نجم الدين كريم: المحافظ والموقف
نعمت شريف
الحوار المتمدن-العدد: 6150
المحور: القضية الكردية
لسنا بخصوص الدكتور نجم الدين كريم استاذ جراحة الجملة العصبية هنا، ولكننا بخصوص نجم الدين كريم السياسي ومحافظ كركوك الشرعي المقال. مواقفه قومية منذ زمن يمتد الى ما قبل توليه محافظة كركوك، حيث انه من جيل ثورة ايلول المجيدة، ورغم تورطه في بعض الصراعات الجانبية التي لم يكن له فيها ناقة ولا جمل، اللهم الا صداقاته مع اطراف سياسية منها المرحوم مام جلال الطالباني، الا انه التزم خطا قوميا واضحا في فترات النضال الصعب، وايام كان نظام صدام حسين في عز قوته. ورغم ان انتماءه الى كركوك يفوق كل الاعتبارات السياسية الا القومية منها، جاءت دعوة مام جلال الطالباني له للانضمام الى الاتحاد الوطني تمهيدا للدخول في انتخابات محافظة كركوك، وكان ذلك موطن القوة في الرؤية المستقبلية للطالباني بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب وربما في الوقت المناسب فوق كل الاعتبارات الاخرى وخاصة الحزبية منها. كانت المحافظة آنذاك تئن من وطأة مشاكل كثيرة ومحافظ غير فعال. كانت ادارة نجم الدين كريم لمحافظة كركوك نجاحا ملحوظا، وكسب بذلك جماهيرية ضمن له السبق في الفترة الانتخابية التالية.
كانت هوية كركوك كردستانية واضحة ابان فترة ادارته، وبالتوافق مع الاغلبية من مكونات كركوك السكانية وتوطيد العلاقات بينها. ومن لم يسكن كركوك لا يمكنه ان يراهن على فهم تعقيدات التركيبة السكانية في كركوك، وهنا نعتقد انه يكمن سر نجاح المحافظ نجم الدين كريم في ادارته للمحافظة. بالاضافة الى المكونات الرئيسية، هناك في كركوك اقليات لا توجد في مناطق اخرى من العراق. وبحق لقد وضع المحافظ الجديد بصمته على سنوات مهمة من تاريخ كركوك. ولكن هذا النجاح لم يرق لحملة الفكر العنصري الشوفيني حتى بدأت المكائد والمؤامرات لتنتهي بدخول القوات العراقية الى كركوك وانسحاب البيشمركة دون قتال في مساومة مع جناح متمكن في الاتحاد الوطني الكردستاني.
كان انسحاب المحافظ الشرعي لكركوك الى اربيل (بدلا من السليمانية) ليلة 16 اكتوبر 2017 ضربة للمساومين من قادة الاتحاد الوطني الكردستاني، وباتخاذه موقفا معتدلا من الاخرين من قيادات الاتحاد تعزيزا لموقفه الوطني وخطه الفكري الذي لم يقبل المساومة على الوطن والشعب. وان اي تراجع او تهاون مع المساومين كان ليضعف نهجه القومي الذي اختطه لنفسه منذ سنوات. وفي مواجهة هذا الموقف الواضح ليس من المحافظ فحسب ولكن من الاحزاب والجماهير الكردية برهنت على صحة موقفه، وفشل قيادات الاتحاد الوطني في التعامل مع الزمرة المساومة، ومنذ ذلك الحين، اصبحت التغطية والتبرير الهاجس الاخطر لدى قادة الاتحاد الوطني، وما اصرارهم على بعض المواقف الهزيلة والتلويح اكثر من مرة بالعودة الى نظام الادارتين الا دليل ساطع على تراجع جماهيرية الاتحاد الوطني، وياتي تراجعه (الاتحاد) في الانتخابات الاخيرة تتويجا لتراجعه السياسي بشكل عام.
لا تزال الصراعات تنخر في جسم الاتحاد الوطني منذ مرض امينه العام المرحوم جلال الطالباني. وبما ان الاحزاب الكردية اما علمانيين قوميين واما اسلاميين بالاضافة الى بعض الاحزاب الصغيرة غير الفاعلة التي تأخذ منحى يساريا في نظرتها للمجتمع وتناقضاته، نعتقد جازمين ان الصراعات الداخلية في اي من الاحزاب العلمانية تنعكس وبما لا يقبل الشك على صراعاتها مع الاحزاب الاخرى وعدم صمود ايديولوجياتها امام تناقضاتها الداخلية من جهة وامام الجماهير من جهة اخرى الا من خلال اثارة العواطف القومية الجياشة في صفوفها وفي صفوف جماهيرها. لا نزكي احدا من هذه الصراعات ولكنها تختلف من حزب الى آخر حسب كيفية واليات التعامل معها داخل حزب ما وامام الجماهير. وقبل الاسترسال اكثر، فالحديث هنا ذو شجون، نعود فنقول ان الفوز الساحق الذي حققه الحزب الديموقرطي الكردستاني في الانتخابات الاخيرة كان تحقيقا لجهوده وخطة الوطني بقدر ما هو ركوب موجة التراجع والفشل الذي انتاب الاتحاد الوطني، وما الانسحاب من كركوك الا عرضا من اعراض ذلك المرض المتمثل في الفشل في تحقيق امال الجماهير.
ان الالتفاف حول مواقف نجم الدين كريم القومية وابعاده لا يخدم قضية كركوك البتة، ولكن العكس، بعودته ستتحقق الكثير من الالتزام بالشرعية والمواقف ورفع المعنويات وبشكل خاص أهالي كركوك والاصرار على كردستانية كركوك. وبغض النظر عن الانتماء الحزبي، والاختلاف في وجهات النظر بين الاحزاب والاختلاف في الرأي مع هذا وذاك، نعتقد انه حان الوقت ليتبنى الكرد موقفا موحدا للعمل على عودته كجزء من العودة الى كركوك، وحتى ان لم يكن الى كركوك، فهناك مناصب اخرى للاستفادة من خبراته وتجربته الادارية في كركوك.[1]