السياسة : الجزء الأول / من هو السياسي وكيف يفكر
مقالات/ محمد صالح البدراني
الفصل بين السياسة والعمل في السياسة مهم، ومجرد عمل الفرد بغض النظر عن كفاءته وثقافته في السياسة لا يعني انه سياسي لان تصوره انه اضحى سياسيا سيجعله يتخذ قرارات مضرة بمستقبله وما سيؤثر من قراراته بشكل وآخر على مجتمعه، لذا سنضع محاور لهذا الموضوع.
((1)) من هو السياسي وكيف يفكر، ((2)) السياسة الدولية وعلاقتها بالسياسة الداخلية القرار السياسي، ((3)) طريق التفكير السياسي.
((1)) السياسي هو دواء لواقعه وليس قاضيا أو مدعي عام على مواطنيه، تطوع للعمل مهما كانت دوافعه فهي مشروعة إلا خيانة الأمانة بكل ما تعنيه من تفاصيل واسعة ودقيقة، وعندما يتحدث السياسي كقاض في لوم الجمهور معزيا فشله لسلوكهم فهو ليس سياسيا، بل هاو مندفع لمصلحة لا علاقة للجمهور بها إن لم تك مؤذية، ففشله في إقناع الجمهور يستدعي المراجعة والتخطيط والدراسة وليس اعتبار الصواب عنده والجمهور لا يعرف الصواب، هذه وحدها تدل أن إقصاءه يعني الجمهور يعرف الصواب الأنا العمياء التي تصور للعاملين في السياسة امتلاك الحقيقة أو أن الجمهور لابد أن يكون جميعه مؤيدا لهم على الصواب والخطأ وان لا غيرهم قادر على إدارة البلد رغم الغالب أن هذا النوع لا يجيد الإدارة كما لا يجيد السياسة.
التخطيط مهم والتغيير لا يأتي اعتباطا وإنما بالتخطيط(العزم) والتنفيذ المبرمج (الإرادة) وليس للأمنيات والرغبات تصور عن النتيجة وان حصلت صدفة أولخلو الساحة السياسية، فلا أمنيات ، قد تنجح تكتيكيا في مفاصل عدة لكنك وفي خمرة الإحساس بالتمكين لا ترى غبار العاصفة التي ستقلع ما بنيت لأنكنجحت تكتيكيا لكونك ضمن استراتيجية من يخطط فعلا ليحكم الوصول أهدافه وليس الوصول أهدافه فحسب واستخدم طاقاتك ومساحة إمكانياتك في مخططه، فلطالما تشجع الدول المحتلة الانقسامات وتوازن مراكز القوى ضمن أهدافها فلا تحمل وزر الدماء والفساد والتدهور الاقتصادي لا لأنها غافلة أوعاجزة وإنما هي تريد أن يصل هذا البلد إلى درجة من التفكك والهدم بحيث ممكن أن يقبل بناء تخطط له، ويفاخر المستخدم الوسيط بقوته وهذا سيبرر دوليا لاستخدام القوة عند الحاجة بل إبادته عند وصوله الخط النهائي لاستخدامه فيجري تنظيف الساحة للمرحلة الأخرى، فمن وجد نفسه في هذا الموضع فليحاول إصلاح ما افسد لأنه لن يجد من يحزن عليه، فالقوى العظمى صفرية أمام عدوها وان لم تبدو صفرية والقوى الضعيفة تبحث عن التنافسية لإيجاد محل فان ظهر خلاف ذلك فهو خلل لكن يصدقه من استثيرت غرائزه في السيادة والتملك فتوقفت منظومته العقلية عن ادراك الصواب، حالنا هو هذا التفاخر والتباهي وليس حساب علمي للخسائر ومدى تقدمنا نحو الغايات والأهداف ودرجاتها وبذلك نكون ضحايا ونزعم البطولة فلا نتذمر ان وجدنا العالم ضدنا ولا يرى ظلما نحن أول من انكره بصوتنا العالي.
يأتي هذا من خلل التفكير المؤدلج الذي لا ينظر بواقعية، لان الجهاز المعرفي يعتمد البطولات بمفهوم ما ليس بالضرورة مناسبا لواقعنا وإنما يتبع النصوص المرنة التي يزعم أنها تنطبق عليه وهو ليس كذلك، كان يقول إن الله سينصر المؤمنين وهو لا يرى انه ليس ضمن مواصفات أولئك المؤمنين في الوعد لأنه لو كان منهم لتحققت أسباب الانتصار في تخطيطه وسلوكه وتصرفاته وعقليته ونفسيته وليس بافتراضه الوهمي لتوصيف نفسه وهو يعدم العدالة بسلوكه ويمثل الظلم، أو يتوقع معجزة على فرضية فرضها لنفسه.
أما التفكير العلمي فهو العقل قبل التوكل، وهو الدراسة والتخطيط، والنظرة لواقع الحال والمتاح ووضع الأهداف المتتابعة نحو الغايات، ولا شيء مرتجل أويعتمد على الأمل بالنجاح، فان كنت محتلا مهزوما مدمرا لا تملك حقيقة ما يواجه به أعداؤك، فإظهار أنك بطل هذا لإرضاء نفسك، وإظهار كأن ما تحدثه خسائر هذا تبرير لعدوك بقتلك ومشاهدة الأمم ذلك لأنها ستتصورك المعتدي وهو المظلوم وأنت خطر على نفسك لتتولى أمرها، فانت تعمل ضمن استراتيجية العدو وأنت لا تدري.
تدريب السياسي:
السياسي ينبغي أن يتدرب ويدرس الجغرافيا السياسية والاستراتيجية وان يعلم مواطن الضعف في ذاته والعمل كفريق، فالتدريب مهم ومعرفة سير السياسيين ليس كسرديات وإنما كخلاصات ومادة تفكير في ورشات تفكير سياسي، ويتعلم أن لا تغلبه الأيدلوجية وإنما ينظر إلى الحالات من خلال عوامل ثبات الكرسي (لاحظ الجزء الثاني) وكذلك إزالة سلبيات الجهاز المعرفي والتربية المعتمدة على المبالغة وإيهام الذات بما لاوجود له حقيقة فيكون تفكيره خارج الواقع وهذا من الكوارث، أو يقدم من لا فكرة له عن بناء الدولة وإنما يسلك الأساليب فوق الدستورية، فهذا ينبغي ترويضه بالتدريب وملئ الفراغات بالفكر السياسي بدل الوهم، أو تتمكن غريزة حب السيادة عندها يصبح الحديث عن القيم والتوجهات من مظاهر الفشل لان هذا العامل في السياسة قد يسلك ما ينكره ليشبع غريزته في السلطة وهو لم يدرب جيدا على أهداف حقيقية وواقعية أو جادة والا لجعلها تسير على الأرض وهذه الحالة بالذات مضرة للمجتمع وتحبط في عملية التطور المدني على مسارات متعددة..[1]