تركيا … مسارات الحرب والسلام
ما بعد تفويض الجولاني وتداعيات شرعنة الإرهاب في سوريا
سليمان أبو بكر –
تحاول الدولة التركية المضي في استراتيجيتها وسياساتها على الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية حتى تتمكن من تجاوز أزماتها على الأقل, وتغير من مسار تحالفاتها وتوافقاتها بما يمليها التطورات الدولية للقوى المهيمنة، فالتصريحات والتحركات الاخيرة للمسؤولين الاتراك تشير إلى مرحلة جديدة بدأتها لبناء استراتيجية جديدة ما بعد غزة.
السياسات التركية المكشوفة للعالم خاصة تجاه الحرب الاسرائيلية الفلسطينية أثرت بشكل كبير على علاقة تركيا بالطرفين من جهة النفاق التركي تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية ككل، والعلاقات الاستراتيجية التاريخية بين اسرائيل والانظمة التركية من جهة أخرى.
محاولات تركيا بناء علاقات جديدة أو القيام باستدارة جديدة نحو العالم العربي والمنطقة والعودة إلى تفاهمات سابقة عبر البوابة الفلسطينية باتت سياسة مكشوفة، ولا اعتقد بأن تركيا تستطيع العودة بنفس الزخم السابق إلّا في حالة توافق أمريكي إسرائيلي تكلف فيه بدور تخريبي جديد، لكن هناك عدد من التحديات التي ستواجهها منها ما هو متعلق بالوجود الايراني والروسي في المنطقة كلاعبين أساسيين في قضايا الشرق الأوسط والعالم خاصة فيما يتعلق بسوريا، وتخوف تركيا من خروجها من الأزمة السورية خاوية اليدين بعد أن وضعت كل امكانيتها وقدراتها في دعم الإرهاب وتأجيج الصراع.
تركيا المعروفة بازدواجيتها السياسية تعمل حالياً على السير بمرحلة جديدة لذا تحاول أن لا تقدم على القيام بها منفردةً وتبحث عن مواقف تسند خطواتها اللاحقة خاصة وهي أمام تفاقم في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الداخلية.
على ما يبدو أن الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط تلتزم موقف الصمت والنأي بالنفس عن المشهد السياسي العام باستثناء تركيا وإيران الضالعان بشكل واسع وعميق في كل أزمات المنطقة وراس الحربة في السياسات الدولية تجاه الشرق الأوسط والعالم وهذا يمنح تركيا مساحة للتوغل أكثر في قضايا المنطقة وهذا يحسب لها لكن سيكون لها أثر على مستقبل السياسة التركية ودورها بشكل سلبي.
الحرب العالمية الثالثة القائمة بشكل من الاشكال تتوسع وتتخذ وسائل جديدة في حيثيتها وساحة الصراع مفتوحة وتبقى ثروات المنطقة ومقدراتها في خدمة الحرب والعسكرة، وتبقى الفتن والاقتتال والفقر والتهجير والارهاب حالة قائمة وتصبح أكثر تعقيداً كما الحالة السورية التي ادخلت في دوامة لا نهاية لها هذه صورة المشهد الذي تريده تركيا وقوى الهيمنة وهذه الساحة التي تمنحهم القوى في التحكم والسيطرة.
بالعودة إلى السياسة التركية ودورها التخريبي، لاشك تبحث تركيا عن إنجاز لها في هذا الصراع وإن كان على حساب شعوب المنطقة، فمنذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم كان عليه أن يجاري السياسة العامة للدولة العميقة والكلاديو وأن توافق توجهاته مع توجه الفاشية التركية التي تقودها حزب الحركة القومية خاصة تجاه شعوب المنطقة وفي مقدمتهم #الشعب الكردي# ، وإن اختلف الطرفان أيديولوجيا لكنهما متفقان على محاربة أي نهوض كردي، وهذا ما يحدث منذ أكثر من مئة عام.
تركيا العدالة والتنمية التي تحاول استرجاع أمجاد السلطنة البائدة الممتدة من أطراف البلقان إلى أسيا الى الشرق الأوسط وشمالي افريقيا مستفيدة من موقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب ودورها العميق في قضايا المنطقة عبر مزاوجة الدبلوماسية الرعناء وسياسات الاحتلال واستغلال ضعف حكام المنطقة والتدخلات الدولية على رأسها التدخل الأمريكي والروسي، لذا تسارع في خطواتها لتكون هي سيدة المنطقة أو بمعنى أخر أن تكون البديل لقوى الهيمنة العالمية وتتحدى كل الرهانات والتحديات في سبيل تحقيقها.
لكن تركيا بهذه السياسة وبهذا التخبط الكبير والمزاوجة بين حالتي الترهيب ودعم الإرهاب وشن الحروب والضغط على القوى العالمية واستغلال الشعوب لن تتمكن المضي لفترة طويلة بهذه السياسة وستواجه حالة انهيار داخلي وعزلة خارجية شديدة وستتكرر حالة الدولة المريضة والسقوط مجدداً.
الحل أمام حزب العدالة والتنمية وهو في الدورة الأخيرة من الحكم أن تلتفت إلى الداخل وتبدأ بعملية سلام داخلية وهنا مفتاح الحل بيد القائد عبدالله أوجلان الذي رسم خارطة الحل والسلام لتركيا والشرق الأوسط عموماً.
ونحن نعيش الذكرى ال25 للمؤامرة الدولية التي استهدفت القائد أوجلان وبالتوازي بما يجري في الشرق الأوسط علينا العودة إلى بعض حيثيات هذه المؤامرة وما يطرحه القائد بخصوص قضايا وأزمات المنطقة وفي مقدمتها ما يجري في تركيا وأن نستخلص منها أفق المرحلة الراهنة ونتائجها خاصة فيما يتعلق بالحل.
القائد أوجلان الذي خرج من أحشاء الأزمة في كردستان و تركيا وعبر عنها بجوهرها وحقيقتها وعمل لأجل شرحها وتفصيلها قد صاغ نمط حل جديد مبني على انهاء كل مظاهر السلطة والاستبداد وبناء قوة أساسها الشعب والفكر الحر والادارة الديمقراطية، أنه نمط حياة جديدة لشعوب المنطقة يمتلكون فيها إرادتهم المسلوبة من قبل نظام الهيمنة وادواتها وبها تتحرر الشعوب ويرسى السلام وتنتهي الحرب والصراعات وتصبح الشرق قوة ايجابية لا حدود لها حينها تنكمش نظام الهيمنة على نفسه وتتجه المنطقة نحو البناء والازدهار والرخاء، بدلاً من الفتن والحروب والصراعات التي انهكت شعوب المنطقة. [1]