حرية أوجلان ومشروعه النهضوي
محمد شيخو
تتعزز القناعة أكثر لتصل حد اليقين التام لدى العديد من متابعي تطورات القضية الكردية وأوضاع منطقة الشرق منذ العقد الثامن من القرن المنصرم؛ بأن أكبر حدث جلل هزَّ المنطقة وألقى بظلاله على تطورات الأوضاع اللاحقة إنما تمثل في المؤامرة الدولية على القائد عبد الله أوجلان، والتي حيكت خيوطها الدقيقة في دول عديدة وشاركت فيها أطراف إقليمية ودولية مختلفة، لا لشيء، فقط لأنهم وجدوا بأن القائد يحمل مشروعاً نهضوياً ديمقراطياً، ليس للكرد فقط، بل لجميع شعوب المنطقة، وينسف كل مخططاتهم التآمرية في السيطرة على مقدرات المنطقة وشعوبها.
لا شك أن أبعاد المؤامرة تتجاوز الحركة الكردية بمختلف أطيافها، وتصل إلى استهداف الشعب الكردي برمته، وجعله أسير السياسات التي تنتهجها دول الحداثة الرأسمالية، عبر محاولة إغلاق كل الطرق أمامه لنيل حريته وحقوقه المشروعة، فالقائد حينما توجه إلى الساحة الأوروبية حمل معه مشروعاً سياسياً لحل القضية الكردية، إلا أنه قوبل برفض من قبل دوائر القرار السياسي والأمني في مختلف عواصم الدول الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي ما انفكت مستمرة في معاداته، وفي كل المراحل. وكما قال القائد بعد أسره: بإن “بريطانيا خططت للمؤامرة بعمق، ونفذتها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا بغباء”، وهذا يوضح الأيدي الخفية التي تقف وراء المؤامرة، رغم أن منظمة استخبارات حلف الناتو “الغلاديو” ساهمت بشكل كبير في تنفيذ مخطط المؤامرة وملاحقة القائد في الساحة الأوروبية وصولاً إلى اختطافه في كينيا.
إن فصول المؤامرة لا تزال متواصلة بكل تفرعاتها وتشعباتها، وأولها استمرار أسر القائد دون وجه حق، وفرض حالة التجريد عليه، وحرمانه من جميع حقوقه المشروعة، من مقابلة محامييه وذويه، وكذلك اللقاء برفاقه الآخرين، وقطع أي تواصل له مع العالم الخارجي، ولا أحد يعلم بالحالة الصحية التي يمر بها منذ أكثر من عامين.
فالدولة التركية الفاشية بقيادة أردوغان، تسعى من وراء فرض العزلة على القائد، إلى إحداث شرخ بينه وبين شعبه، والابتعاد عن أي حلول سياسية للقضية الكردية، خاصة بعد أن توضَّحَ لكل الأوساط السياسية الدولية، أن القائد هو الشخص الوحيد القادر على حل القضية الكردية ووضع نهاية للصراع الدائر في كردستان منذ عقود.
وتهرب تركيا من الحلول يتمثل في منع حصول أي تواصل للقائد مع شعبه وقيادة حركة التحرر الوطنية الكردستانية في الخارج، ليتسنى لها ارتكاب المزيد من المجازر بحق الشعب الكردي وصولاً إلى حد الإبادة العرقية والثقافية والسياسية.
إن حرية القائد أوجلان في هذه المرحلة الحساسة والعصيبة التي تمر بها #القضية الكردية# ، وفي أجزاء كردستان الأربعة، إنما تشكل ضرورة وجودية للشعب الكردي الذي دخل نضاله وكفاحه مرحلة تحقيق النصر وتدويل قضيته عالمياً، فالمكتسبات التي حققها الكرد في روجآفا مع باقي مكونات شمال وشرق سوريا؛ إنما هي ثمرة من نضالات القائد أوجلان. فمشروع الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب الذي طرحه القائد، غَدَا اليوم واقعاً تعيشه شعوب شمال وشرق سوريا، وبالتالي النضال من أجل حرية القائد أصبح هدفاً تتمسك به شعوب المنطقة، بعد أن أدركت أنها السبيل الوحيد للحفاظ على كينونتها في ظل الصراعات المختلفة التي تعصف بالمنطقة والعالم.
فالحرية الجسدية للقائد أوجلان، تُعَدُّ رافعة نضالية أساسية لشعوب المنطقة، بِكُردِها وعَرَبِها وسريانها وتركمانها، وهي بالتأكيد تمر عبر التلاحم الكفاحي لها في وجه كل القوى التي ساهمت – ولاتزال – في أسر القائد، فلا يمكن البتة الفصم بين وحدة مصير شعوب المنطقة في ظل التهديدات الوجودية التي تتعرض لها من قبل مختلف قوى الهيمنة العالمية، فالمشروع الذي صاغه القائد يُعَدُّ مرجعية فكرية ونضالية كبيرة، ونهجاً جديداً وعصرياً لجميع حركات التحرر الوطني في المنطقة، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال تجاهله بعد أن لمست شعوب المنطقة صحته وقدرته على خوض صراع واسع وكبير ضد قوى الهيمنة.
إن الوسيلة الأنجع للوصول إلى حرية القائد؛ إنما تتحقق بالنضال الدؤوب والمستمر في الالتزام بفكره ومشروعه، ليغدو واقعاً يفرض نفسه على جميع القوى المتآمرة والمشتركة في أسره، وقد بدت ملامح تلك المرحلة تلوح في الأفق، من خلال المكتسبات التي حققتها حركة التحرر الوطنية الكردستانية، وكذلك الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والتي تشكل مرتكزاً يمكن الاستناد إليه في تحقيق قفزات نوعية تلقي بتأثيراتها على المنطقة والعالم أجمع. فتبني نهج حرية القائد أوجلان، إنما يعد معياراً نضالياً عصرياً يكشف عن ثورية الأطراف الملتزمة بها، مقابل الضعف والوهن الذي يعتري بعض الأطراف والقوى المناوئة له والتي تجد نفسها غير معنية بحريته، وما نشهده من حِراك جماهيري وشعبي في مختلف الساحات في المنطقة والعالم؛ إنما يبشر بدخول النضال من أجل حرية القائد مرحلة جديدة؛ عنوانها الرئيس “القائد سر ومفتاح الحل في المنطقة وكردستان”، وكل طرح ونضال سياسي لا يأخذ بأسباب حريته، يبقى حلاً مبتوراً ولا يرقى إلى مستوى الحلول الثورية والديمقراطية، والتي ما أحوج شعوب منطقة الشرق الأوسط إليها، في ظل حدة الاستقطابات والانقسامات التي تعيشها منطقتنا، وتكالب القوى المهيمنة عليها، والتي تعمل وفق نظرية “تجزيء المجزّأ، وتقسيم المقسَّم”، حيث أن القائد، ومنذ سنوات يناضل من أجل وحدة شعوب المنطقة وتحريرها من الهيمنة الخارجية.[1]