هل التكالب الدولي على الشرق سببه -إرهاب- الدولة الإسلامية
علي سيريني
الحوار المتمدن-العدد: 4709
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
إستهداف تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش من قبل الغرب، والتغاضي عن الدول والتنظيمات الأخرى في منطقتنا الأكبر قوة من تنظيم الدولة والأكثر إرهابا، يدل على أن الأمر يستبطن أسبابا عدة خلاف ظاهره الإعلامي الممل، ألا وهو محاربة الإرهاب.
هناك قوتان رئيستان في منطقة #الشرق الأوسط# ، تتبعها قوى أخرى إقليمية ومحلية، تقود حملة عسكرية شعواء على ما يُسمى ب الدولة الإسلامية في العراق و سوريا. القوة الأولى هي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. القوة الثانية هي إيران (أي النظام الشيعي) وذيولها وسواعدها (مثل النظام العراقي والسوري وحزب الله). هذه القوى الأخيرة، معظمها مدعوم من روسيا، وبعضها مثل النظام العراقي مدعوم من قبل أمريكا وروسيا معا. يختلف الوضع الكُردي في هذه المعادلة بتباين. فقوى البيشمركة التي تشكل معولا مهما في جبهة تدمير الدولة الإسلامية، توحدها مواجهة داعش، إلا أن قياداتها تنشطر إلى قسمين في المعادلة المذكورة. بيشمركة الحزب الديموقراطي الكُردستاني بزعامة مسعود بارزاني، تجد نفسها ضمن المعسكر الغربي بقيادة أمريكا وأوروبا. لكن البيشمركة التابعين للإتحاد الوطني الكُردستاني، بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، تكاد تكون جزءا من القوة الإيرانية (فيلق القدس) بزعامة الجنرال قاسم سليماني. أما حزب العمال الكُردستاني، الذي يسيطر على المناطق الكُردية في سوريا، فهو أيضا جزء من جبهة إيران وسوريا (خصوصا بعد وقوع زمام الأمور في يد قيادات علوية كُردية مثل بسى فرات). الجبهة الإيرانية جبهة مذهبية شيعية، همها الأول ضرب صميم العالم السني وتشتيته والسيطرة عليه. أما الجبهة الغربية بقيادة أمريكا، فإنها جبهة متكونة من مصالح إقتصادية وسياسية، وأطماع إستراتيجية متعددة.
تأريخياً، شكلت القوة الإسلامية السنية رأس الحربة ضد العالم الغربي، في عهد الحملات الصليبية، وفي العهود اللاحقة من الإستعمار الغربي. الشيعة نشأوا ضد العالم السني، لذلك تحولوا منذ نشأتهم إلى أعداء للسنة ولم تكن لهم هواجس ضد الغرب في المرحلتين المذكورتين. فالشيعة ظلوا محاربين ضد الخلافة الإسلامية السنية عبر التاريخ. أدبيات الشيعة الحديثة والقديمة، مستوحاة من عملية العداء المستمر للتيار السني (الذي يعتبر التعبير التاريخي والعام للأمة الإسلامية) مذاك النشوء. لذلك، بالنسبة للغرب، فإن العالم السني هو الذي يحمل في أحشائه هواجس الصد والمقاومة تجاه القوى الخارجية. ومن هنا تلتقي مصالح العالم الغربي والعالم الشيعي، تجاه العالم السني الذي يتمتع بثروات هائلة، ومصادر طاقة غنية جدا.
العالم السني مشتت وضعيف ويعاني إحتلالات خارجية. جاء الربيع العربي ليعطي زخماً واقعيا للسنة، من أجل العودة الى الميدان بروح مستمدة من وحي التاريخ الماضي، لكن العواقب أنتجت المزيد من الإنحدار نحو الضعف والتشتت. ففي العالم السني، تحكم قوى محلية متنافسة تتوزع على العوائل الحاكمة وحواشيها. طبيعة هذه القوى تكمن في مسألتين. أولاها أنها ليست ديموقراطية، بل تمارس الديكتاتورية والإرهاب ضد رعاياها. هذه الدول رغم غناها الطبيعي، لكن شعوبها تعاني الفقر والتخلف والظلم. معظم الأموال تنقل الى بنوك الغرب كرأس مال لأفراد الأسر الحاكمة من جانب وكإضافة واقعية للرأسمال الغربي. ثانيها أنها تعتمد في بقائها، وحماية نفسها من التهديدات الداخلية، على أمريكا والغرب عموما.
لدى هذه القوى التي تحكم العالم السني عدوين رئيسين. الأول الإسلاميين عموما والجهاديين خصوصا (الذين يعيشون تلك الهواجس التاريخية إزاء الغرب وإزاء الشيعة). الثاني النظام الإيراني الشيعي الذي لديه اطماع توسعية مذهبية. في الوقت الراهن، تسيطر إيران على العراق وسوريا ولبنان، مع إضافة اليمن الى القائمة مؤخرا. ماعدا هذا، فإن لإيران أذرع وخلايا كثيرة في دول أخرى مثل مصر، السودان، تونس والمغرب. هذه المعادلة الجغرافية السياسية، خدمت القوى الغربية أكثر. فمن حيث تشكل إيران تهديدا مباشرا للأنظمة السنية المشتتة والضعيفة، وجدت الأنظمة العربية في الإعتماد على الغرب لحمايتها من إيران، الحل الأنجح وربما الوحيد. وفي هذا الجانب يتم تكديس أنواع الأسلحة في يد جيوش هذه الدول العائلية القبلية، والتي لا تقدر على خوض حروب إقليمية في واقع الحال، إلا بمساندة مباشرة من قبل القوى الغربية، كما يحدث اليوم ضد الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. إذن هناك إستنزاف كبير لإقتصاد هذه الدول، بسبب التسلح، لمواجهة خطر إيران والشيعة من جانب، وخطر الإسلاميين الجهاديين من جانب آخر. المستفيد الأكبر من هذه المعادلة هو الغرب.
القوى الإقليمية التي تحارب الدولة الإسلامية، ليست قوى ديموقراطية. بل هي نفسها غارقة في الإرهاب سراً وعلانية. النظام السوري العلوي (المدعوم من إيران والعراق و حزب الله وبعض الأحزاب الكُردية) منذ عام 2011، لم يتوقف يوما في رفع غلة الضحايا، وإبادة أكثر من ربع مليون من السنة (أكثرية الشعب السوري). أما النظام الشيعي في العراق، فهو نظام مذهبي تابع لولاية الفقيه في طهران. وممارسة هذا النظام ضد الديموقراطية وحقوق الإنسان في العراق، هي ممارسة يومية ومثبتة بالآف الوثائق والإثباتات. وتشكل الأحزاب الكُردية نسخة مكررة للنظام الإيراني والعراقي والسوري، رغم أنها تبدو أكثر ديموقراطية وليبرالية من باقي القوى في الشرق الأوسط!
الغرب على دراية واسعة بطبيعة هذه الأنظمة، وممارساتها الوحشية ضد الناس الأبرياء. لكنه جاء حثيثا بترسانات عسكرية ضخمة، ليصطف مع هذه الأنظمة غير الديموقراطية، من أجل محاربة الدولة الإسلامية، بحجة أنها تمارس الإرهاب وتشكل خطرا على الأبرياء! لكن هذه الحملة العسكرية الأعنف منذ عام 2003، والأكثر عنفا من الحملة التي أطاحت بالنظام الليبي في عام 2011، تأتي لتحقق أهدافا معينة لا تمت بصلة الى الديموقراطية وحقوق الإنسان، لأن أندر الأشياء في الشرق الأوسط هو الديموقراطية وحقوق الإنسان، خصوصا في الدول التي تعتبر أنظمتها قريبة ومتحالفة مع أمريكا وأوروبا. وأهداف هذه الحملة تتلخص في أمور عدة منها:
أولا، ضرب قوة الجماعات الإسلامية وتدميرها، وإبعاد مخاطر قيامها في الدول الغنية بالنفط وإحتمال صعودها نحو الحكم، وبالتالي إحتمال اصطفافها أو تحالفها مع قوى عالمية أخرى كروسيا والصين، وبالتالي خلخلة الخريطة السياسية والإقتصادية في العالم عبر التحكم بمصادر الطاقة.
ثانيا، استطاع الغرب ايجاد أو بالأحرى تنشيط سوق أسلحته البالية في منطقتنا، وبيع المزيد من الأسلحة للقوى المحلية المتحالفة معه بأثمان باهظة، مثل البيشمركة الكُردية والدول العربية السنية مثل دول الخليج ومصر والأردن والمغرب بالإضافة الى قوى سنية عراقية.
ثالثا، عدم فسح المجال أمام نجاح أي مشروع إسلامي، قد يشكل نواة حقيقية للدولة الإسلامية الجامعة للمتفرق السني الذي يعاني معاناة عظيمة، بسبب عقابيل سقوط الدولة العثمانية بداية القرن الماضي.
رابعا، ضمان حماية الأنظمة العائلية في الدول العربية، التي تحرص على الحفاظ على مصالح الغرب، وضمان نقل النفط الى دوله بالأسعار المتفقة عليها من قبل الجانبين، والتي شهدت إنخفاضا كبيرا في الآونة الأخيرة.
خامسا، جذب أكبر عدد من الإسلاميين الجهاديين الى ساحتي العراق وسوريا، والإجهاز عليهم هناك بسهولة أكبر من محاربتهم ومطاردتهم في ساحات دولية متفرقة.
في عام 2003 تم إحتلال العراق بحجة إيجاد أسلحة الدمار الشامل تارة، وخلق الديموقراطية في البلد تارة أخرى. كلتا الحجتين كانتا خاويتين، حيث لم تجد الأمم المتحدة أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق، ولا العراق رأى بعينيه الكئيبتين الحزينتين الديموقراطية والحرية. ولكن عذابا ودمارا كبيرين هبطا على رؤوس ساكنيه.
اليوم يتم القيام بحملة أخرى على العراق وسوريا، جنبا الى جنب مع قوى لا تقل وحشية عن تنظيم الدولة الإسلامية، بحجة محاربة الإرهاب. لكن ما نشاهده حتى الآن هو تدمير ما لم يتم إدراك تدميره في عام 2003، لتكتمل صورة الدمار في طيف التطبيل الإعلامي الصاخب، المرافق لهذه الحملة العسكرية، والذي يكرر عبثا على مسامعنا وعود الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان لشعوب الشرق!
المقال نشر في موقع (نيوماتيلدا) ومن ترجمة الكاتب نفسه مع تغييرات تلائم النص العربي.
https://newmatilda.com/2014/12/15/many-agendas-west-middle-eastط
[1]