مقاومة العصر… انتصار الإرادة والفكر الحر
محمد خلو
في البداية نستذكر ونحيي شهداء عفرين الذين سطروا أروع ملاحم البطولة والفداء في المقاومة التي أبدوها، ونجدد العهد والولاء لشهداء الحرية.
خاض الشعب ومقاتلو الحرية حرب العصر في #عفرين# وأثرت هذه الحرب بشكل كبير على الشعب الكردي وأكسبته الروح الوطنية المقاومة، وقوّت لديه روح اليقظة والكفاح وكشفت له المخاطر المحدقة به من القوى الظلامية، وأثرت بشكل كبير على الساحة الدولية أيضاً، حيث اكتسبت كل القوى الديمقراطية روح المقاومة من المقاومة التي أبداها شعبنا ومقاتلو الحرية في عفرين من أجل الحقوق المشروعة للشعوب المضطهدة، وساهمت في أن تدرك تلك القوى الديمقراطية نفسها وخوض النضال وإبداء المقاومة على نهج المقاومة الشعب الثورية التي أبديت في عفرين.
وكيفية إحراز النتائج المرجوة من تلك الحرب الثورية، لهذا السبب فإن الحرب التي خاضت في عفرين لها مكانة خاصة في تاريخ كردستان وستنعش روح المقاومة في تاريخ الشعوب المقاومة والباحثة عن الحرية. نعم اندلعت الكثير من الحروب وعانت كردستان العديد من الحروب على مر التاريخ، إلا أن الحرب التي اندلعت في عفرين هي الأولى من نوعها في تاريخ الحركات الكردية وليس له مثيل في تاريخ كردستان والمنطقة حيث كانت للمرأة الدور الريادي في هذه المقاومة العظيمة.
فنظمت المرأة نفسها في كافة مجالات المقاومة وانضمت الى جبهات القتال بروح وعزيمة لا تقهر وقدَّمنَ أنفسهن في سبيل تحقيق الهدف المنشود وهو تحرير الإنسان والدفاع عنه ومنها أمثلة كثيرة (بارين، افيستا، زيلان، سوزدار).
وفي بداية الهجوم أراد المحتل التركي إظهار قواته أمام المدينة الصغيرة في المساحة ولكن ما ظهر هو أن المدينة الصغيرة تمتلك روح عظيمة في الدفاع عن نفسها وعن مكتسباتها.
فامتلأت سماء عفرين بالطائرات الحربية وبلغ تعدادها أكثر من ( 72 ) طائرة حربية وفي بالبداية قامت بقصف المناطق الحيوية والعسكرية وخطوط الدفاع الأول وخطوط الإمداد واستمر هذا القصف إلى آخر يوم من المقاومة ضمن المرحلة الأولى من مقاومة العصر.
وفي اليوم الثاني وفي ساعات الفجر بدأت الحرب النظامية وبعشرات آلاف من المرتزقة المدعومين من تركيا والجيش التركي وكذلك بإسناد المدفعية والطيران الحربي وطائرات الكشاف على خطوط الجبهة منها ناحية بلبل وجنديرس و راجو المكتظة بالأهالي وكان هناك مقاومة عظيمة من قبل ابنائنا وبناتنا في جبهات المقاومة وكذلك الجبهة الداخلية الذي لعب دوراً كبيراً في تدعيم الخطوط من الناحية المعنوية والمادية وقامت الأهالي بتحضير وجبات الطعام للمقاتلين وكذلك الإسهام في بناء السواتر والمتاريس وكذلك نقل معدات الأسلحة والذخيرة وتأمين اماكن المتقاتلين ضمن القرى والدور الكبير الذي قام به الشعب وهو تقديم نفسه كدروع معنوية منذ اليوم الأول وإلى اليوم الاخير والهدف هو رفع الروح والعزيمة لدى المقاتلين وكذلك وقوف الشعب مع قواته وتعلقهم بأرضهم. وهذه المرة الأولى التي نرى فيها تكاتف الشعب حول مقاتليهم في المنطقة من أجل الدفاع عن منطقتهم.
فكانت للمرأة دور عظيم في المقاومة وتدخلت في الحرب بكل قوتها وبدأت بتنظيم نفسها بين الأهالي والمشاركة مع اللجان في تأمين مداخل ومخارج المدن والقرى وكذلك مشاركة المرأة في وحدات الحماية الشعبية YPJبشكل أكثر من رائع في الدفاع وانتشرت في كافة خطوط الجبهات المقاومة، فحضرت المرأة عديد من الفعاليات العظيمة في تنظيم نفسها والشعب، فقوة المرأة كانت موجودة في تشبثهم بأرضهم أمام عنجهية العدو وكذلك تحضيرهم الوجبات الطعام على مدار ( 58 ) يوماً وكذلك تواجدهم على الحواجز وتنظيم حركة الشعب داخل المدن والقرى وانضمامهم إلى قوات الحماية الجوهرية وفعاليات تعبئة اكياس التراب من أجل بناء خطوط الدفاع في المدن …… إلخ ، وهذا ما زاد من عجز المحتل و مرتزقته وباتوا عاجزين أمام تصدي العصري لأبناء عفرين وكامل روج افا، لذلك قام المحتل التركي بقصف جوي عنيف وعشوائي على المناطق الآهلة بالسكان وكذلك قصفها بالأسلحة المحرمة دوليا واستهداف مناطق الحيوية كمحطة ضخ المياه وشبكات الهواتف والكهرباء ومخازن المواد الغذائية والمداجن والجسور وكذلك الاماكن الأثرية والمزارات، اي استهداف كل شيء حي او جامد وكل هذا أمام صمت عالمي وإقليمي رهيب ولا حتى جملة تنديد واستنكار تُذكر.
كان الهدف هو احتلال عفرين خلال أيام قليلة جداً لا تتجاوز الاسبوع إلا أن مقاومة عفرين أثبتت غير ذلك للجميع، أظهروا للجميع بأنهم قوة لا يستسلم بسهولة ولا يعترف بالهزيمة.
لان الشعب اعتاد على الحرية ولا يمكن التنازل عنها بسهولة أبداً، كان الشعب العفريني الاصيل والشعوب المتوجهة إلى عفرين نتيجة الحرب السورية الشعواء والذين تلقوا حسن الضيافة لشعب عفرين العظيم وبنوا علاقات الأخوة على أساس الأمة الديمقراطية، لذلك كان هدفهم الاول الدفاع عن الحرية والديمقراطية التي عاشوها، لذلك قام المحتل بضرب هذه الإخوة محاولاً سلبها لكي لا يستمر هذا النجاح الديمقراطي والاخوي.
بالإضافة إلى هذا كانوا مرتبطين إلى أبعد الحدود بجغرافيتهم، ووطنهم، وقيمهم وشهدائهم.
لذلك أبدوا مقاومة تاريخية وسموها بمقاومة العصر، وبالفعل كانت كذلك، لهذا السبب تحولت إلى مثال وأنموذج يقتدي به الجميع، فالجميع استنبط العديد من النتائج من مقاومة العصر التي أبديت في عفرين. أهل عفرين ما زالوا مستمرين بتلك المقاومة ويعلنون بأنهم لن يتخلوا عن عفرين ولن يتخلوا عن الحرية والأخوة أبداً، ولن يقبلوا أبداً بالظلم والعبودية، وسيتصدون ويقاومون حتى النهاية، بهذا الشكل أعلنوا إصرارهم وتمسكهم بقرارهم، هذا الإصرار يستند إلى قرار وروح قوية ولا يمكن لأي أحد أن يحطم تلك الروح وذلك الإصرار والعزيمة، ونحن على ثقة تامة بأن شعبنا وقواته المدافعة في عفرين سوف يستمرون بتلك المقاومة ولن يثنيهم أي شيء عن إبداء تلك المقاومة حتى تحرير منطقتهم.
فمقاومة الشعب على مدار ( 58 ) يوماً أمام أعتى هجمات إرهابية ووحشية شهدها التاريخ الحديث للبشرية. لا تزال تأثير تلك الحرب تظهر على الشعب إلى يوماً هذا.
ولا ننسى مرحلة الخروج حفاظاً على الأرواح البريئة والتي كانت من أصعب المواقف وتأثر بها كامل الشعب والمقاتلين وفضل بعض المقاتلين عدم الانسحاب وقاموا بالفداء والدفاع عن عفرين بطريقتهم الخاصة حيث قام الشهيد ( كاركر اريش) ورفاقه بعمليات فدائية سطروا من خلالها اروع ملاحم البطولة والمقاومة وأثبت للجميع أن إرادة الشعب في عفرين اقوى بكثير من أسلحتهم، و كذلك العديد من الرفاق قدموا أنفسهم فدائيين لعفرين لأنها ارض الحرية والفكر الحر و لذلك تستحق أغلى ما نملك، كذلك مقاومة الشهيد ( قهرمان في جبال بلبل) والشهيد ( ايلان ) في جنديرس و الشهيدة ( بارين ) في قورنة ناحية بلبل والشهيدة ( افيستا خابور ) في قرية حمام ناحية جنديرس، وكان يتجاوز عدد الشهداء والمصابين والجرحى العشرات يومياً بين مقاتل و مدني ولم يكن يوجد فرق بين المقاتلين والشعب ايام مقاومة العصر، وبعد الخروج من عفرين قسراً وبداية المرحلة الثانية من مقاومة العصر لكي تستمر روح التحرير والإرادة الحرة في مقاطعة الشهباء وفي ظل مخيمات التهجير القسري والتأثير الذي ظهر على الشعب والى الان ترحل الآباء والأمهات قهراً ووجعاً من الفراق المميت عن مدينتهم و زيتونهم الشامخة إلى يومنا هذا.
شعبنا في عفرين وفي الأجزاء الأخرى من كردستان وحتى القوى الاشتراكية والديمقراطية في العالم باتوا يدركون بشكل أوضح بأنه تم استهداف عفرين بحملة واسعة، وأن العديد من الدول شاركت في هذه الحملة، هذه الحملة لا تقوم بها الدولة التركية المحتلة الفاشية ومرتزقتها فقط، إنما كانت تُقدم لها الدعم الكامل من قبل الناتو وروسيا، وبهذه المساعدة والدعم استطاعت تركيا أن تقوم بحملة الاحتلال والإبادة في عفرين. حتى ولو استطاعت احتلال عفرين من الناحية العسكرية إلا أنها لم تحرز أية نتيجة لأن النضال مازال مستمراً في مرحلتها الثانية ضد الاحتلال والإبادة الممارس من قبل لدولة التركية الفاشية حتى الآن. فمقاومة شعبنا في عفرين وحالياً في الشهباء ليست فقط ضد الدولة التركية المحتلة ومرتزقتها، إنما هي مقاومة ونضال عظيم ضد كل الدول والقوى التي أعدت وشاركت في تلك الحملة. فكل من حلف الناتو وروسيا قدما الدعم بشكل مباشر للدولة التركية الفاشية المحتلة بسبب عجز تركيا عن تنفيذ مخططها الاحتلالية في عفرين، فمن من خلال تقديم الأسلحة ومن خلال غض النظر عن ممارسات الدولة التركية الوحشية بحق شعبنا، بذلك الدعم والمساعدة شنت الدولة التركية المحتلة تلك الحرب. فمن دون تلك المساعدات والدعم لما كان بمقدور الدولة التركية خطو أية خطوة والدخول في حرب كهذه، فهذه حقيقة.
لهذا السبب تعتبر الحرب التي خاضها شعبنا في عفرين حرباً تاريخية في تاريخ كردستان والمنطقة. حيث يمكننا القول، إن شعبنا في عفرين قدم شيئاً لا مثيل له في التاريخ، تصدى وأبدى مقاومة باسلة ضد أكبر قوة وأوسع حملة احتلال وإبادة في التاريخ، ومنعها من تحقيق والوصول إلى هدفها الأساسي (كسر إرادة الشعب وفكر وفلسفة القائد الحرة)، لهذا السبب فإن شباب وشابات مقاومة العصر خاضوا حرباً من أجل عموم كردستان والإنسانية جمعاء ومن أجل جميع القوى الديمقراطية. [1]