سرد سجين كوردي سابق، قصته المأساوية في أفرع الأجهزة الأمنية السورية، وأشد فتراتها قسوة، هي التي قضاها في فرع فلسطين، حيث وضع السجّانون جثة لشخص ميت في زنزانته الانفرادية، ولم يعرف الليل من النهار نظراً لسجنه داخل قبو أرضي، كما وصف حالته الجسدية عقب خروجه بأنه كان هيكلاً عظمياً.
وفرع فلسطين سيء الصيت، يُعرفُ كذلك باسم فرع 235 وهو أحد السجون التي أدارتها مخابرات نظام الأسد، في العاصمة دمشق.
شيرزاد محمود معمو، اعتقل عام 2021 في أحد حواجز الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق الرئيس السوري المخلوع، قرب بلدة نبل التي تقطنها غالبية شيعية في محافظة حلب، وتم نقله بين عدة سجون وأفرع أمنية، آخرها كان فرع فلسطين.
أدناه نص حديث رووداو والمعتقل الكوردي السابق:
رووداو: هل بإمكانك أن تخبرنا ما هي قصة اعتقالك؟
شيرزاد معمو: كنت أعمل سائق تكسي أجرة، وأخذت طلب توصيل من حي الأشرفية إلى بلدة نبّل (كلاهما في محافظة حلب)، حيث كان معي 3 أشخاص، ووصلنا إلى منطقة دوار الليرمون بمحيط مدينة حلب، وهناك كان يوجد حاجز لأمن الدولة، وقاموا بتفييش هوياتنا، ولم يكن علينا شيء، وبعده وصلنا لحاجز مسلحي إيران وحزب الله اللبناني، كذلك قمنا بالتفييش ومضينا في طريقنا، لكن في الحاجز الثالث الذي هو للفرقة الرابعة، طالبونا بهويات الركاب وهويتي أيضاً، ولم تمض 5 دقائق، حتى جاء أحد العساكر وأخبرني بصفّ السيارة في الساحة، وسألني لماذا ذاهبون إلى نُبّل؟ وهمّ بضرب أرجلنا بسيخ معدني، وكرر سؤاله، فأخبرتهم أنني سائق تكسي وأخذت الطلبية ولا علاقة لي، فلتسأل الشبان، الذين بدورهم قالوا له إنهم ذاهبون إلى تركيا، ثم بعد ذلك اتصلوا بمفرزة الأمن العسكري، وإلى أن وصل دورية أمنية، كان عناصر الفرقة الرابعة قد قاموا بتكسير سيارتي أمام عيني.
بقينا 5-6 أيام في فرع الأمن العسكري قرب دوار الباسل بحلب، ثم نقلونا إلى فرع الشرطة العسكرية بحي الجميلية (يقع في حلب)، ثم نقلونا إلى مهجع أمني في سجن البولوني (يقع في حمص)، وبقينا هناك 17 يوماً، وكنت في زنزانة منفردة، وأصابني الجرب هناك، حتى تحول إلى التهاب بعموم جسدي، بعد ذلك نقلوني إلى القابون (يقع في دمشق) وبقيت ليومين، ثم إلى فرع فلسطين، ولم أشاهد أولئك الشبان مطلقاً، لأنني كنت بمفردي.
رووداو: كم قضيت في فرع فلسطين؟
شيرزاد معمو: بقيت في فرع فلسطين 3 أشهر و7 أيام، لم أكن أعلم إذا كان التوقيت نهاراً أم ليلاً، لأنني كنت في قبو تحت الأرض، وسألني أحد الضباط كم صار لك هنا في الفرع؟ فقلت لا أعلم، فأخبرني بالتوقيت.
وضعونا خلال فترة التحقيق في 3 زنازين، كان ذلك في زمن فيروس كورونا، فعزلوا المساجين عن بعضهم، ثم نُقلت إلى الزنزانة الانفرادية، ووضعوا جثة معي فيها، وبقيت معي ليومين، ثم أخرجوها، وكانوا يعذبوننا بمختلف الوسائل، مثل سكب الماء المغلي على أجزاء مختلفة من الجسد، الصعق الكهربائي وبساط الريح.. وغيرها. عندما وصلنا إلى الفرع ووجوهنا تنظر إلى الحائط، قالوا لي شيرزاد، اسم أم قومية؟، فأجبتهم: كلاهما، فأبرحوني ضرباً في تلك الليلة حتى الصباح.
هناك لا توجد أسماء، بل أرقام، ورقمي كان 35، دوّنوه على ظهري ويدي، وكنا عندما نعطش كانوا يعطوننا ماءاً مالحاً، ونشربها مرغمين.
رووداو: أخبرنا كيف كانوا يتعاملون معك في ذاك الفرع؟
شيرزاد معمو: كانوا يلقون علي التهم كوني كوردياً، بأننا نتعامل مع إسرائيل، وانفصاليون وندعو للحرية وغيرها، وهكذا أمضيت فترة اعتقالي إلى أن وصل ملفي إلى المحكمة العسكرية، لقد خرجت من هناك هيكلاً عظمياً، وتضرر بصري حتى لا أكاد أرى أكثر من متر واحد.
كان الطعام أرزاً وشوربة، وذات مرة جلبوا إلينا دجاجاً مشوياً، لأنها كانت عفنة، وقد تسممنا بعد أن تناولناها.
رووداو: هل كان معك أي كورد آخرون؟
شيرزاد معمو: في فرع فلسطين، كان يوجد كوردي من تركيا، وكورديان من إقليم كوردستان، وكوردي آخر من الأردن، وآخر من عفرين.
رووداو: ماذا كانت تهمهم؟
شيرزاد معمو: كانت تهمة الكوردي العفريني، هي العودة عن طريق التهريب من مناطق الشهباء شمالي حلب إلى المدينة، أما الكوردي من تركيا، فقد كانت لديه تجارة بين تركيا وعفرين، وخلال حرب عفرين في 2018، أخطأ في الطريق فوصل إلى بلدة نبل، فسلمته الشبيحة هناك إلى الأمن العسكري، وبقي في فرع فلسطين 3 أعوام ونصف، أما الكوردي من الأردن فقد اعتقلوه على الحدود أثناء الاشتباكات على الحدود فسلموه حقيبة تحوي مواداً ممنوعة واتهموه بتهريب المخدرات.
رووداو: ما هي حالتك الصحية الآن بعد الخروج؟
شيرزاد معمو: أجريت تحاليل طبية، وتبين أن جسمي كله يعاني من التهابات وخراجات، واستمريت بعلاج طبي ل 6 أشهر، لكن حالتي النفسية كانت محطمة.
بعد أن تم تحويلي إلى المحكمة العسكرية، قالوا إنه مدني، فنقلوني إلى المحكمة المدنية، ومنحني القاضي براءة، وكانت يداي مكبلتان، فقال لهم دعوه يذهب إلى المنزل، فقال له العناصر: كلا، إنه مطلوب لأمن الدولة أيضاً. بقيت 3 أيام في أمن الدولة وعقب إنهاء التحقيقات، أطلق سراحي في مطلع العام 2022. [1]