صمود مكونات الإدارة الذاتية هو نتيجة وعيها لما تُحاك ضدها من مخططات قذرة
ياسر خلف
إن استهداف مناطق الإدارة الذاتية وتدمير بنيتها التحتية لم يكن من قبيل المصادفة أو نتيجة ردة فعل عادية، فالحرب المعلنة على مناطق الإدارة الذاتية مستمرة منذ بداية إعلانها، وهي نتاج لسياسات وتوافقات على مستوى إقليمي ودولي يراد بها خلق جو من الفوضى وعدم الاستقرار وزعزعة الثقة وخلق فتنة بين مكونات المنطقة للنيل من مكتسباتها، فقد سعت الدول المحتلة دائماً إلى اللجوء لاتفاقاتها الأمنية المبرمة بينها عندما تستشعر بدنو الخطر من عروشها، وخاصة تركيا التي كانت غايتها الأولى والأخيرة من تدخلها في الأزمة السورية هي تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى والحيلولة دون وصول مكونات الشعب السوري إلى حقوقه المشروعة في سوريا مدنية ديمقراطية لا مركزية وخاصة تجاه الإدارة الذاتية التي أصبحت بمثابة نواة ديمقراطية ومشروع حل لكل السوريين، ففوبيا الديمقراطية وحق تقرير المصير ما زالا القاسم المشترك لهذه الدول الاستبدادية القوموية رغم اختلافها في المواقف من الأحداث الجارية في المنطقة لكنها كانت متفقة على محاربة إرادة الشعوب ورغبتها في الحرية، فما شهدتها مدينة دير الزور من أحداث كانت رغبة نظام البعث وملالي إيران في مغازلة الطورانية التركية وتوجيه رسالة تتوافق لتغيير الأخيرة مواقفها واستدارتها 180 درجة تجاه بقاء الأسد ونظامه في سدة الحكم لمرحلة مفتوحة الأمد، وتطمينها بأن اتفاقية أضنة لا تزال سارية المفعول، وما حدث لاحقاً من استهداف البنية التحتية من قبل الفاشية التركية يأتي في إطار هذه الاتفاقية القديمة الجديدة التي كانت من أبرز بنود اتفاق أستانا الأخير، والذي نصَّ حرفياً على ضرورة تدمير الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
وما يثير الاستهجان عمَّا يرتكب من إجرام وإرهاب منظم من قِبل الاحتلال التركي والمجموعات الإرهابية تحت ذريعة الأمن القومي وحقوق الإنسان والسيادة الوطنية وغيرها الكثير من المبررات التي يسوقها الدكتاتوريات لشرعنة إجرامهم وفاشيتهم، هو ما قام به الاحتلال التركي مؤخراً من جرائم قتل وإبادة جماعية بحق مكونات المنطقة في عدوانه واحتلاله لشمال وشرق سوريا وارتكابه فظائع يندى لها جبين البشرية ولم تعد بخافية على أحد، وهي تكاد تكون صفة متجذرة ومتلازمة لكينونة الدولة التركية وميراث متوارث منذ عهد السلطنة العثمانية التي ارتكبت الفظائع بحق شعوب المنطقة من أرمن وسريان وكرد وعرب، وما يحز في النفس هو الصمت الدولي المريب لما يحدث من إرهاب إجرامي ترتكبه آلة القتل والتدمير التركية بحق مناطق الإدارة الذاتية، والمفارقة التي تدعو للسخرية هو ادعاء القاتل اردوغان “نصرة غزة” وفي الوقت نفسه يمارس الإجرام بشكل يومي في مناطق شمال وشرق سوريا بهدف إخلائها من سكانها الأصليين وإحداث تغيير ديمغرافي فيها.
فكما هو معلوم، يعرف التهجير القسري بأنه “ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراض معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها”.
ويُعرِّف القانون الدولي التهجير القسري، بأنه إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. وفق قاموس القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
ويعرّف القانون الدولي الإنساني التهجير القسري بأنه “الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها” وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وإجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة؟!
فالصمت الأممي المتمثل بمنظمات الأمم المتحدة التي تتغاضى كثيراً عن ممارسات الحكومات الديكتاتورية إذا قاومت شعوبهم الموت المحتوم وطالبت بحقوقها ونيل حريتها والعيش بكرامتها عبر الانتفاضة والثورة على الظلم، حيث تُوغل هذه الدكتاتوريات من خلال ممارسة الإرهاب وعمليات التغيير الديمغرافي عبر استهداف مصادر الحياة فيها بذرائع واهية وبعيدة عن الحقيقة والواقع، وعدم نطقها وإيقافها لهذه الجرائم بحق الإنسانية ، وذلك لأسباب مختلفة؛ إما بضغط من أطراف فاعلة في الأمم المتحدة كي تغض الطرف عن ذلك الحاكم أو النظام كما في حالة الطاغية أردوغان ونظامه وما شابهه من دكتاتوريات، أو القيام بتعطيل قرارات الأمم المتحدة التي تحاول اتخاذها بحق ذلك النظام أو الحاكم كما فعلت وتفعل كثيراً كل من الضامنين روسيا وأمريكا كونهما ترتبطان معه بمصالح اقتصادية وصفقات تجارية واسعة أو كونه حارسهما الأمين على مصالحهما في منطقة ما.
إن ما يحصل وما يخطط له من حسابات في هذا السياق هدفه إحداث مزيد من الشرخ بين شعوب المنطقة عموماً والشعوب السورية بشكل خاص، وإطالة أمد إراقة الدم السوري إلى ما لا نهاية، وما يمكن استخلاصه هو أن الشعب السوري يتعرض لمخططات على قدر كبير من الخطورة لمنع عودة هذه المنطقة إلى رونقها ومركزها الحضاري، وما سيحصل مستقبلاً من مقاومة ضد هذه المؤامرات التي تحاك في الأقبية الاستخباراتية هي نتيجة حتمية ستخوضها شعوب المنطقة ورغبة مكوناتها في الحياة بحرية، وصمودها اللافت هو نتيجة وعي هذه المكونات لما تُحاك ضدها من مخططات قذرة وفهمها لواقع المتغيرات والمستجدات على الساحة الإقليمية والدولية ورغبتها في إكمال ما بَنَتْهُ بدماء أبنائها وتَبْنِيهَا لإرادتها الحرة التي تكللت في الإدارة الذاتية، فالصمود والمقاومة والتمسك بنهج الشهداء كان إثباتاً ورسالة للدكتاتوريات والمحتلين والعالم أجمع بأن المكونات باقية رغم الإرهاب والصمت الدولي المريب، وأن الانتصار لا يكون في الميادين العسكرية وحدها، إنما يكون أيضاً من خلال إظهار الرقي الحضاري ونشر الثقافة الديمقراطية التي تبنتها مكونات الإدارة الذاتية والتي تقوم على بناء الإنسان الواعي بقضايا مجتمعه وصون حياته وكرامته والمحافظة على ممتلكات الشعب ومؤسساته المدنية بكافة دوائرها وتفعيلها لتكون هيكلية بنيوية ونموذج حل لكامل سوريا. [1]