ال 27 من تشرين الثاني يوم كتابة التاريخ الحقيقي للشعب الكردي
محمد إيبش
في الوقت الذي كان يتعرض فيه شعبنا لسياسات الإبادة من جانب الدول التي تحتل كردستان والتي تُنفذ وصايا صانعيها باعتبار القوى التي رسمت خارطة المنطقة كان من أولويات سياساتها إنكار وجود الشعب الكردي كأقدم شعب مازال متمسكاً بأرضه ووجوده بالرغم من كل الممارسات التي تنافي جميع القوانين والتشريعات الدولية، لكن ورغم كل ما تم اتخاذه في عصبة الأمم وعدم السماح لقيام أية دولة أو كيان كردي يدير شؤونه دون أية وصاية أو تحكم ضاربين بعرض الحائط بَند حق تقرير المصير، شهدت الساحة الكردستانية ثورات مسلحة تقليدية لم يكن لها برنامج سياسي أو هدف استراتيجي، بل كانت عبارة عن “سرهلدانات” (انتفاضات) رافضة للواقع الذي كان قائماً آنذاك، وتم إفشالها والسيطرة عليها بسبب افتقار تلك الثورات والانتفاضات إلى اسلوب حرب الكريلا الذي يعتمد على نظام المجموعات الصغيرة تجنباً للخسائر البشرية، لكن حزب العمال الكردستاني PKK استطاع إثبات الهوية الوطنية الكردية في الأجزاء الأربعة، ولم يقف عند هذه النقطة فقط، بل طوَّر نفسه ليشكل إطاراً تنظيمياً شاملاً يضم كافة شرائح المجتمع باسم منظومة المجتمع الكردستاني kck حيث أعطيت الريادة للمرأة والشبيبة ليكون هناك توازن بين الدفاع والإدارة انطلاقاً من مبدأ أن أي حزب مهما بلغ من القوة تنظيمياً أو جماهيرياً لا يمكن له أن يمثل إرادة المجتمع بالكامل، وعندما نقول PKK يعني إننا نقول فكر وفلسفة واستراتيجية وبرنامج يطور نفسه بشكل دائم، ووجود ال PKK يعني ضمانة الهوية الكردستانية على الرغم من طرح مشروع “الأمة الديمقراطية” والتي طرحها القائد أوجالان كونها إطار يتجاوز حدود الكُرد وكردستان، لذلك نجدها نظاماً بديلاً عن نظام الدولة القومية الذي لا يزال عاجزاً عن تحقيق الاستقرار والأمان بل تحوّل إلى أزمة وساهم في تعميقها، ومن هنا لا بد من الإشارة إلى الدور التاريخي للقائد عبد الله أوجلان في تطوير حزب العمال الكردستاني وأدائه المميز في بناء النواة الأولى لوحدة الشعب الكردي وقُواهُ السياسية عبر تشكيل المؤتمر الوطني الكردستاني، ومن هنا يمكن القول: إن التاريخ بدأ من ال 27 من تشرين الثاني، فالتاريخ ليس أرقاماً عن وقائع وأحداث حصلت عبر تاريخ البشرية، بل تحليل للمراحل التي مرّت بها المجتمعات البشرية، وما هي انجازات كل مرحلة من مراحلها، ولو راجعنا التاريخ بشكل علمي وتحليلي لوجدنا أن الشعب الكردي استطاع إثبات وجوده في مرحلة الامبراطورية الميدية، وفي المرحلة الراهنة أثبت وجوده بفضل نضال ال PKK وبفضل فكر وفلسفة المفكر والمناضل عبد الله أوجلان، وليس إثبات الوجود وحده بل قدَّم نموذجاً متطوراً موضحاً فيه التباين بين شكل وممارسة النظامين نظام الحداثة الرأسمالية ونظام الحداثة الديمقراطية في نموذج الدولة القومية ونموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية المُتمثلة بالتجربة الحية الماثلة أمامنا “تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا”.
وعندما نقول إن يوم 27 تشرين الثاني هو يوم بداية كتابة تاريخ #الشعب الكردي# ، فلأن منذ ذلك التاريخ كان بناء الانسان الكردي الذي استطاع قلب معادلة سياسات العدو الذي كان مُصِرَّاً على إبادة الشعب الكردي ضمن سياق القرارات الدولية التي لاتزال صامتة حيال ممارسات أنظمة الدول التي أُلحِقَتْ بها جغرافية كردستان، لذلك لا نجد أي وصف لميلاد حزب العمال الكردستاني سوى بأنه يوم الانبعاث وبداية كتابة التاريخ من جديد. [1]