عبد الباقي صالح اليوسف في « مرآة الحدث »
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 6194
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
على عكس معظم قيادات الاحزاب الكردية في كردستان سوريا ، يدعو السيد عبد الباقي صالح اليوسف إلى انتهاج سياسة أخرى، تسعى إلى التكامل بين الحقوق القومية والوطنية السورية دون ان يكون بينهما أي تناقض ، رغم تأكيدات البعض باستحالة هذا التكامل ، وذلك في كتاب له صدر منذ أيام باللغة العربية ، بعنوان « مرآة الحدث »، قراءة في احداث تعني بكردستان عن دار النشر «مطبعة باد» في السليمانية لعام 2019 يقع الكتاب في 192 صفحة من القطع المتوسط، وهو الكتاب الثاني للمؤلف بعد « الانفجار السوري » الذي عالج فيه واقع الثورة السورية وتداعياتها وموقف الكرد والاحزاب الكردية واطر المعارضة المختلفة وتشكيل المجلس الوطني السوري والوطني الكردي ، وكانت سببا اضافيا فيما وصلت اليه الامور دون ان يغفل توحش النظام وتغوله..!
يحاول اليوسف في كتابه الثاني ان يؤكد على «أهمية تحليلاته واعطائها مزيداً من الاهتمام»، ولذلك نقرأ على الصفحة الاخيرة من الغلاف «بدلا من أن يشكل التعدد القومي والديني والطائفي –في الشرق الاوسط- ثراء ، الا ان الانظمة الحاكمة قد حولتها الى وباء يفتك بجسدها ، لضمان البقاء في الحكم والاستمرار في الاستئثار بخيرات ومقدرات بلدانها ، وسلكوا مختلف السبل لصهر هذه التعددية في بوتقة ثقافة المكون الذي ينتمون اليه ، وحتى تكتمل المبررات اوجدوا لأنفسهم/بلدانهم اعداء وهميين ، جشاعة هذه الانظمة في الاستئثار بالثروة والسلطة وممارسة الاستبداد في بلدانها ، انتجت مجموعة من المنظمات الارهابية مما جعلت بلدانها ساحة لصراع مخابرات الدول العظمى »
ان ما سبق يكشف واقع المنطقة وما تمر به من صراعات وحروب هوياتية ، فجوهر صراع المنطقة يكمن في «الاستئثار» بالثروة والسلطة ، وما انكار التعدد القومي والديني وبث النعرات الطائفية والقومية ، وخلق اعداء وهميين ، وممارسة سياسة التفرقة والانقسام ، الا من اجل ضمان البقاء والاستئثار بالسلطة والمال ...
اما انكماش المشهد الكردستاني– حسب اليوسف – ما هو سوى مرحلة – « مؤقتة »- لان الوعي الذاتي الكردي يتقدم بشكل عام لكن على الكرد ان يتجاوزوا فكر «الاقطاعية السياسية » والتطرف اليساري ويمارسوا الواقعية والبراغماتية في اعلى مستوياتها ، وكي يتحقق هذا التجاوز لابد من اجراء «مراجعة »سياسية وفكرية لما جرى في كردستان الشمالية والجنوبية خلال السنوات الثلاث الاخيرة ، وما يجري الان في كردستان الغربية كي لا تتكرر الخيبات وتتجدد الاخفاقات .!
ولا ينسى الكاتب تحديد الهدف من الكتاب « نتيجة قلة المؤلفات السياسية الكردية وكثرة شكاوي شبابنا في كردستان الغربية من ندرة كتابات قيادات الاحزاب الكردية جاء هذا الكتاب » فالكاتب شاهد عيان على أحداث مهمة وقعت وغيرت من شأن المشهد السياسي الكردي
الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات واللقاءات الشخصية في فترة زمنية تمتد لأكثر من عقد من الزمن ، والتي تعكس رؤيته الشخصية والسياسية للأحداث التي عاشها في ظروف مختلفة
يسلط الكتاب الضوء على المسألة الكردية في سوريا ويكشف السياسات التمييزية والعنصرية التي مارستها الحكومات السورية المتعاقبة في عهد نظام حزب البعث تجاه المكون الكردي كما ان للأحداث في العراق وكردستان نصيب اخر من الكتاب وخاصة بعد تحرير العراق 2003 من النظام البعثي لآنها بوابة للمتغيرات المستقبلية في منطقة الشرق الاوسط ، وتشغل الانتفاضة السورية التي اندلعت في اذار 2011 الحيز الاكبر من الاهتمام بسبب اهميتها لمستقبل المنطقة واسرائيل ، والآمال التي بنيت عليها لتغيير الوقع السوري الفاسد ، ووضع حد لنظام حزب البعث الاستبدادي والشعبوي ، ولا يغفل المعارضة السورية وذكر محاذيرها السياسية ، وخاصة السياسة التركية التي تستخدم الشعارات والكلمات المنمقة والعواطف الجياشة وخاصة بعد عام 2016..!
العنوان اشكالي وانعكاسي للأحداث (مرآتي ) لكنه قد لا يكون صورة حقيقية للحدث الكردي في تجلياته المتغيرة ، فالانعكاس الميكانيكي للحدث بصفته مرأة تعكس الواقع كما هو بدون زيادة او نقصان لا يمكن ان يحدث في الحياة ، لان الحياد التام لا وجود له في الطبيعية البشرية التي تتناول الحقيقة الناقصة والتي تتغير باستمرار، فالكاتب قيادي كردي سوري ساهم في صناعة الاحداث بشكل او باخر ، ولا يستطيع الا ان يكون جزءا من هذا النص بصفته فاعلا فيه كذات «منتجة » وبالتالي فالنص لا يعكس واقع الاحداث وحياديتها الا بشكل نسبي مهما حاول الكاتب خاصة وان الكتاب هو عبارة عن تجميع للمقالات والكتابات التي نشرها الكاتب على مدار فترة معينة من الزمن ، وكانت تعكس مواقفه وآرائه الشخصية والحزبية بهذا الشكل او ذاك ، والتي قد تحتمل الخطأ او الصواب ، وتثير جدلا واسعا بشأنها ، مهما حاول الاستيلاء على اللغة التي كتب بها النص كي يكون مفهوماً للجميع
كان على الكاتب ان يستخدم كلمة « مرآة » في العنوان بشكل « محترس » وبتحفظ عن «اثبات» الانعكاس الذي لا ارتاح له هنا ، وبالتالي فإشكاليه الكتاب تبدأ مع «العنوان » وتنتهي مع الصفحة الاخيرة ، لان اراء الكاتب ومواقفه «مثيرة» و«مغايرة» للنسق السائد كرديا ومعرفيا ، فهو يطرح رؤاه الخاصة التي «تتمايز» حتى عن رفاقه في الحزب الذي ينتمي اليه لابتعاده عن «التنميط »السائد والمعرفة « القشرية »التي «لا تجرؤ» على الدخول الى قلب الحدث عبر تفكيكه ، بدءا من النواة باتجاه السطح ، وبحميمية صادقة ، انه نص «المكاشفة» مع الذات قبل الاخرين ، و«طريقة » لاسترجاع التاريخ الذاتي القريب ، عبر كتاب يطمح لان يكون مرآة الكاتب في نضاله اليومي ، وفكره السياسي الذي يصر على فرادته وتميزه ..!
لذا يكتسب الكتاب أهمية خاصة ، ليس فقط «لمكانة» مؤلفه عبد الباقي صالح اليوسف في «قلب »المجتمع الكردي الذي يقدره ويحترم سنواته في النضال والسجون ، ولكن أيضاً لأهمية و« حساسية »الموضوعات التي يطرحها على قارئه، وهي موضوعات «يتابعها» عن كثب شديد منذ أكثر من عقود من الزمن ..![1]