الدولة العميقة؛ الغاية تبرر الوسيلة!!!
رحلة إلى الوجع الكردي
أول ممارسة لمفهوم الدولة العميقة كان منذ تسعينيات القرن الماضي في تركيا, وكان يطلق هذا المصطلح للتعبير عن شبكات ومجموعات من جنرالات في الجيش التركي من الذين أخذوا على عاتقهم حماية علمانية الدولة التركية ومحاربة أي حركة أو فكر أو حزب أو حكومة تهدد مبادئ الدولة التركية (العلمانية).
نال هذا المفهوم على استحسان العديد من الدول، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط, وخاصة بعد انتفاضات الشعوب التي تتالت على دول المنطقة والتي بدورها ساعدت على كشف مفهوم الدولة العميقة بشكل أوضح ومدى تأثيرها على مجريات الأحداث، بقيام الدول وأجهزتها بدمج المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والإعلامية للحفاظ على مصالحها وسخرت كل الجهود لبقاء الأوضاع على ما هي عليه بما يحفظ تلك المصالح ، بحجة الحفاظ على الأمن القومي ضد أي تهديد من قبل أي جهة كانت بما في ذلك المواطن نفسه, وهذا ما أكد أن الدولة العميقة لا تسعى إلى التحكم بالمؤسسات فقط بل تسعى إلى التحكم حتى بالمواطنين أنفسهم .
بالمختصر, الدولة العميقة هي أحد مخرجات الدول القومية. التي تدافع عن مصالحها بشراسة من خلال العديد من الوسائل والأدوات التي تمتلكها تحت مفهوم السيادة التي تقوم بتبرير وتشريع أفعالها.
فهي غالباً ما تلجأ إلى العنف خارج إطار القانون أو ما تعرف “بحالة الطوارئ”، حيث يتم اتخاذ العديد من الاجراءات الأمنية خلال هذه الحالة بدعوى الحفاظ على الأمن القومي من الخطر الخارجي وتُوهم الجماهير بأن هناك دائماً عدوٌ متربصٌ لابد من التأهب لصدِّه كونه يشكل تهديداً للدولة “سوريا نموذجاً”، وفي إطار ذلك تقوم الدولة بقمع المعارضين وكل من لا يشعر بالرضا عن أداء الدولة بشكل عام والسياسي والمثقف بشكل خاص. دون نسيان المؤسسات الدينية واستغلالها هي الاخرى لتبرير أفعالها من الناحية الدينية حتى يتم إضفاء طابع (شرعي– ديني)على ممارسات الدولة لفرض المزيد من القيود على التزام الشعوب والمكونات بالصمت “حالة النظام التركي”.
نستدرك هنا, أن مفهوم الدولة العميقة ليس وليد اللحظة، فلقد تم تهيئة الأجواء المناسبة من قبل الدول القومية بأجهزتها ومنهجها وفلسفتها في الحكم والسلطة. ليعمل هذا المفهوم بشكل فعال ويؤدي دوره على أكمل وجه.
خلاصة القول, الدولة العميقة عبارة عن مجموعة من التكتلات والشبكات بين أجهزة الدولة ومجموعات عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية ومدنية ودينية لمقاومة أي تغيير أو توجه من شأنه أن يهدد المصالح الحيوية التي تتوقف عليها وجود الدولة العميقة والقائمين عليها، ونستطيع أن نتلمس ذلك على أرض الواقع في العديد من دول المنطقة من خلال اللجوء إلى (الدفاع عن الدولة وأجهزتها والتشبث بالنظام القائم بوسائل مختلفة ورفض أي تغيير من شأنه أن يلحق ضرراً بالدولة العميقة)، كل ذلك تحت عنوان الحفاظ على المصالح الاقتصادية والأمن القومي.[1]