تأصيلا للغضب الكردي على الدواعش
نعمت شريف
الحوار المتمدن-العدد: 4784
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
تأصيلا للغضب الكردي
على الدواعش
بقلم: نعمت شريف
الولايات المتحدة
قرأت بامعان مقال الاخ هوشنك بروكا في ايلاف بعنوان رسالة شنكالية الى الرئيس بارزاني. تعبر الرسالة بشكل صارخ عن الغضب الكردي تجاه الجرائم التي ارتكبتها عصابات الدولة اللا اسلامية ضد #الكرد# بمختلف مكوناته بشكل خاص وجميع مكونات الشعب الشعب العراقي بشكل عام. لم اقل الغضب الايزدي حيث لا اعلم فيما اذا كان الكاتب ايزديا ام لا! واذا كان هذا الغضب العارم آت من غير ايزدي او احد الاقليات المتضررة في المناطق الكردستانية خارج الاقليم، فبالتأكيد هذا هو نوع الغضب الذي ننشده من غير الايزدية والشبك والمسيحية والتركمان وغيرهم. ان هذا الغضب في المناطق المتضررة مباشرة طبيعي ولا نتوقع اقل منه.
لست في معرض الرد او النقد او الدفاع عن احد، فالرسالة مفتوحة وموجهة الى الرئيس البارزاني وهو الاجدر والاكفأ بالرد والدفاع عن مواقف وسياسات الاقليم، ومن حق كل كردي ان يكتب وينقد وحتى ان يعتب فهو رئيسنا واليه نتوجه بالسراء والضراء. ولكن هل من حقنا ان نصب جام غضبنا عليه في الوقت الذي ارى انه من واجبنا والاصح ان نصب جام غضبنا على اعدائنا وما اكثرهم، ولا اجافي الحقيقة اذا قلت ان بعضهم من الكرد انفسهم كالذين التحقوا بالدواعش ويوجهون بنادقهم الى صدور البيشمركة الابطال. أجل، في هذه الحالة، اعداؤنا هم الدواعش والذين من ورائهم يمدونهم بالدعم والسلاح والمال! علينا تشخيص الاعداء اولا ومن ثم توجيه الغضب العارم كما عبره عنه الكاتب.
ومما لاشك فيه ان الكاتب يطرح ايضا موضوع الانسحاب المفاجئ (التاكتيكي) وترك المنطقة مفتوحة امام عصابات داعش للقتل والتنكيل والسبي والتدمير. كان الرئيس بارزاني قد اعلن في حينه عن التحقيق ومحاسبة المقصرين من مسؤولي الحزب والبيشمركة والامن، ومن حقنا جميعا ان نطالب سيادته بالاعلان عن نتائج التحقيقات ومحاسبة المقصرين، واذا كان هناك اي تواطؤ مع الدواعش او التنسيق مع القوات العراقية المنهارة في الموصل فلا بد من المطالبة بمحاكمة المتواطئين وانزال اقسى العقوبات بحقهم لان هذا التقصير او التواطؤ قد يرقى الى درجة الخيانة الوطنية، وان كنا نستبعد ذلك. ولكن يبقى انه من حق الشعب الكردي ككل وليس الايزديين فقط معرفة ما حدث فعلا ولماذا كانت تلكم الانهيارات ليس في سنجار فقط ولكن في مناطق اخرى في شمال وشمال شرق الموصل ايضا كما حدث في قواطع بعشيقة وبرطلة والحمدانية ايضا.
ربما يكمن احد الاسباب في محدودية امكانيات البيشمركة انذاك من ناحية التدبير والتسليح وخاصة بعد حصول الدواعش على الاسلحة الفتاكة التي تركتها القوات العراقية المنهارة في الموصل وغيره من المناطق. لقد انهارت نظرية المؤامرة التي كانت تغذيها اعداء الكرد في البداية عن وجود تفاهم ضمني بين الاقليم والدولة اللا اسلامية. المعارك الطاحنة والضحايا الجسام وتبلور واقع جديد في المناطق الكردستانية خارج الاقليم كلها تبرهن على مصداقية الاقليم وسياسته السليمة ليس في وجه داعش فحسب ولكن في تعامله مع الحكومة في بغداد ايضا.
ليس الايزديون وحيدين في مصابهم، ربما حفرت معاناتهم عمقا اكبر في سايكولوجية الايزدي لاسباب تاريخية ودينية. فلنأخذ على سبيل المثال المكونات الشبكية والمسيحية والتركمانية المجاورة للايزديين في سهل نينوى. لنأخذ كل مكون على حدة، وليست هذه المقارنة السريعة للتقليل من المآسي التي حدثت للايزديين على مر العصور، فمن الفرمانات العثمانية والى حملة الامير محمد الراوندوزي المعروف بالكردية ب(ميري كور) واخيرا غزوات العصابات الداعشية، ولكن لابراز الحقيقة ان الايزديين ليسوا الوحيدين في معاناتهم، وان لهم شركاء كثرفي الهم والغضب الذي يعصف بهم افرادا وجماعات.
فعلى سبيل المثال (وليس للتقليل من حجم المأساة مطلقا، يتعامل الدواعش مع المكون المسيحي على اساس انهم من أهل الكتاب وهناك لهم سوابق في الاسلام بأنه لا يجوز قتلهم ولا سبي نسائهم الا في حالة قتالهم لجيش المسلمين. لقد تم تهجيرهم من الموصل (حيث سمح لهم رجالا ونساءا بالمغادرة بعد الاستيلاء على اموالهم وممتلكاتهم) والعديد من المدن والقصبات المسيحية في سهل نينوى.
واما بالنسبة للمكون الشبكي فالطامة اكبرفهناك عدد من العوامل التي تساهم في تعميق مأساتهم على ايدي عصابات داعش. فالشبك منقسمون على انفسهم بين شيعة وسنة، وهم كرد السهول (وليسوا جبليين كالسوران والبهدينان) ويجلب ذلك ما يجلب من اختلافات في العادات والتقاليد والثقافة ونمط الحياة. فهم اقلية ليس في المحيط العربي فحسب وانما في المحيط الكردي ايضا، وتشكل لهم على مر العصور خصوصية لا يقبل بهم حتى الكرد الا اذا الحقوا باسمهم كلمة الكرد الشبك كما جرت العادة مع الكرد الفيليين والكرد الايزديين. ان اغلبية الشبك شيعة اماميون (60%-65%) واما البقية فهم على المذهب السني. ان حكم الشيعة باختصار لدى الدواعش هو حكم المرتد واطلاق كلمة الروافض عليهم كافية لضرب اعناقهم وسبي نسائهم. واما الشبك السنة فحظهم ليس بافضل من اخوانهم الكرد السنة. لقد بدأ تفريغ الموصل من الشبك والكرد البهدينان قبل استيلاء الدواعش على المدينة. وبعد العاشر من حزيران 2014 كان ولايزال ما يلقاه الشبك الشيعة من الدواعش هو القتل والسبي صغارا وكبارا، والسنة منهم تحت حكم الدولة اللااسلامية كاسرى حرب فهم ليسوا عربا ومشكوكون فيهم كما كان يفعل بهم البعث المقيت.
في المحصلة النهائية، كان تعداد الشبك حوالي النصف مليون نسمة يسكنون في ما يربو على السبعين قرية وقصبة وتشكل قوسا الى الشمال والشمال الشرقي من الموصل. لقد انخفضت نسمة الشبك بعد انسحاب البيشمركة من المنطقة والنزوح الجماعي بنسبة لا تقل عن (70%)، واما الباقون فقد اخذتهم الدواعش على حين غرة كقرية كوكجلي على سبيل المثال لا الحصر والتي كانت تقدر نفوسها قبل الاحتلال بما لا يقل عن 25 الف نسمة وبازوايا التي كان يبلغ عدد سكانها ما يربو على 15 الف نسمة وغيرهما من القرى والقصبات. تباع نساء الشبك والايزيدية معا في اسواق النخاسة في الموصل والرقة وغيرهما. لقد اصبح الشبك شعبا مهجرا بلا ارض، واصبحت شبكستان ارضا مغتصبة، كما كان صدام منع هذه التسمية لدلالتها الكردية في حين اطلق عليها مديرية امن الموصل الحزام الواقي للموصل. نعم، لا قيمة لأرضٍ بدون شعب، ولا شعب بدون ارض او عرض.
دعني اعود الى العلاقة بين الوعي القومي الكردي والشعور المتبادل (كالغضب مثلا) بين مكونات الشعب الكردي سواءا كانت لهجوية او دينية او مناطقية. يعود ظهور الشعور القومي الكردي بمفهومه الحديث الى ما قبل مائتي عام تقريبا عندما بدأ الانحلال يدب في مفاصل الرجل العثماني المريض حيث بدأ الوعي القومي ينمو لدى شعوب الامبراطورية العثمانية من عربية وتركية وفارسية وكردية. باختصار شديد، لقد تأخر نمو وتطور الوعي القومي الكردي عن الشعوب الاخرى لاسباب تاريخية واجتماعية وجغرافية لامجال للخوض في تفاصيلها هنا. هناك الكثير من الدراسات والمصادر للراغبين في متابعة هذا الموضوع. ومما لا شك فيه، ان الثورات الكردية المتعاقبة في اجزاء كردستان قبل وبعد الحرب العالمية الاولى ساهمت بشكل مباشر في بلورة الفكر القومي الكردي والنهوض بالامة الكردية ووعيها السياسي، ولكنها لم تستطع لملمة الشتات في الوعي الكردي وخاصة في المناطق الحدودية والمختلطة لكردستان ورفع مستوى الوعي الكردي لديها اسوة بالمناطق الاخرى. ولا يزال الوعي القومي الكردي اسير التقاطعات الاجتماعية والقبلية والدينية واللغوية وغيرها من العوامل التي تمنح خصوصيات للمجموعات الكردية اللهجوية والدينية والقبلية وما جولات الاقتتال الكردي-الكردي الا امثلة صارخة على القصور في الوعي القومي الكردي، هذا من جهة، والتمايز بين المناطق المختلفة في كردستان من جهة اخرى وخاصة المناطق التي كانت مسرحا للثورات الكردية والمناطق الابعد عن مراكز الاحداث في الجبال الوعرة التي دعمت الثورة وحمتها من الحملات العدوانية الشرسة على كردستان. ونجد كذلك تمايزا في المشاعر اما على اساس لهجوي او مناطقي، والانكى ان التمايز لا يزال قويا على اساس قبلي.
هل يشعر معظم الكرد بالغضب بالدرجة نفسها كما يشعر به السيد هوشنك بروكا تجاه ما حدث في سنجار؟ وهل يشعر الايزدي او الشبكي بالغضب نفسه لما حدث في حلبجة؟ وهل يشعر السوران والبهدينان بالمشاعر نفسها لما حدث للكرد الفيليين من قتل وتهجير لاكثر من ربع مليون فيلي؟ ان ما نصبو اليه هو ان نرتفع بالوعي القومي لجميع الكرد لان يحمل السلاح طوعا للدفاع عن سنجار او حلبجة او بعشيقة او اية قرية شبكية او خانقين وديالي؟
الوعي القومي هو النهر الجاري عبر الزمن وفيه ينصهر مشاعرنا (من الحب والغضب والحزن والفرح...) المتعلقة بكياننا القومي ونموه وتطوره، أنه عملية تراكمية في الذات البشرية على مدى اجيال واجيال، فكلما ترسخت هذه المشاعر وتوحدت في تطلعنا للمستقبل والمصير المشترك فكلما تنظمت وتراصت صفوفنا في مواجهة العقبات الان وفي المستقبل. اذا لم يكن هذا الوعي هو الجامع والرابط للجميع، فلماذا يقاتل البيشمركة في سنجار وبعشيقة وخانقين وكركوك وكوباني ايضا! أخطاء حدثت وستحدث في المستقبل بلا شك، ولكن العبرة في ان ننهض من كبوتنا ونصحح الاخطاء ونواصل المسيرة.
نعمت شريف
nemsharif@aol.com
[1]