المؤامرة دُوَلية
وليد حبش
المؤامرة والتآمر عمل منظم ومخطط يقوم به شخص أو جهة ما ضد فرد أو جماعة أو حتى دولة، بقصد إنهائه والقضاء عليه أو الحد من نفوذه وبالتالي شله، وذلك لأن الطرق الظاهرية الأخرى لم تجدِ نفعاً، وعادة تجري في الخفاء وفي الغرف المظلمة، والمؤامرة تتطلب الذكاء والمكر والخديعة بنفس الوقت، ويشترك فيها أكثر من طرف مجتمعين على هدف واحد.
فالمؤامرات قديمة قِدم الإنسان منذ مؤامرة (أنكيدو مع كلكامش) ضد(همبابا) حامي غابات كردستان، ومؤامرة (هرباكوس) مع (كورش) أمير البرس ضد (أستياغ) ملك ميديا، إلى مؤامرة أولاد النبي يعقوب ضد أخوهم يوسف، ويهودا الاسخريوطي مع الرومان في اعتقال النبي عيسى وصلبه؛ ومؤامرة “بروتوس” ضد يوليوس قيصر الروماني، والمؤامرات الكثيرة أيام الخلافة الإسلامية والعثمانية لأجل الوصول للسلطة والحكم، إلى اعتقال وإعدام معظم قادة الفكر الإصلاحي النهضوي والفلسفي وانتفاضات وثورات الشعوب.
هناك العديد من الدسائس والمؤامرات جرت وكانت سبباً في تغيير مجرى التاريخ، أو صعود وسقوط أمم وممالك أو التخلص من زعماء وقادة أو ملوك وأمراء، ولندع مقولة ” نظرية المؤامرة” جانباً ولنفكر سوية.
استهداف شخصية مثل القائد عبد الله أوجلان؟
ظهرت عند الشعوب والأمم شخصيات مميزة مفكرين وفلاسفة أنبياء وثوار، نادوا بالخلاص من نير الظلمات اُضطُهِدوا وحورِبوا جميعاً من قبل القوى السلطوية والمدنية المركزية، تم ملاحقتهم وعذبوا وحتى قُتل البعض منهم بأساليب شنيعة أمثال: ابراهيم الخليل، زردشت، ماني، الحلاج، محي الدين ابن عربي، عيسى، والأئمة الأربعة، والفلاسفة أمثال سقراط، والكثير من النساء اتهموا بالشعوذة، والعلماء أمثال هيباتيا، غاليليو، والثوار، ك جان دارك، غيفارا، غاندي, ومارتن لوثر كينغ, فقد كانوا ينيرون ويستنهضون شعوبهم ومجتمعاتهم ضد المستعمرين والغزاة والظلم والتسلط القابع على صدورهم. كانوا قيادات كونية (أثروا على شعوب عديدة) يقفون في وجه الطغاة والدكتاتوريين. ظهر القائد آبو (عبد الله أوجلان) أيضاً من وسط الشعب الكردي، الذي كان معرضاً للإبادة والصهر، بكاريزما شخصية أثرت على الكرد وكافة شعوب المنطقة، ظهر ضد القومية الكردية الكلاسيكية وأصحاب الاشتراكية المشيدة والأنظمة القوموية الشوفينية وضد الحداثة الرأسمالية التي أصبحت كالسرطان وباءً على المجتمعات والشعوب، وكانت الحكومات المستعمِرة لكردستان وخاصة التركية تقف ضد الانتفاضات والثورات الكردية وتجابهها بالحديد والنار، تعتقل وتعدم قادتها بفترة قصيرة وتقوم بالمجازر بحق الشعب وهكذا تنتهي الانتفاضات والثورات.
بدء المؤامرة الكونية
لا يمكن النظر بسطحية إلى المؤامرة بأنها اعتقال شخص (زعيم، قائد حزب أو ثورة) بل المؤامرة ضد #الشعب الكردي# والشعوب التواقة إلى الحرية والديمقراطية، المؤامرة دولية بل أصبحت كونية أي اشتركت فيها العديد من القوى المهيمنة والامبريالية العالمية حيث لم تستطع تنفيذها فرادى بل اجتمعت كلها وتعاونت على ذلك بتخطيط رهيب على يد أكبر القوى الاستخباراتية العالمية.
صحيح اشتركت فيها عدة دول عظمى لكن ولو واحدة من الدول المعترف بها بالأمم المتحدة والتي يناهز عددها ال (200) قد منحت القائد حق “اللجوء السياسي” ربما تغيرت المعادلة، فالصراع على الشرق الأوسط قديم لأنه مكان جيوسياسي واستراتيجي ومركز الحضارات القديمة.
كانت المؤامرة في خدمة عدة قوى لها خيوط متشعبة، قامت بها قوى الحداثة الرأسمالية وأدواتها من القوى القوموية والاستخباراتية (الأميركية، الإسرائيلية، الروسية، التركية) وعلى رأسها منظمة كلاديو (استخبارات الحلف الأطلسي) وشخصيات وقوى منفعية على مستوى عال وحتى القوى الكردية الذين يرون أن فكر القائد خطر عليهم جميعاً، وفكروا أنه قد أزيل من أمامهم من يعيق مشاريعهم. المشاركون في المؤامرة الذين كانوا يعانون من أزمات مالية فتم لهم منح القروض والتسهيلات والتوافقات الواسعة.
فالمستهدفون من المؤامرة هم أولاً الشعب الكردي في شخص القائد وشعوب المنطقة التواقة إلى الحرية والعيش الكريم، الحركات (الثورية، اليسارية، الوطنية، الاشتراكية العالمية، الفامينية والايكولوجية).
إفشال المؤامرة
لأن القوى المتآمرة (العظمى، المهيمنة) على العالم يريدون كسب المزيد من المنافع وامتصاص خيرات الشعوب، والخلاص من أزماتهم البنيوية في إشعال الصراعات القوموية والمذهبية الدينية، الهدف هو إسكات صوت الكادحين والشعوب التواقة إلى العيش بسلام وكرامة وطمس التاريخ والحقيقة.
ضرب الشعوب ببعضها (وخاصة الشعب الكردي مع التركي والعربي) وإشعال الحروب لمئات السنين لأجل إضعاف الجميع، وظهر ذلك في العراق والوضع السوري وروج آفا، وظهور داعش والجيش الحر).
لقد تم إفشال المؤامرة بأسلوب ذكي من قائد فذ بإطلاق مبادرات سلام، من وقف إطلاق النار (من جانب واحد وانسحاب القوات العسكرية (الكريلا) إلى الجنوب، ورسالة السلام إلى نوروز آمد/2013/ وحوارات السلام في أوربا /2015/. لكن القوى المهيمنة الشوفينية والدولة العميقة كانت تفشلها جميعاً لأنها هي المسيطرة على الأمور.
الإصرار على المؤامرة والتواطؤ العالمي معها
لم يكن متوقعاً أن يظهر قائد مفكر وعصري يبحث في خلاص المجتمعات واستنهاضها من تحت نير الظلم والعبودية التي طبقتها الأنظمة الدكتاتورية والشمولية الحاكمة في المنطقة والتي هي من أدوات الرأسمالية العالمية، التي مزقت شعوب المنطقة بحدود مصطنعة، ودفعتها للتنافر والاستعداء لبعضها.
في “إيمرالي” الجزيرة المنعزلة (والتي وصفها القائد بالتابوت) طور القائد فكره لأجل الخلاص والحرية لكافة الشعوب فقد حلل التاريخ والفلسفة والأديان والمجتمعات ووجد أن السلطة والحداثة الرأسمالية (وأيديولوجيتها الليبرالية) هي التي تُفتت المجتمعات والشعوب وتخلق الحروب والمجازر ضدها وتسبب بأزمات اقتصادية وتخريب الطبيعة والمناخ وتضطهد المرأة بشكل كبير، وإن الدولة القوموية، الرأسمالية المالية والصناعوية المعتمدة على الأطماع والربح الفاحش هي المسبب الرئيسي لهذه الأزمات.
ورأى أن الحل الأنجح هو براديغما (الأمة الديمقراطية) وأخوة الشعوب وأن زمن الحروب واقتتال الشعوب مع بعضها قد ولَّى وكذلك السياسة الخبيثة التي كانت تمارسها القوى المهيمنة ضدها ب (اهرب يا أرنب الحق به يا سلوقي) كما يصفها القائد قد انكشفت.
وهي النظرية التي تطرح الحلول لجميع مشاكل العالم المتأزمة والمستفحَلَة من أزمة السلطة والحكم، الاقتصاد المنهار، البطالة والمجاعة، تلويث البيئة، اضطهاد المرأة.
الشرق الأوسط مهد الحضارات فيجب العودة إلى التعايش السلمي والتسامح وقبول الآخر المختلف (والتعدد يعني إغناء وتعاون وليس تضاد وصراع) ويجب احترام ثقافات الشعوب وحل الأمور بالحوار السلمي بدل التضاد والصراع، وأن نهاية العالم (التاريخ) ليست الرأسمالية المتوحشة التي دمَّرت المجتمعات بل هي الحضارة (العصرانية) الديمقراطية والأمم الديمقراطية الشرق أوسطية والعالمية.
حان وقت الحرية
إن الشعب الكردي وجميع الشعوب التواقة إلى الحرية والسلام والديمقراطية ستتكاتف في الحملة العالمية لحرية القائد (فكما كانت المؤامرة عالمية ودولية، كذلك ستكون الحملة عالمية ودولية)، وتنضم إليها من كافة أنحاء العالم، فلو كان القائد شخصاً أو زعيماً عادياً لما تطلّب هذا التخطيط والاستنفار والتآمر على المستوى العالمي، فهذا يدل أنه شخصية ذو “كاريزما” فريدة يستطيع أن يؤثر بفكره على كل من يطّلع عليه، لذا لن تتخلى الشعوب عن رمزه وقائده حتى يتحرر جسدياً، وهو مرتبط به والسير على هدى فكره وتوجيهاته، ويرى أن حريته مرتبط بحرية قائده وسيظل يناضل بكل قواه حتى تحريره من الأسر مهما كانت التضحيات، وسيرفع شعاره دائماً حان وقت الحرية – لا حياة بدون القائد. [1]