الوجه الآخر لصفقة ال S 400 … وتفتيت روسيا
الإدارة الذاتية بين التُهم المُلفَّقة والأقلام المأجورة
بدران الحسيني
“مُجرَّدْ فرضية؛ قد تكون محلَّ اهتمام ودراسة وقد لا تكون”.
لماذا لا نحاول استنباط الوجه الآخر فيما وراء صفقة صواريخ S400 بين تركيا وروسيا؟ أو نضع احتمالية حصول فرضية أخرى؟ وهي فرضية واردة بشدة نظراً لتقلبات المواقف الدولية حسبما تقتضي المصالح التي تَنسِفُ كل ارتباط أو تحالف بين الدول؛ وخصوصاً تلك التي تشهد مجريات التاريخ على عداوات كثيرة بينها.
صفقة ال S400 التي أحدثت خضَّةً في العلاقات الدولية وهزَّةً ارتدادية عنيفة في الأوساط السياسية الدولية ومنابرها “على اعتبارها غيَّرت موازين القوى في الشرق الأوسط وأصبحت تهديداً لحلف الشمال الأطلسي الناتو”، وفاضت وسائل الإعلام بالتحليلات والتوقعات والتكهنات التي تقاطعت كلها في أن العلاقات بين واشنطن وأنقرة والعواصم الأوروبية وصلت إلى طلاقٍ بائنٍ لا رجعة فيه، إذ باشرت الأخيرة في فرض قشورِ بعض العقوبات عليها. بيد أن المفارقة تكمن في أننا لم نشهد من أمريكا التي كانت تُعارض وبشدة إتمام الصفقة؛ أيَّة إجراءات عملية أو تحركات جدية في فرض قيود صارمة أو اتخاذ عقوبات شديدة تُدحرج تركيا نحو هاوية الانهيار الاقتصادي كما كانت تزعم في كل التصريحات الصادرة عن بيتها الأبيض؛ سوى بعض القرارات التي خرجت من مجلس الشيوخ والكونغرس و وُضعت على طاولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للدراسة والاختيار، وفصلٍ من فصولِ مسرحيةٍ هَزليَّةٍ يكمن في إبعاد الطيارين الأتراك عن برنامج التدريب على طائرات F35 مما نستوشي نياتٍ تبدو مبطنةٍ بين الدولتين عن هذه الصفقة، ويجنح بنا التفكير إلى وضع فرضية لتوقُّعِ مجاهيل هذه المعادلة التي إن صَحَّتْ ستُحيل روسيا إلى كيانات ودويلات ممزقة، بعد أن تُدَمَّرَ عسكرياً كما دُمِّرت اقتصادياً سابقاً
تؤكد هذه الفرضية الزيارات الأخيرة لجيمس جيفري ومحاولاته إرضاء الجانب التركي لحل المسألة السورية واستمالتها رغم الاحتجاجات الأمريكية الظاهرية على هذه الصفقة. أضف إلى ذلك العقلية التجارية التي يفكر بها الرئيس الأمريكي الذي يستند في محصلات قراراته على كيفية الحصول على الأرباح الهائلة ومواقفه المتناقضة، وتصريحاته مؤخراً في قمة العشرين في اليابان مع الرئيس التركي في إمكانية رفع سقف التبادل التجاري بين الدولتين إلى مئة مليار دولار بالتوازي مع التحالف الوثيق بين تركيا وإسرائيل والعلاقات المتينة بينهما رغم بعض الشوائب السطحية التي تصب في صون ماء وجه تركيا في العالم الاسلامي.
بين هذا وذاك يهيمن على المتتبع لمجريات الأحداث فرضية غابت عن التحليلات والقراءات وتفرض نفسها بقوَّة وهي تكمن في: ماذا لو سرَّبت تركيا تقنية ال S400 وأسرار المنظومة الصاروخية التي تُعتبر الأحدث في عالم السلاح الروسي وتتباهى بها وتعتبرها القبة الحديدية التي تحمي روسيا من الطامعين فيها؛ أو تتساهل في حصول بعض الجهات مثل الناتو على أسرار هذه المنظومة أو اسرائيل التي بدورها ستزود بها واشنطن. “رغم الاتفاق الذي يقضي بعدم إفشاء أسرار المنظومة”.
دوافع هذا الافتراض وحوامله كثيرة ولا استغراب فيها إذْ اعترفت إسرائيل في الأمس القريب وسرَّبت للإعلام المقروء بأنها حصلت على كامل المعلومات عن صواريخ ال S300 التي زُوِّدت بها سوريا خلال الصراع الدائر فيها؛ ما مكنتها من تدمير مِنَصَّاتِ إطلاقها والتشويش على الكثير من راداراتها، فلماذا لا ينسحب ذلك على تركيا وأمريكا بشأن ال S400 بغية تفادي الانزلاق التركي أو تحوُّلِها إلى دولة فاشلة بقيادة زعيمها المريض على حساب تدمير الترسانة الصاروخية الأحدث لروسيا وهنا مكمن الدور المنوط بتركيا في ضرب العمق الروسي عسكرياً واقتصادياً.[1]