هل هي ازمة برامج سياسية ام غياب لقيادة تاريخية !
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 6933
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
تعج الساحة #السياسية الكردية# بالأحزاب ، بعد 64 عاما من تأسيس اول حزب كردي سوري على يد مجموعة من المناضلين والمثقفين الكرد ، الذين اخذوا على عاتقهم مهمة الدفاع عن وجود الشعب الكردي وانتزاع حقوقه المشروعة - في وجه الشوفينية والكوسموبوليتية - وهذا ما حدا بهم الى رفع شعار تحرير وتوحيد كردستان ، كلفهم ذلك ثمناً باهظاً ، واوصلهم الى انقسام عبر تيارين مختلفين - رغم انهم كانوا يتقدمون فكريا ونضاليا على الكثير من الاحزاب القائمة - القريبة والمتطابقة في الكثير من القضايا - وتتالت الانقسامات والانشقاقات في مسيرة الاحزاب الكردية لعدم تمكنها من تنفيذ برامجها واجندتها بسبب الطبيعة القمعية والشوفينية للسلطة السورية ، التي قامت بزج خيرة مناضلي شعبنا في السجون والمعتقلات ، وحرمتهم من الوظائف ، وجردتهم من الجنسية ، وعملت على اجراء التغيير الديمغرافي واقامت مستوطنات عربية في المناطق الكردية ، بغاية التعريب ، ونزع صفة الكردية عنها – بناء على مشروع محمد طلب هلال السيء الصيت- ودفعها في مسارات جديدة اساسها العلاقات المتوترة بين مكونات سوريا المتعددة بشكل ممنهج .
لا تختلف برامج اغلب الاحزاب الحالية عن بعضها كثيرا ، لكنها تتفق في استحالة العمل المنتج ، وبؤس الفكر اليومي ، وانتشار الامية السياسية لدى المسؤولين الاوائل- الا فيما ندر- وغياب الديمقراطية والشفافية والمشاركة في معظم بناها الحزبية ، ومواقفها العملية ، بالرغم من الضجيج الاعلامي حول المساواة والديمقراطية وحقوق العضو..! .
تمجيد الذات ، التفرد ، والهيمنة ، والاقصاء ، والشمولية ، وانعدام نكران الذات ، سمات مشتركة الى جانب الانتهازية وضعف الحس القومي ، والغربة المجتمعية ، والانقياد الى الاهواء والرغبات ، صفات تشترك فيها وتتباهى بها بعض قيادات الصف الاول .
لم تسعى القيادات الحالية الى الاستفادة من التصورات القبلية لبعض الرواد ، واستلهام تجربتهم النضالية ، من خلال العلاقة المثبتة تاريخيا مع كل المحيط الحيوي الذي يتحرك فيه الكرد ، ومن ثم تحديد الشكل الذي يمكن ان يتواجد فيه الكرد في سوريا ، سواء اكان هذا التواجد في اطار الوطنية او الى جوارها ، كجار وصديق ، يحترم حقوق الاخرين وتطلعاتهم الهوياتية .
هذا لا يجب ان يدفعنا الى القول بان المؤسسين لم يخطئوا ، وكانوا بشر من صنف اخر ، بل يمكننا النظر الى ماهياتهم بوصفهم بشراً، تفصل بينهم الاختلافات ، لتعطي كلا منهم صورته الفردية والذاتية ، والتعبير عنها بأشكال مختلفة .
ان المقارنة السابقة لا تلغي النظر الى الاختلاف بين المؤسسين، وقادة الاحزاب الحالية دون اكراه ، علينا ان نتجاوز هذا الاختلاف ، من خلال التعبيرات الجديدة التي يمكن ان ينتجها الواقع السياسي الكردي ، والانفتاح على المحيط والعالم ، واحداث التواصل مع الاخرين كي يكون للكرد حضور قوي في المستقبل .
ان اغلب قيادات الاحزاب الكردية هي قيادات منفية اختيارياً وتائهة ما بين هنا وهناك ، وتعيش حالة من الاغتراب مع الواقع الكردي ، وعن معناها الخاص ، لأنها مقيدة ، وغير مشاركة في قرارها ومصيرها بانتظار لواء القدر !
لم يتعرض المشقوق من الاحزاب لنقد كاف ، ولا لحصار يشطبها او ينتزع منها قسريا صفة التمثيل الجمعي ، بل اغلقت على نفسها الباب ، وعادت تعمل بنفس الاسباب ، بعيدا عن العمق المعرفي الذي يحاكي فلسفة الاصل !
انعدام الثقة ووضع الاشتراطات المخبأة ، سمات تكشف القناع ، وتقلب سياقات التكوين الخاطئة ، والموضوعات السطحية التي تطرح في موازاة الواقع
العمل المتمرد على كل ما هو محاط بنوع من القداسة ، والعمل على احداث انقلاب في سياقات ما هو قائم ، وتغيير علاقات السيطرة والخضوع ، امور لا بد ان توضع على رأس الاولويات المقوننة لتجاوز ما نحن فيه ، من عدم وجود قيادات تاريخية او عدم قطع الطريق لظهورها .
عدم الاعتراف بالأزمة المستعصية في الحركة الكردية ، والاعتراض عليها ، ليس عملاً بطولياً ، ولا امتيازاً ، لان ذلك سيجعل المشكلة غير ذي موضوع .!
ان مغامرتي في الكتابة حول هذا الموضوع ، هو محاولة لتفجير اشكال التفكير المختلفة ضمن نسق الحركة الكردية من الداخل ، بشكل يسمح على تفكيكه وقراءته، قراءة تقدم نفسها كقراءة متجددة ، بعيدة عن كل ما هو مجازي ، وخطابي ، وثأري ، قراءة متصالحة مع الحاضر ومفتوحة على التاريخ ، ولا تلزم نفسها سوى بالمحاججة ، والمنطق ، وبالوقائع العيانية الملموسة والنقد الديالكتيكي الذي يفقأ العين ![1]