ارتدادات الحروب والصراعات على الإنسانية وشعوب المنطقة
مصطفى عبدو
عُرفَت ثقافة الشرق الأوسط دوماً بتلاحم شعوبها ونجاحهم في تقدم وتطور الحضارة الإنسانية حيث احتضنت المنطقة أولى الحضارات في التاريخ ووضعت اللبنة الأولى لتطور البشرية بالترابط العضوي بين الشعوب المختلفة .
إلا أن النزعة المركزية (القومية) المتصاعدة سلبت حقوق المجتمعات المتآلفة وهيمنت عليها وبالتالي فرضت ثقافة جديدة عليها، وعلى رأس الدول التي يمكن الإشارة إليها بهذا الخصوص في منطقة الشرق الأوسط هي الدولة التركية كونها دولة مضادة للمجتمعية وهي أكثر الدول القومية هيمنة وتأثيراً على عدم استقرار المنطقة وعرقلة الحلول، وفي محو ثقافات الشعوب الأخرى بل وإبادة هذه الشعوب بهدف (عثمنة المنطقة).. وهذا ما يؤكده أردوغان عندما خاطب كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري: أنت علوي.. وأيضاً عندما يقول إننا سنصل إلى كل مكان وصل اليه أجدادنا على ظهور الخيل. فماذا نتوقع من رئيس يطلق مثل هذه التصريحات و كيف سيتصرف مع شعوب تركيا ومكوناتها ومع شعوب المنطقة عامة ؟
يتضح للقاصي والداني أن تركيا كنموذج ل (أحدى الدول القوموية) في ظل حكوماتها المتعاقبة لم تراع يوماً الضوابط السيادية للدول المجاورة لها، وهي السبب الرئيس في عدم استقرار هذه الدول بتهديدها الدائم لوحدتها وللأمن والاستقرار فيها بحجة أنها تستبق الأحداث لمنع وصول التهديدات إلى الداخل التركي.
بالمحصلة، إن الأوضاع الحالية السياسية والعسكرية للمنطقة باتت أكثر تعقيداً وخيوطها أصبحت أكثر تشابكاً وتقاطعاً، وخاصة بعد احتدام المعارك بين روسيا وأوكرانيا من جهة وإسرائيل وحماس من جهة أخرى وزيادة وتيرة الانتهاكات التركية على شمال وشرق سوريا و جنوب كردستان.
في خضم هذه الأوضاع تزداد فظاعة المأساة التي يعانيها ملايين السوريين سواء كانوا نازحين أو مهاجرين وسواء كانوا داخل أوطانهم أوخارجها، مما ينذر بأن ما تحمله الأيام القادمة قد تكون أكثر كارثية للجميع ولن يكون أي طرف بمنأى عنها، ومن شأن النيران التي تشتعل اليوم في سوريا والمنطقة الانتشار في كل مكان.
لقد بات واضحاً خلال هذه الإنعطافة السريعة بأن جميع الشعوب والمكونات هي المتضرر الأول من هذه الحروب فينبغي لها إلغاء الحجْر على عقولها والتساند والتعاضد في رسم معالم الحياة التي ينبغي أن يتحلى فيها الجميع بخصوصيته.
فما أحوج شعوب المنطقة اليوم بعد أن سيطرت الحياة المادية على القيم المجتمعية ويلهث الجميع فيه وراء مصالحه ولو على حساب قيم وثوابت المجتمع، العودة إلى الزمن الجميل إلى الروح الأخلاقية والثوابت الاجتماعية والتخطيط بشكل جدي وفاعل بعيداً عن التحيز بمفهومه الضيق والتفاعل مع الآخر وشحذ روح اليقظة عن طريق العودة إلى الترابط العضوي بين الشعوب كما كان في السابق.[1]