كركوك والحلول الاستراتيجية - حكم عبد الكريم قاسم ( الجزء الرابع )
اريان علي احمد
الحوار المتمدن-العدد: 7398 - 23:46
المحور: القضية الكردية
كركوك و عبد الكريم قاسم ....
إن مدينة كركوك تضم أربعة قوميات هي والكردية والتركمانية والآشورية والعربية، وكانت العلاقات بين القوميتين الكردية والتركمانية رغما على الربط الاجتماعي والعائلي ما بينهما ألا أنه كان يسودها جوٌ من التوتر والريبة منذُ زمن يعود إلى أيام الحكم العثماني وممارسات السلطة العثمانية في سياستها لأجل الهيمنة العنصر التركي في ربوع الإمبراطورية، وفي كركوك كان هناك صراعٌ للسيطرة على المدينة منذ تواجد القوميتين في المدينة ورغما على ذلك لم يصل الأمر إلى درجة الغليان أو حدوث وقائع فظيعة. .ونتيجة التطورات الأيدلوجية في صراعات المنطقة وبروز المفهوم الماركسي اللينيني والأفكار الاشتراكية وتمازج القوميات مع هذه الأفكار ولوجود وعي من قبل الأكراد في هذا الاتجاه وإن كان في غير وقتها ولكن التأثيرات السياسية أدت أن تكون الأكثرية ملتزما. وعندها نهض في عمق هذا الصخب أحزاب وتيارات يحملون الفكر الماركسي متمثلا بالحزب الشيوعي وهذا ما حصل في المدن الكردية كما حدث في الجنوب حيث كان لهم النصيب الأكبر في ذلك متمثلا بالحزب الشيوعي والرفيق فهد . وعندما جاء عبد الكريم قاسم كان أيضا متأثرا بنفس الأفكار ومن نفس المدرسة فكريا ولما قامت ثورة 14 تموز 958 وقف الأكراد إلى جانب الثورة، وساندوها بشكل حاسم، فيما وقف التركمان بعيدين عنها على أقل تقدير ، وكان لاصطفاف الأكراد مع جبهة الاتحاد الوطني ودفاعهم عن الثورة أثرٌ كبير في ازدياد حنق التركمان على الأكراد.كما أن الأكراد لم يشعروا يوماً بالاطمئنان للتركمان الذين ظلوا يدينون بالولاء لتركيا، ولم ينس الأكراد ما فعلته الدولة العثمانية بهم . لقد استمر تنامي الكراهية لتركيا بسبب موقفها من حقوق الشعب الكردي في جنوب تركيا .
كركوك القتل والسحل .....
منذ بداية استلام الحكم من قبل عبد الكريم قاسم وقعت أحداث عديدة فيها منها ما ذكر من قبل المعنيين بتاريخ كركوك ومنها لم يذكر لحين هذه الساعة والباحث في هذا الزمن سوف يلاقي صعوبة شديدة جدا لأجل التوصل إلى حقيقة الأحداث من البداية أو المسببات الأصلية لأسباب عديدة منها نتيجة التعصب القومي من قبل القوميتين ولوجود أطراف خارجة تقوم بإثارة النعرات في تلك المرحلة . فان الحقائق اصبح مشوه وحتى الأشخاص الباقيين في الحياة يقومون بسرد الوقائع من نظرته للواقعة حسب المؤثرات الواقعة في حينها ، وكانت تلك الأحداث مؤشراً على عمق الهوة بين التركمان والأكراد، وقد جاء ذكر أحداث من قبل بعض المؤرخين من كل طرف على حدى على شكل ألا أن المؤرخ الكردي لم يتعمق في هذه الأحداث في الكتب أو أية مناسبة منذ سنوات عديدة بعكس التركمان يقومون بإعادة الشريط في كل مناسبة أو في كل مرحلة من المراحل وإن كان لهم الحق . ولدى الاطلاع على ما ذكر أن في البداية قام التركمان باغتيال عدد من الأكراد، من بينهم سيد ولي و محمد الشربتجي، ومهاجمة احمد رضا ب حامض الكبريتيك وهذ الواقعة تم سردها من قبل أشخاص عديدون عاشروا هذه المرحلة ومنهم الأكراد والتركمان أيضا .
احتفالات الذكرى الأولى للثورة ووقوع الأحداث:....
أقترب موعد الذكرى الأولى لقيام ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، وجرت الاستعدادات اللازمة للاحتفال بهذه المناسبة في مختلف أنحاء البلاد، وجرت اتصالات في كركوك مع الجانب التركماني من أجل أن يكون الاحتفال بهذه الذكرى مشتركاً بين كل القوى السياسية وكل القوميات، في ثورة 14 تموزهي ثورة الشعب العراقي كله بمختلف فئاته وانتماءاته وقومياته، غير أن التركمان ارفضوا ذلك وأصروا على أن تكون احتفالاتهم منفردة، وفشلت كل المحاولات للجمع بين الأطراف. وعلى هذا الأساس تقرر أن تأخذ مسيرة الاحتفال خط سيرٍ بعيدٍ عن منطقة تجمعهم حرصاً على عدم وقوع أي احتكاك بين الطرفين، وقد نظمت تلك المسيرة من قبل الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني تحت عنوان مسيرة الجبهة الوطنية]، بدأت المسيرة بصورة نظامية، تعلوها الشعارات المقررة سلفاً والتي تدعو إلى وحدة القوى الوطنية، من أجل دعم مسيرة الثورة، وكان يتقدمها مجموعات كبيرة من الأطفال يحملون حمامات السلام، وهذا أكبر دليل على أنه لم تكن في نية القائمين بالمسيرة، ولا في تفكيرهم الاحتكاك أو التصادم مع القوميين التركمان،. يلي مجموعة الأطفال في المسيرة مجموعة النساء، من رابطة الدفاع عن حقوق المرأة، ثم بقية المنظمات والنقابات المهنية والعمالية، والجمعيات الفلاحية، والتحق بالمسيرة عدد كبير من الجنود، وأفراد المقاومة الشعبية.وما أن دخلت المسيرة شارع أطلس ومرت قرب كازينو14 تموز حتى انهال عليها عناصر القوميون التركمان المتعصبون بالحجارة وقطع الطابوق من سطح الكازينو، ثم ما لبثوا أن انهالوا عليهم بالرصاص من كل جانب. حلت الفوضى بالمسيرة، وقد أستمر إطلاق الرصاص منها ثلاثة أيام متتالية، ولم يسكت إلا بعد أن قام الجيش والمقاومة الشعبية بتمشيط القلعة، وقد جرت مشاركة المقاومة الشعبية بطلب رسمي من قيادة الفرقة الثانية بموجب توجيهات وصلتها من بغداد، وكان حصيلة تلك الأحداث مقتل 32 فرداً من التركمان، وتم اعتقال عدد آخر منهم وضعوا رهن التحقيق. هذا جزء من الأحداث الواقعة والاعتراف بصحة الأحداث في نظر كل طرف لا صحة لها أنما العكس بالعكس
كركوك ما بعد الأحداث ......
لقد جرى تضخيم تلك الأحداث، وفبركة وقائع لم تقع إطلاقاً وظهرت شائعات التي كانت تقول أنه كانت هناك مجزرة أُعد لها مسبقاً، وذهب ضحيتها المئات بل الألوف، ملصقين أشنع التهم بالحزب الشيوعي من أجل استعداء السلطة عليه، وجرى تصوير جثث عدد من القتلى من جهات مختلفة، لتضخيم عدد القتلى لكي يصوروا ما حدث وكأنه مجزرة كبرى قام بها الشيوعيون وتم التركيز على ماجرى ضد الشيوعيين وحدهم دون القوى الأخرى.
عبد الكريم قاسم والشيوعيين...
بدأت التقارير والصور والعرائض من قبل التركمان تنهال على عبد الكريم قاسم، وتتهم الشيوعيين بتدبير مجزرة في كركوك ضدهم، وصدّق قاسم تلك التقارير والصور، قبل أن يجري أي تحقيق، وفي 2 آب 1959 ذكر لقاسم أن عدد القتلى كان ( 79 ) فرداً، ثم عاد في 2 كانون الثاني وأكد أن عدد القتلى لا يتجاوز(32) فرداً، وقد تأكد للمجلس العرفي العسكري أن عدد القتلى كان 32 فرداً منهم (29 ) تركمانياً و( 3 ) أكراد، وجرح ( 130 ) فرداً بينهم (6) أكراد.
أستمر قاسم في مهاجمة الحزب الشيوعي، وكانت خطاباته عنيفة جداً، وتصريحاته لا تخلو من التهديد والوعيد، وكان رد فعله عنيفاً أثناء خطابه في كنيسة مار يوسف، وفي مؤتمره الصحفي، وفي حديثه مع وفد اتحاد نقابات العمال في 4 آب 959 . لقد كان قاسم في تلك الأيام على غير عادته، قد فقد توازنه، وانساق بشكل عاطفي أنساه ما أعتاد عليه من حكمة وحذر، وصبر وأناة، فكانت خطاباته تلقي الحطب على الحريق، بعد مرور أكثر من نصف قرن على هذه الأحداث إلا أن احد الأطراف دائما يتذكرون الأحداث ويصفونها ب أحداث تراجيدية وهذ نتيجة عدم الاعتراف أو القناعة من قبل كل المتصارعين أن فترة الخمسينات من القرن الماضي كان فترة تلاحم الأفكار القادمة من خارج الحدود ومن خارج البودقة المغلقة على القوميات في كركوك وحيث عند تصادم هذه الأفكار والمنظومات السياسية وتأثيرها على العقل الكردي والتركماني أدت عدم الاعتراف كل طرف للطرف الأخر بأنه هو الحق أو هو الصح ....
[1]