.
ولأنه يمشي .. فعيناه مفتوحتان على كل شيء.. والذكريات تنهال من كل شارع، وزقاق، وساحة، وباحة .. وفي كل زاوية مهملة. هنا كُنَّا نلعب الدحل(الغار)، وهنا كنا نتبارز ب (الصيَّاح أو الخذروف – والكلمتان بالكردية تعنيان “البارومة”) وهنا كنا نتسابق في رمي الحجيرات .. وفوق هذه الشجرة كم أقلقنا راحة العصافير. هنا كنا نجتمع نحن الصغار ليستعرض كل منا بطولاته ومغامراته, وكنا نؤسس عصابات ونطلق عليها أسماء غريبة استغرب من أين كنا نأتي بها.
أيقظته من دهشته مرور عربة يجرها حصان وأجراسه، ودغدغت ذكرياته طقطقة حدوة الحصان فابتسم بخجلٍ خشية أن يلاحظه أحد ما وبدأ يخاطب نفسه أليست هذه هي العربة ذاتها التي كنا نتعلق بها في غفلة عن صاحبها الذي ما إن حسَّ علينا انهال علينا بالشتائم والمسبات، ونحن نبتعد عنه وتملؤنا الفرحة والتفاخر لأننا حظينا بركوبها بينما البعض من رفاقنا لم يتسنَ لهم ذلك؟؟.
هكذا كانت حياتنا وهكذا كانت مدينتنا.
الثقافة مجموعة طرق نشأت عليها جماعة معينة من الناس, فغدت لها تراثاً مشتركاً يتم التصرف بموجبها, وأشد ما أعجبني من تعاريف الثقافة هو التعريف المشهور الذي أطلقه “هيريو” على الثقافة بأنها ما يتبقى للإنسان بعد أن يكون قد نسي كل شيء”, فهل ترى بقي لنا شيء لنتذكره؟
في إطار ما تقدم, وفي ضوء تحديات العصر يتطلع كل منا إلى المستقبل بلهفة توحيها مسؤولية كل مواطن وشعور بأننا نعيش زمناً ضاقت فيه رقعة الكون فتداخل نطاق المسؤوليات ولم تَعُد العُزلة على هذا الصعيد بالممكنة؛ فبأي مستوى ثقافي نجابه سير الأحداث؟ سؤال مطروح بحكم الواقع والمنطق و.. الكرامة.
صريح الكلام، في مدينتي عَشَّشَتْ تقاليد وعادات وثقافات جديدة دخيلة .. تحولت مدينتي الى (تجاعيد وعاهات)، والسطور لن تكتمل بعد .. والعوائق والحواجز مستمرة في تغيير علامات المدينة المبتلية بكل ما هو طارئ وغريب.
وما يهم المواطن اليوم بالدرجة الأساس هو العيش بحرية وكرامة في مدينته التي يعرفها وتعرفه وليس أي شيء آخر. فهل من الصعب أن يتحقق له ما يريد؟؟؟[1]