مؤتمر قومي لكرد روجافا هل هو فخ ام تمرير للوقت ..!
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 5891
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
مؤتمر قومي لكرد روجافا
هل هو فخ ام تمرير للوقت ..!
لم تستطع الثورة السورية في بداياتها ان توحد الكرد السوريين في اطار او موقف سياسي رغم كل المساعي التي جرت في بداية الحراك الثوري فقد كانت الاحزاب الكردية منضوية آنذاك في اطار سمي في حينه احزاب الحركة الوطنية الكردية واستطاعت ان تعقد مؤتمرا لها في الهلالية بمدينة قامشلو عبرت من خلاله عن رؤيتها لمعالجة الاوضاع في سوريا بعد احداث درعا وانتفاضة الشعب السوري لكن هذا الاطار لم يدم طويلا فمع تطور الاحداث وانطلاق شرارة الثورة شارك الشباب الكردي في مدن قامشلو وديريك وعامودا وكوباني بدءا من الاول من نيسان 2011 في تنظيم تظاهرات احتجاجية جراء التهميش والاقصاء والقمع والقوانين الاستثنائية ورغم اقدام النظام على تجنيس الكرد الا ان الشباب الكردي رفض الخطوة وندد بها واعتبرها رشوة لتحييدهم ، وكان الرد شعار مطالبنا الحرية وليست الجنسية
في تلك الفترة وقفت الحركة السياسية الكردية حائرة ومترددة امام هذه الاحتجاجات . خائفة من تداعياتها . لذلك سعت بكل الوسائل والادوات لاحتوائها والحد منها . من خلال زرع اعضائها بين صفوف التنسيقيات عبر شراء الذمم ومنع اعضائها من المشاركة واتخاذ اجراءات عقابية بحقهم ، كما ان الرئيس الراحل جلال طالباني نصح كرد سوريا بالوقوف بعيداً عن الشارع المنتفض واتخاذ موقف حيادي تجاهه . كي يمنحهم ذلك بعض الحقوق القومية وهو ما جاء في كتاب صلاح بدر الدين الكرد في الثورة السورية ص 299 لا بل طلب منهم ان يشكلوا اطارا كردياً ينأى بنفسه عن الثورة وهو ما تجسد في تشكيل اطار كردي جامع لكل اطراف الحركة الكردية وفعالياتها في صيغة المجلس الوطني بعد رفض حزب الاتحاد الديمقراطي الانضمام اليه في المراحل الاخيرة . بعد رفض احزاب الحركة الكردية اللقاء مع رأس النظام في دمشق . باشر النظام بالاتصال مع جبال قنديل للاستعانة بمقاتليه بغية السيطرة على المناطق الكردية ومنع مسلحي المعارضة من دخولها او الاستحواذ عليها لأهميتها جغرافياً واقتصاديا ونفطياً ، وفعلا قدم صالح مسلم المحكوم عليه بالإعدام من جبال قنديل مع عدد من الكوادر والمقاتلين ، وتبنى نظرية الخط الثالث التي استندت الى سياسة النأي بالنفس وعدم الوقوف مع النظام او المعارضة . متهما المعارضة بالإخوانية والراديكالية ورفض الخروج من امام الجوامع في الجمع ، ورفع اعلام وشعارات مغايرة لما كان يردده ويرفعه الشارع السوري المنتفض . مستعيضا عنها بلون العلم الكردي واختيار اسماء للجمع مشابهة له ايضا .
كما قلنا سابقاً حاول كرد سوريا وبتوجه من الاقليم اقامة اطار كردي خاص بهم . يتم من خلاله السيطرة وضبط الشارع الكردي ومنعه من الفلتان والفوضى ، ويكون ممثلا لكرد سوريا في أي محفل محلي او اقليمي او دولي ، وكان من المفترض ان يشارك فيه حزب الاتحاد الديمقراطي لكنه تراجع عن المشاركة بسبب رفض طلبه بتمثيل بعض مؤسساته في المجلس كمؤسسة عوائل الشهداء واتحاد ستار وكانت النتيجة تأسيس المجلس الوطني الكردي في 26-10-2011 والذي ضم بين دفتيه معظم الاحزاب الكردية السورية وبعض التنسيقيات والفعاليات المستقلة بناء على مواقفهم وولائهم للأحزاب المنضوية فيه .
لكن بعض التنسيقيات والاحزاب رفضت المشاركة وبقيت خارجه لأنها طالبت في حينه على ان يكون قوام المجلس واللجنة التحضيرية مكوناً من ثلث من التنسيقيات ومثله من الاحزاب والمستقلين اما حزب الاتحاد الديمقراطي فقد شكل هو الاخر مجلس غرب كردستان في 16-12-2011 والذي تطور لاحقاً الى حركة المجتمع الديمقراطي وضمت في اطارها عددا من الاحزاب والفعاليات وباتت تقود العمل السياسي المجتمعي ، وتوزع كرد سوريا بالنتيجة بين اطارين احدهما يتبع لهولير والاخر يتبع لجبال قنديل ولاحقا تحت رعاية الرئيس مسعود بارزاني تم عقد اتفاقيات هولير 1و2 ودهوك وتشكلت الهيئة الكردية العليا لكن هذه الاتفاقات لم تستطع الصمود طويلا ، وعبرت عن خيبة امل وتطلعات كرد سوريا في توحيد الموقف والصف الكردي ، وانقسمت من جديد الحركة الكردية في سوريا بين هيئة التنسيق الوطنية ، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ثم قامت حركة المجتمع الديمقراطي في 2014 ببناء ادارتها الذاتية في كانتونات الجزيرة وكوباني وعفرين ، واستمر المجلس في الائتلاف وفي الهيئة العليا للمفاوضات مما تسبب في زيادة الشرخ والانقسام في الشارع السياسي الكردي واتساعا للهوة لاختلاف الموقع والرؤية لكل منهما .
ان طرح عقد مؤتمر وطني لكرد روجافا يعيدنا الى المربع الاول وهو ضرورة توحيد الصف والموقف الكردي ، وهو ما يتمناه كل كردي غيور على قضيته وامته رغم ان الهوة قد اتسعت كثيراُ ، ولا يمكن ردمها بسهولة ، وخاصة ان حزب الاتحاد الديمقراطي اليوم هو في موقع السلطة والهيمنة ويقوم باعتقال ونفي قيادات المجلس الوطني الكردي ويتحكم بكل مفاصل الحياة في روجافي كردستان بدءا من الامن و المعابر والنفط والغاز و الضرائب وتقديم الخدمات بما فيها الماء والكهرباء وسوق العمل . حزب الاتحاد الديمقراطي لم يعد كما كان حزبا سياسيا معارضا بل حزبا سلطويا مسلحا بكل ادوات القوة وعناصرها ويمتلك جيشاً كبيراً وفق ايديولوجية الامة الديمقراطية . في حين ان المجلس الوطني الكردي عبارة عن اطار سياسي مرتبط نشاطه بالأمن والاستقرار والديمقراطية والحياة الطبيعية، وهذه المفاهيم لا يمكن ان تتحقق في بيئة انتقالية غير مستقرة كما نعيشها اليوم .
قد يكون المؤتمر الوطني حلاً وضرورة وطنية وحياتية في اطار التعددية السياسية والحزبية والمساواة وعدم النظر الى الاحزاب الكردية الاخرى كرعايا او مكونات قاصرة . وبالتالي رغم كل المخاوف والهواجس وقبل السير في طريق المؤتمر ، وكي يحظى بنسبة نجاح معقولة ينبغي القيام ببعض الخطوات العملية :
1-اطلاق سراح المعتقلين السياسيين
2-وقف الحملات الاعلامية
3-وقف الاعتقال التعسفي
4-تهيئة المناخ العام للحوار والتفاهم من خلال بعض الندوات الجماهيرية
5-فتح المجال امام ممارسة النشاط السياسي دون عوائق بما فيه فتح مكاتب الاحزاب
6-وقف التجنيد الاجباري والاستعاضة عنه بالتطوع
7-تحسين الوضع المعاشي للمواطنين والاهتمام بالخدمات العامة في اطار الامكانات المتاحة
8-وقف حملات التحريض والتخوين
في اليات عقد المؤتمر:
قبل عقد المؤتمر ورغم التفاؤل الحذر في عقده لا بد من طرح بعض الاليات والعوامل التي قد تساعد في نجاحه وتحسين ادائه :
1-الدعوة الى لقاء مشترك لمناقشة الموضوع بين الاطراف الرئيسية
2-التحضير لعقد لقاء تشاوري تحضره كافة القوى والاحزاب والتيارات والاطر والتنسيقيات والفعاليات الشبابية والمهنية المستقلة لمناقشة اليات عقد المؤتمر والتحضير لوثائقه وتحديد زمان ومكان انعقاده بما فيه عدد الحضور.
3-اختيار اللجنة التحضيرية للمؤتمر بحيث تكون موزعة بالتساوي بين الاحزاب والفعاليات المهنية والنسائية والمستقلين .
4-توجيه الدعوات الى كل من تم ذكرهم في البنود السابقة دون قيد او شرط وتهيئة المناخ العام وتسهيل دخول المندوبين الى روجافا.
5-تشكيل هيئة تنفيذية منتخبة من المؤتمر تكون بمثابة المرجعية السياسية والثقافية والتنظيمية لكرد روجافا
6-انتخاب ناطقين اعلاميين احدهما في الداخل والاخر في الخارج
رغم طرح فكرة عقد مؤتمر قومي لكرد روجافا الا ان الموضوع لم يأخذ حقه من النقاش والتفاعل الى حد الان ، ويمكن ان نكثف بعجالة شديدة بعض مواقف الاحزاب الكردية في التالي :
1-حركة المجتمع الديمقراطي : رغم انها هي من طرحت موضوع المؤتمر في الآونة الاخيرة من خلال مقالة اسيا عبد الله وعبرا للقاء التلفزيوني لالدار خليل 13-5-2018 الا انها لم تطرح مشروعا متكاملا قابلا للتنفيذ وقد يكون سقوط عفرين هو من دفع هذه الحركة الى اعادة النظر في مواقفها السابقة والعمل على توحيد الموقف الكردي خوفا من ان يتكرر سيناريو عفرين في مناطق اخرى او قد يكون عبارة عن استثمار في الوقت وفخ للمجلس الوطني الكردي الذي لا زال يتمترس حول مواقفه السابقة وبالتالي كسب استعطاف ورضى الشارع والاقليم ، وقد تكون مناورة محسوبة النتائج والاهداف معاً. وخاصة لجهة الانتخابات الرئاسية في تركيا ودور الرئيس بارزاني في تحسين العلاقات واحياء عملية السلام .
2-مشروع بزاف الذي طرحه صلاح بدر الدين مذ اربعة اعوام ردا على فشل الحركة السياسية الكردية عبر المجلسين في روجافي كردستان . مطالبا بعقد مؤتمر انقاذي واعادة بناء الحركة الوطنية الكردية على اسس جديدة ، وتم عقد عدد من اللقاءات في عدد من البلدان الاوربية وفي كردستان ايضا ولديه برنامج سياسي واليات محددة لعقد المؤتمر .
3-المجلس الوطني الكردي الذي لم يخرج بعد من ردود الافعال ولا يوجد لديه حتى الان موقف رسمي سوى بعض التصريحات الاعلامية المتناقضة عبر بعض الفضائيات الكردية من خلال مطالبته بتحسين اجواء الثقة و اطلاق سراح المعتقلين السياسيين والسماح بفتح مكاتب الاحزاب وممارسة العمل السياسي وبضمانات اقليمية ودولية .
4-القوى والاحزاب خارج الاطر السابقة ما زالت تتخبط في مواقفها ورؤيتها من الاحداث وتقف عاجزة عن ايجاد حل لخلافات حركة المجتمع الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي واستحالة جلوسهم على طاولة حوار واحدة .
5-الفعاليات المهنية والثقافية والاجتماعية والشخصيات الوطنية المستقلة ليس لديها موقف محدد وهي بانتظار مواقف القوى السابقة .
ورغم كل ذلك فان الجو العام يضغط ويصر على ضرورة عقد المؤتمر والخروج برؤية وطنية واستراتيجية قومية تضع حدا لكل هذا التنازع والاشتباك.
امام هذا الواقع المنتج للخيبات هل من امكانية لبروز بعض التفاؤل لتقدم حقيقي باتجاه ترتيب البيت الكردي وانجاز المؤتمر ، الوقائع لا تشير الى ذلك رغم دعوات الجميع![1]