جدلُ الداخل/الخارج ،عَوْدٌ على بِدِءٍ...!
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 8049
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
تتمة ، للنقاش الدائر حول جدل الداخل / الخارج ، والتمييز الإيجابي لمن يعانون في الداخل ، وكي يستقيم الأمر ، لابد من تفنيد بعض الاتهامات التي يسوقها البعض تجاه اولئك الذين يبقون في الوطن ، ويًتًحدّونً كل ظروف القهر والاستبداد ، وهذا التفنيد ليس مجرد مبالغة بلاغية ، بل واقع عياني معاش مقرونْ بالأدلة والبراهين العملية ، لأن مطلقو الاتهامات ، ومرجو الاشاعات لا يقولون ما يعرفونه أنه غير صحيحٍ فحسب ؟ . بل لأن مبالغاتهم وتلفيقاتهم تُقَدِمْ حالة نموذجية للتصورات والفضاء السياسي الذي له في النتيجة آثاراً سلبية على عموم القضية الكردية في سوريا ..! وخاصة لجهةِ دَفْعِ الناس دفعاً إلى ترك الارض ، والتوجه صوب البحار والمحيطات طلباً للجوء والهجرة أو العمل داخل صفوف المرتزقة .!
تكتسب قيمة التقاسم الوظيفي التكاملي بين الداخل والخارج في الأحزاب الكردية السورية أهميةً كبيرةً ، وتَحْمِلُ أهدافاً مضمرة ، وخاصة إذا أخذنا الحجج والمبررات الداعية إلى ذلك بعين الاعتبار ، وتحديداً عندما تؤكد على ترحيب السلطات بمعارضة الداخل ، وتخوين معارضة الخارج ، وفي هذا اتهام صريح وواضح لمعارضة الداخل بالخنوع والخضوع والترويض ، ومحاولة لإسقاط الداخل ، واغتياله سياسياً ليس عن طريق العنف المباشر ، بل بطريقة التشكيك وتقويضِ الاحترام والمصداقية ، عبر ما يسمى القتل بالتصور وهي كما يبدو الاهداف الحقيقية لهذه الدعوات التي تحاول أن تلامس وتراً حساساً في الآونة الأخيرة لدى حزبيي الخارج ، وتحريضهم المستمر على الاحتجاج والمحاصصة .! الجميع يعرف سُوءَ الداخل وصعوباته الاقتصادية والأمنية والقمعية ، ومحاولات ما تبقى فيه للهجرة ، ومع ذلك يضع المحاصصة في تمثيل الخارج على رأس الأولويات ، وكأنٌَ الداخل / الخارج في كل حزب لا تحكمه ذات البنية التنظيمية ، وذات البرنامج السياسي ، اي ينتمي كل منهما إلى بنية مغايرة تختلف باختلاف المكان .
يعيش الكرد السوريون محنةً حقيقيةً على كافة المستويات ، لأنهم يتعاملون مع مجهولاتٍ كثيرة ، واتهاماتٍ بالانفصال مما يخلق لديهم شعوراً بالخوف والاستسلام للواقع العياني ، وعدم المس به ...! رغم كل ما يمكن أن يقال حوله ، فالذي يعدّ العصي ليس كمن يتلقاها !
لا نتوقع حلولاً سحريةً لجميع مصاعبنا بحيث تعيدنا إلى الوضع الطبيعي السابق كما يحلم البعض ..! فقد تُميّع التسويات الانتهازية بعضَ الآمال والأحلام ، لذا ينبغي التركيز على دعمِ الداخل ، وكيفية تأمين مستلزمات صموده وبقاءه ، وتجنْب المزيد من الهجرة والاستنكاف عن العمل الحزبي والتنظيمي..!
للأسف لم يستطع حزبيو الخارج حتى الآن من تقديم منظور واضح للعمل القومي الكردي ، أو العمل على ما ينبغي تحقيقه في مواجهة الضياع في بلاد الشتات ، فكل ما يُثار هو نوع من البلبلة للتغطية على الفشل والعجز الذي يكابده هؤلاء . .!
الجدل بين الداخل والخارج ليس أمراً ثانوياً بين آراء مختلفة ، بل هو تضارب وجودي وجدٌي ، يتعلق برؤية محددة لماهية العمل النضالي الكردي السوري ..! فهل يريد هؤلاء أن نتحول الى الخارج في الأولوية ، ونتخلى عن الفضاء السياسي والحزبي في الداخل بوصفه جوهر كينونتنا ، وبالتالي يصبح حزبيو الداخل عبارة عن أدوات وصدى لما يجري هناك ...!
يجد المرء غموضاً وارتباكاً في الحجج التي يسوقها أنصار الخارج في الحاجة إلى اعطائهم الصلاحيات اللازمة لاتخاذ القرار وممارسة السلطة الرمزية ، فهل يطمح هؤلاء المتخارجون في توسيع عدم اليقين على المستوى الوجودي كردياً ؟ ام هو عبثٌ بعقول بعض الاشخاص الذين لا يؤمنون بالعمل القومي الكردي ، والبقاء على تراب الوطن ؟ ام أن هناك ما لا نعرفه بشان ما يفعله وما يريده هؤلاء من حالة عدم اليقين ومن عواقبها الأيديولوجية ؟ هل يعرف هؤلاء ماذا سيأتي بعد الحاضر ؟ ام يبقى ذلك مجرد تكهنات ؟
حان الوقت وبالفم الملآن للقول ينبغي أن لا تكون لدينا اوهام بشأن المراهنة على حزبيي الخارج بشكل زائد ، لأنهم لابد أن يمتثلوا لقوانين وجنسيات الدول التي يتحركون ضمنها ، ولا بد أن تكون هناك قيودٌ قد تكون صارمة تتعلق بتحركاتهم ونشاطهم السياسي ، وكمثال لا بد لمن يعيش في تركيا او يحمل جنسيتها أن يراعي سياساتها ، وان يتقيّد بقوانينها ، وكذا في إيران أو مصر أو غيرها من الدول ، والا سيكون مصيره الترحيل أو الاعتقال.!
المشكلة تكمن في المُضْمَر من القول ومحاولة ارجاع الأوضاع إلى طبيعتها ، كي يصبح هؤلاء قادة ورؤساء احزاب من الخارج ، يديرون السياسة ، عبر إطلاق التصريحات ، وابداء الحرص على القضية ، او اظهار البطولة والرجولة ، فجأة ، دون اثمان أو كلف ...!
في النهاية فإن جميع افتراضاتنا وأحكامها المسبقة هي التي تحدّد تصرفاتنا ، رغم أننا قد لا ندركها ، فَثَمةَ من العوائق ما يجعل من تحقيقها بالغ الصعوبة ...![1]