عن العقد الاجتماعي الجديد
إليان مسعد رئيس وفد معارضة الداخل إلى مفاوضات جنيف ورئيس هيئة العمل الوطني السوري المُعارِضة وعضو ملتقى الحوار الوطني في عين عيسى
لا يهم الدستور ومن يكتبه ولكن يهمنا جداً ما يتضمنه من محددات عصرية تلغي كل إمكانية للاستبداد أو التمييز الديني أو العرقي أو التحايل للعودة إلى نظام أحادي لا تشاركي أو للانفصال وتجزئة الوطن، والمبادئ فوق الدستورية التي تقدمنا بها للمجتمع الدولي بجنيف ماهي وما تقدم به وفدنا للسيد ديمستورا وللدولة السورية.
ما هي المبادئ فوق الدستورية ومن يضعها؟ وما مضمونها وما حاجتنا إليها في نظامنا المقبل؟
تعريف المبادئ فوق الدستورية، هي مجموعة من القواعد والأحكام، يتم رفعها إلى مرتبة أعلى من مرتبة الأحكام الدستورية نفسها، فتكون مطلقة ثابتة سامية، محصَّنة ضد الإلغاء والتعديل، عند تعديل الدستور، أو تغييره، أو حتى تعطيله، وتصبح فوق الدستور وحدّاً عليه، ولا يجوز مخالفتها بمواد دستورية أخرى، وتكون المحكمة الدستورية ملزمة بمراعاتها وتطبيقها، حتى لو لم تكن مُتضمّنة في الدستور (تأتي أحيانًا بوثيقة مستقلة).
يحتاج تفهم الناس قضية المبادئ فوق الدستورية، وإزالة الغموض والالتباس المحيط بها، وتأسيس وعي عام إيجابي بموضوعها، وتقليص فرص النزاعات المحتملة بشأنها، إلى جهد كبير مخلص، يبذله المهتمون بشأن بلدهم العام، والحريصون على خلاصه، سواء أكان هؤلاء جهاتٍ أم أفرادًا، وهي مبادئ يتم التوافق عليها مسبقًا، وقبل المباشرة في كتابة الدستور، من قبل جميع القوى والمكونات المجتمعية الموجودة، دون استثناء، بغض النظر عن حجمها، وموقعها، ونسبة تمثيلها، والغرض منها إلزام السلطات القادمة، والمتعاقبة، مهما كانت أغلبيتها البرلمانية، وقدرتها على التفرد بالسلطة، بالحدود الدنيا المشتركة بين مختلف مكونات المجتمع، وعدم تمكينها من تعديل الدستور بحسب رغباتها، واستصدار قوانين تهدد الحريات العامة، وحقوق بعض المكونات الضعيفة.
مضمون هذه المبادئ -عموماً- هو الحريات العامة، والكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان الأساسية، وعدم التمييز بين المواطنين، والتي يكتسبها الإنسان لمجرد كونه إنسانًا، وقد أصبحت حقوقاً عالمية، وواجبة الاحترام والتطبيق بعد تبنيها من قبل الأمم المتحدة، وتضمينها في “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، الصادر عن المنظمة الأممية، في العام 1948، ثم في “العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في العام 1966، وكثيراً ما أصبحت تُضاف إلى الدساتير الوطنية، وتُعطى صفة السمو والثبات، يضاف إليها -كذلك- مبادئ أخرى، تفرضها أحوال البلد وهمومه؛ فمشكلات تمثيل الولايات حضرت، كمبدأ فوق دستوري، في دستور الولايات المتحدة بعد الاستقلال، وتثبيت النظام الجمهوري فرض نفسه على الدستور الفرنسي كمبدأ أعلى، ومآسي ألمانيا، بعد حربين عالميتين مدمرتين، فرضت نفسها على دستور عام 1948، عبر مبادئ سامية، تقطع الطريق على عودة التطرف والديكتاتورية، من خلال اللعبة الديمقراطية (نظرية تحصين الديمقراطية)، ويمكن الحديث بالطريقة نفسها عن حاجة جنوب أفريقيا إلى تصفية آثار نظام التمييز العنصري، وتعزيز المصالحة. ومن أشهرها أيضاً المبادئ فوق الدستورية الواردة بالدستور التركي والتي كرست علمانية الدولة التركية والتي تعيق أردوغان بمساره باتجاه الاستبداد.
تصبح الحاجة ماسّة إلى هذه المبادئ، ويرتفع الطلب عليها بشكل خاص في البلاد التي تحتاج إلى بناء نظامها السياسي والقانوني الجديد، بعد المرور بفترة نزاعات عنيفة وحروب أهلية، تؤدي إلى تحطم الروابط المجتمعية والوطنية، وأسس التعايش بين أبناء البلد الواحد، وتقسم الناس على أسس ما قبل الوطنية: طائفية ومذهبية وعرقية وعشائرية وعائلية؛ الأمر الذي يعني سيادة أجواء الريبة والتوجس والشك بين المكونات، وخوف المكونات الأصغر، والأكثر ضعفاً، من نوايا الأغلبية، فيما لو وصلت إلى السلطة. وفي حالتنا السورية، تبدو هذه الهواجس محقة، وثمة مؤشرات كثيرة تدعمها، فالأغلبية بحكم غياب الحياة السياسية، والقوى السياسية الفاعلة، من حياة السوريين ستسعى للاستفراد بالسلطة في أي عملية سياسية قادمة، وترتيب النظام السياسي والقانوني، بما يلائم مصالحها وثقافتها وهواجسها وتجربتها المريرة؛ ما قد يهدد حقوق الآخرين، ويهدد منظومة الحريات العامة، وحقوق الإنسان بشكل عام؛ فلا بدّ -إذن- من قطع الطريق على احتمالات من هذا النوع، عبر التوافق على مبادئ فوق دستورية، غير قابلة للتجاوز أو التعديل، تضمن الحقوق والحريات العامة والأساسية للجميع.
هل هذا ديمقراطي؟ أي أن نفرض مبادئ حاكِمة، تصادر حق سلطة الأغلبية في اتخاذ إجراءات دستورية وقانونية مستندة إلى أغلبيتها؟ الجواب نعم، هو عمل ديمقراطي بامتياز؛ هذا إنْ سلّمنا بأن الديمقراطية لا يمكن اختزالها بحكم الأغلبية، بقدر ما هي احترام والتزام بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية، كانتقال السلطة مثلًا، وهذا موضوع مهم جدًا وإشكالي كذلك، ولا بد أن يُعطى حقه من البحث والنقاش، ومن يذكر حيثيات العملية القانونية التي جرت في مصر بُعيد الثورة، عامي 2011 – 2012، يدرك كم هي المسألة مهمة وواجبة النقاش.
إن فكرة المبادئ فوق الدستورية ليست بجديدة، بل تعود إلى مئات السنين، وإن كانت التسمية هي الحديثة ؛ إذ تُعدّ الوثيقة التي صدرت في بريطانيا، في العام 1100، باسم “ميثاق الحريات”، والتي وضعت حدّاً لاستبداد الملوك، باكورة هذه الطائفة من الوثائق التي تتضمن مبادئَ، تضع حدوداً للسلطات الحاكمة، وتمنعها من تجاوزها، ولعل من أهمها وثيقة حقوق الإنسان الأميركية، التي صدرت عقب الاستقلال عن بريطانيا عام 1776، ثم تلتها الوثيقة الأهم في هذا المجال: “ميثاق حقوق الإنسان والمواطن”، والتي صدرت في فرنسا عام 1789، بُعيد انطلاق الثورة، وحددت -بشكل نهائي- مجموعة الحقوق الطبيعية للأفراد والمجموعات، وفي العصر الحديث، يمكننا الإشارة إلى تجربة ألمانيا الرائدة، أو ما سُمي ب ”نظرية الديمقراطية المحصنة” التي وُضعت بُعيد الحرب العالمية الثانية، وهناك تجربة جنوب أفريقيا، وتجربة البوسنة والهرسك، وغيرها، ولكل منها أحوالها، وحيثياتها الخاصة التي تميزها عن غيرها، لكنّ جميعَها جاءت نتيجة فترات من الانتهاكات، والمظالم، والاعتداء على الحريات، وجميعها يهدف إلى وضع حد نهائي لتلك الانتهاكات.
أما في سوريا فستكون مسألة المبادئ فوق الدستورية الحاكمة للدستور مسألة صعبة بسبب النوايا غير الديموقراطية لهيئة الرياض أولاً، والحالة الاستثنائية التي نحن عليها ثانياً، لكن لا مناص من الخوض فيها، بوصفها المدخل الصحيح نحو تشييد منظومة قانونية سياسية سليمة متماسكة، تضع البلاد على سكة الخلاص.
إعلان المبادئ فوق الدستورية الذي سلمه الوفد المفاوض لمعارضة الداخل برئاسة الدكتور اليان مسعد لديمستورا بجنيف
المبادئ فوق الدستورية
-1. – سوريا جمهورية ديمقراطية علمانية نظامها (مختلط) رئاسي نيابي وذات سيادة كاملة. وهي امتداد للدولة السورية المستمرة دون انقطاع منذ ثلاثة آلاف عام.
-2- سوريا دولة متنوعة أثنياً ودينياً وطائفياً والرجل والمرأة متساويان بالحقوق والواجبات ولجميع المواطنين السوريين نفس الحقوق والواجبات دون أي تمييز.
-3. – وهي وحدة سياسية جغرافية لا تتجزأ ولا يجوز التخلي عن أي جزء من أراضيها.
-4. – وهي جزء من بلاد الشام ومن منظومة عربية وإقليمية ودولية.
-5. – السيادة هي للشعب ولا يجوز لفرد أو لجماعة أو لحزب احتكارها أو ادعائها وتقوم على ممارسة الشعب لسيادته عبر أساليب الانتخاب الديمقراطية التي تتمثل بقانون انتخاب عادل وشفاف يعتمد النسبية بالانتخاب ويعتمد نظام الدائرة الانتخابية الواحدة ومع اعتماد اللامركزية الإدارية وفصل السلطات.
– 6.- اللغة الأساسية للدولة هي اللغة العربية ويراعى حق الأقليات بالتكلم وتعليم لغاتهم وثقافتهم الحضارية.
-7.- عاصمة الدولة دمشق.
-8.- سوريا دولة تلتزم بشرعة حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية وحرية الضمير والمعتقد مكفولة ولا يجوز إصدار أي تشريع أو قانون ينتهك هذه الحقوق
– 9- الجيش والقوات المسلحة حماة الوطن والحدود والسيادة والدستور ولا يتدخل بالسياسة
-10-لايمكن تعديل أي من هذه المبادئ فوق الدستورية[1]