الدين الاشتراكي .الاشتراكية الكونفوشيوسية ( الجزء الرابع )
اريان علي احمد
الحوار المتمدن-العدد: 7431
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
الصين تعتبر الصين من أقدم الحضارات في العالم. عندما نريد دراسة تاريخ الفكر العالمي ، علينا العودة إلى هذا البلد. القاعدة الأولى في الصين. يعود تاريخه إلى عام 2200 قبل الميلاد إلى عام 1800 قبل الميلاد. أي أنهم حكموا لنحو 400 عام. 17 ملوكًا حكموا على التوالي. كان لهذه الإمبراطورية حدود بحرية كبيرة ، أي قوة بحرية قوية ، فضلاً عن حدود برية كبيرة. من الناحية الاقتصادية ، كانت الزراعة السمة العامة لمعظم الحكام الصينيين. في الوقت نفسه ، كان هناك احتراف ، خاصة في استخراج واستخدام المعادن ، وخاصة الحديد والذهب والفضة. كما لعبت التجارة ، وخاصة المحلية ، دورًا صغيرًا في الحياة الاقتصادية وكان هناك تجار. بسبب وجود الزراعة ، كانت هناك طبقة من الفلاحين والنبلاء ، ودائمًا ما كان النبلاء الصينيون يعاملون الفلاحين بقسوة شديدة. بعبارة أخرى ، كان الظلم هو السمة الرئيسية لمعظم الحكام الصينيين. لذلك كانت هناك على الدوام ثورات وحروب دامية بين الفلاحين والنبلاء ، وبرز عدد من الحركات الفكرية والدينية التي طالبت بالمساواة والسلام والعدالة والحكم الصالح ، وعلى رأسها كونفوشيوس. كونفوشيوس كونفوشيوس يعني ماستر كونج في اللغة الصينية القديمة. ولد كونغ عام 551 قبل الميلاد ، وتوفي عام 470 قبل الميلاد. كانت رسالة كونفوشيوس الرئيسية هي تشجيع الناس على تجنب الأنانية ، الملكية. قال كونفوشيوس: إذا ترسخ المبدأ العظيم للأخلاق العظيمة في العالم ، فإن العالم كله سيصبح دولة واحدة. إذا كان بإمكان الناس تعيين أشخاص أخلاقيين وقادرين حكامًا لهم والعمل من أجل تشكيل حكومة جيدة ، أثناء العمل على نشر فكرة السلام ، فلن ينظر الأطفال إلى آبائهم فقط ، ولن ينظر الآباء فقط إلى آبائهم. أطفالهم يعملون لمساعدة كل كبار السن ومساعدة الأطفال وتربيتهم. كما أنها توفر الحياة للأرامل والأيتام والمرضى. هذا سيضع حداً للأنانية وفي نفس الوقت يضع حداً للسرقة والخيانة والاحتيال. أي أن كونفوشيوس كان أول من دعا إلى نظام اجتماعي. تعتبر خدمة المسنين والمرضى والأطفال أساس نظام الخدمة الاجتماعية الذي وصفه ماركس وإنجلز في بيان الشيوعية. ما لا تتمناه لنفسك لا تفعله للآخرين»، و«العلم الحقيقي يكون عندما تدرك مدى جهلك»، و«لا بد أن تُعلم عامة الشعب بدلاً من إخضاعهم»، و«عندما تدرك عجزك عن الوصول إلى أهدافك لا تغير هذه الأهداف بل عدّل خطواتك»، و«هناك ثلاث وسائل لتعلم الحكمة: الأولى من خلال التأمل وهي الأنبل، والثانية من خلال التقليد وهي الأسهل، والثالثة بالتجربة وهي الأمرّ»، و«في الدولة التي تُحكم بشكل جيد يصبح الفقر يصبح شيئًا مخجلاً، وفي الدولة التي تحكم بشكل سيئ يكون الغنى شيئًا مخجلاً»، و«إذا فكرت في معيار زمن قدره سنة فازرع بذرة، وفي معيار زمن قدره عشر سنوات فاغرس شجرة، وفي معيار زمن قدره مائة سنة فعلم الناس»، و«إن المجد الحقيقي ليس في تفادي الكبوات، بل في النهوض من كل كبوة تقع فيها».بهذه العبارات وغيرها خلّد الحكيم كونفوشوس اسمه في تاريخ البشرية. ولكن من هو هذا الحكيم الذي نسمع عنه كثيرًا عندما نتعرض لتاريخ الفلسفة أو لتاريخ الصين العظيم؟
تشير التقديرات إلى أن كونفوشيوس وُلِد بمقاطعة زو في الصين قرابة 551 قبل الميلاد، وكان والده محاربًا قويًا طويلاً عريض المنكبين كافأه الملك بتوليه إدارة قرية نظير خدماته لملكه. ولقد أنجبت زوجة هذا المحارب تسع بنات، بينما كان حلم الرجل أن يُرزق بولد ذكر يخلفه، إلا أن هذا الحلم لم يتحقق إلا من خلال إحدى عشيقاته التي حملت منه سفاحًا وأنجبت صبيًا سماه «كونفو دزيه» وهو الاسم الذي حرّف فيما بعد في اللغة اللاتينية إلى «كونفوشيوس». ووفق معظم الروايات كان هذا الطفل قبيحًا منفرًا لكل من رآه، ومع ذلك فإن العظمة لم تُقَس يومًا بالشكل، بل بعظمة الروح والعقل.تربى هذا الطفل يتيمًا على يدي أمه التي اضطرت لمواجهة حياة قاسية في تنشئته بعدما رفضت أسرة زوجها احتضانها وإياه، فاضطرت بعد فترة إلى ترك المدينة حيث كانا يقيمان. وفي هذه الأثناء يقال إن الطفل نشأ على القراءة والكتابة وتعلم الحكمة والتاريخ والفلسفة الصينية، إضافة إلى العلوم الأخرى التي استطاع أن يحصّلها ويتقنها. وهكذا شب فتى جيد الاطلاع وذكيًا وكان قائدًا روحيًا منذ صباه، إلا أن القدر لم يمهل أمه كثيرًا، إذ توفِّيت ونعاها ابنها بحزن عميق وبدأ يواجه حياته وحيدًا.مع هذا، سرعان ما بدأ «كونفو دزيه» (أو كونفوشيوس) يؤسس مدرسته الخاصة التي أصبحت فيما بعد مركز جذب لكثيرين من أولاد العامة والأثرياء على حد سواء، وكان يدرّس فيها فلسفته التي أدركها بالتأمل والقراءة والتاريخ.لقد بنيت فلسفة كونفوشيوس على أفكار بسيطة عملية، لكنها كانت ذات قيمة عالية للغاية، إذ ركز الرجل على فكرة الالتزام الذاتي وحب الآخرين وتأمل الحياة والطبيعة ليعيش الإنسان في وئام معها ويدرك قيمتها ويسعد بها. كذلك شدد على أهمية التعليم كأساس للمواطن الصالح أيًا كانت طبقته، معتبرًا أن في التعليم وسيلة الارتقاء الأساسية للإنسان سواء في الحكم أو إدارة الحياة والأسرة أو أي منحى آخر. وكان يرى أن من شأن العلم التأسيس لإنسان سويّ، ويحرص في تعاليمه على أهمية الرقي بالإنسان كخطوة أولى نحو الرقي بالأسرة، ومنها إلى المجتمع والدولة ككل، ثم العالم أجمع. وثمّن كونفوشيوس أيضًا على الصفاء الروحي لدى الفرد الذي يستطيع أن يستقيه مما هو حوله من جمال شريطة أن يفهم هذا العالم المادي من حوله.أما فلسفته السياسية فكانت تتركز حول الفضيلة، إذ كان يرى أن الحاكم لا بد أن يتمتع بالفضيلة ويكون مثالاً للرعية، ويرى أن الحكم الرشيد يكون من خلال نشر الحكمة والفضيلة بدلاً من العقاب، فالأخلاقيات كانت مركز فلسفته سواء السياسية أو الاجتماعية أو الفردية.
ظهرت فلسفة كونفوشيوس بينما كانت الصين تعاني من التفتت السياسي والاجتماعي بفقدان الوحدة السياسية نتيجة صراع الزعماء المتنافرين الذين قلصوا السلطة المركزية في البلاد. وهكذا، آلت السلطة إلى الإقطاعيين الأقوياء، فانتشر الفقر والمرض والجهل كنتيجة طبيعية، وكان الرجل على قناعة تامة بأن أفضل وسيلة لنشر فلسفته تتأتى من خلال تبوئه منصب مستشار للحاكم، كما حدث، أو أن يحكم بنفسه لينشر فلسفته بين العامة، وهو ما لم يتحقق.ذلك أنه بعدما جرى تقريبه من الحاكم سرعان ما انتشرت حوله الدسائس، اضطر كونفوشيوس إلى النفي الطوعي متجولاً في غرب الصين لنحو 14 سنة، نشر خلالها فكره حيثما حلّ، وسط حوارييه الذين أحبوه حبًا شديدًا وارتبطوا بفكره ارتباطًا أشد، حتى إنه يقال إن الرجل لم يتغلب أبدًا على وفاة أفضل حوارييه عندما مات في الأربعينات من عمره، وظل متأثرًا بوفاته.
واستمر كونفوشيوس على هذا الحال حتى استطاع أحد حوارييه أن يقنع الحاكم العام بمنحه إدارة مدينة (أو ولاية) استطاع أن يفرض فيها حكمته وتعاليمه فأصبحت تدين له بالولاء التام. ويُقال إن خلال فترة حكمه شهدت المدينة انتشار العدل والأمان واختفت السرقة وانتشرت الفضيلة، بي النفوس المريضة ظلت من وراء الستار تحرض الحاكم العام عليه حتى عزله.عاد كونفوشيوس بعد هذه التجربة إلى مسقط رأسه وهو في السابعة والستين من عمره، حيث استأنف نشاطه التعليمي، إلا أنه كان منهكًا، كما لم يكن على وئام مع حاله، إذ اعتبر أن رسالته لم تكتمل حتى إنه يقال إنه خلال سكرات الموت استفسر ممن حوله عما إذا كان هناك أي والٍ أو حاكم يريد أن يتعلم من فلسفته. فلقد ظن الرجل أن حكمته ذهبت هباءً، لكن الحقيقة أنها عاشت بشكل كبير في وجدان حوارييه وتلاميذه، وفي سيرته، حتى قرون لاحقة عندما جرى تجميعها في كتب نسبت إليه خصوصًا كتاب «التحليلات» (Analects) وغيره، وشابهت إلى حد كبير «حوارات أفلاطون» التي أوردت حكمة الفيلسوف سقراط، مع العلم أن الأخير - أي سقراط - لم يدون أي كتاب بعكس تلاميذه وحوارييه.حقيقة الأمر أن مسيرة حياة هذا الرجل الزاهد العظيم لم تكن خالية من المآسي، شأنه شأن أغلب المُصلحين الاجتماعيين أو السياسيين أو الفلاسفة القدامى. كذلك لم تلقَ تعاليم كونفوشيوس الاهتمام المستحق إبان حياته، ولذا توفِّي وهو يشعر بأنه فشل في مشروع عمره.. ألا وهو الارتقاء بحال الشعب عامةً، بطبقاته العليا والدنيا وحكامه على حد سواءطلاب كونفوشيوس بعد كونفوشيوس ، قام أحد طلابه بتطوير الفكر الاشتراكي ، مودي. الحب العام هو الحل الوحيد للمشاكل الاجتماعية. إذا ساد الحب على العالم كله ، فستكون هناك جمهورية فاضلة لا يهاجم فيها القوي الضعيف ، والأغلبية لا تهاجم الأقلية ، والأغنياء لا يضطهدون الفقراء ، والكبير لا يفسد الصغير. كما عارض بشدة الأنانية ، قائلاً: مصدر كل شر هو الأنانية ، وهذه الأنانية هي التي تغرس الشعور بالملكية لدى الأطفال ، مما يدفع الأباطرة إلى غزو البلدان الأخرى وغزوها. من ناحية أخرى ، وقف مودي ضد الفساد والحكم القمعي. إذا سرق شخص خنزيرًا ، فسيعاقبه الناس بشدة ، ولكن إذا جعل شخص ما نفسه حاكمًا للبلاد واضطهد شعبه ، فيُنظر إليه على أنه بطل عظيم سيكونون قدوة حسنة للأجيال الأخرى . يعتقد طالب آخر من كونفوشيوس ، مون كو ، أن سبب المشاكل الاجتماعية ليس الطبيعة البشرية ، بل الفساد السياسي. وبحسب مانغ كو ، فإن الحكومة الخيرية لا تهاجم جيرانها ، بل تحارب الفقر والجهل ، لأن الفقر والجهل هما السببان الرئيسيان لكل الجرائم والفوضى والحرب. لذلك ، يجب على الدولة توفير الرفاهية لمواطنيها. لذلك ، يجب على الحكومة أن تضع خريطة اقتصادية قوية لتحقيق هذا الهدف ، أي الرفاهية لمواطنيها. وطالب الدولة بفرض ضرائب باهظة على النبلاء ودعم التقدم والحضارة. والأهم من ذلك ، طالب هذا الحكيم الصيني بجعل التعليم إلزاميًا وتعليم جميع سكان البلاد القراءة والكتابة. بالنسبة للقمر ، فإن أفضل من يصنع حكامه هم المثقفون. كما اعتبر أنه حق طبيعي للشعوب أن تثور على الحكم الجائر. في الوقت نفسه ، كان يعارض بشدة العدوان والهجمات من قبل الدول الضعيفة الأخرى.[1]