الحصار الاقتصادي على مناطق الإدارة الذاتية من المستفيد؟!
ياسر خلف
في ظل الأزمة المتفاقمة التي تعصف بسوريا، منذ عقد من الزمن، واستهداف بنيتها المجتمعية والمعيشية على حد سواء، كان لابد من مشروع انقاذ وطني يُمكنه إحداث ثورة مجتمعية حقيقية وتغييراً ديمقراطياً يمكن البناء عليه وسط هذه المعمعة الهدّامة من قوى إقليمية ودولية تسعى الى تحقيق مصالحها المادية والمنفعية وبسط نفوذها التوسعي دون الاكتراث بأدنى المعاير الأخلاقية والانسانية في أن يعيش الشعب السوري بحريته ويتمتع بكرامته.
وفي ظل هكذا صراع كارثي على سوريا كدولة محورية في الشرق الأوسط لتمرير المصالح الدولية المتضاربة وعدم النظر اليها كوطن وأمة متعددة الأطياف ومتنوعة الثقافات والأديان ما جعل من الأزمة والصراع أكثر عمقاً وتنافرا وتضارباً حيث يمكننا القول إن أطراف الصراع في سوريا أصبحت عديمة الانتماء الى المجتمع السوري وتحولت الى ادوات لتفكيك النسيج المجتمعي الذي بات امام انهيار تام للمنظومة القيمية والاخلاقية وأصبح عبارة عن مجاميع راديكالية متشددة تفتك بأي شيء من شأنه أن يعيد تلاحمه وتماسكه الأصيل.
فالغزوات الإرهابية التي استهدفت روج آفا وشمال شرق سوريا بدءاً من غزوة “#سري كانية# ” الأولى مروراً بملحمة #كوباني# وانتهاء باحتلال عفرين وكري سبي وسري كانيه والتي لم تكن سوى مخططات ومؤامرات دولية واقليمية لضرب المشروع الوحيد الذي حافظ على التماسك المجتمعي والتنوع الثقافي السائد ومنع الانحدار الى المستنقع الطائفي والعنصري الهجين والدخيل على البنية القيمية والاخلاقية للمجتمع السوري.
فالهجمات التركية المستمرة هدفها تدمير البنية التحتية والخدمية لمناطق الإدارة الذاتية، وخطط الارهاب والتخريب لدى تحالف العدالة والتنمية والحركة القومية في أنقرة قائمة على الإرث العثماني البغيض في تدمير المنطقة وتخريب مصادر الحياة فيها ودفع شعبها للهجرة لإحداث التغيير الديمغرافي وتطبيق ما تسميه “الميثاق الملي” الممتد من حلب الى الموصل.
فالاستهداف اللاأخلاقي لمناطق شمال وشرق سوريا وتدمير بنيتها المعيشية غايته إفشال مشروع الإدارة الذاتية وإظهار عجزه عن بناء ما تهدم، وبالتالي محاولة خلق حالة من التذمر والرفض وسط المواطنين، فجرائم الحرب ضد الإنسانية والتي لا تنكر الدولة التركية مسؤوليتها عنها ولا تنفي الإعلان صراحة عن أهدافها في تخريب وتدمير المنطقة والقضاء على سبل ومصادر العيش فيها. والمفارقة التي تثير الاشمئزاز والسخرية هو اتهام زعيم الإرهاب اردوغان لإسرائيل بتهجير الفلسطينيين ودفعهم للهجرة عبر قطع المياه والكهرباء عن غزة؟! بينما تمارسه دولة الاحتلال التركي بشكل مستمر في شمال وشرق سوريا. وعليه لا يمكن تصديق حجج وأعذار الدولة التركية والسيناريوهات والادعاءات المختلقة التي تقدمها، حول “التهديد” الذي تشكله الإدارة وقوات سوريا الديمقراطية عليها، فالجميع بات على علم بكذب ونفاق السياسة التركية وماكينتها الإعلامية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية تعلم حقيقة السياسة التركية التي تهدف إلى تدمير الإدارة الذاتية وتمكين الفوضى والإرهاب فيها، فضلاً عن تحققه من أكاذيب السيناريوهات الرسمية التركية المفتعلة حول هوية منفذي بعض الهجمات المشبوهة في اسطنبول وأنقرة.
ولم يحدث وأن تسلّم التحالف من تركيا أي أدلة تثبت علاقة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية بما حصل في تركيا من هجمات. ولعل المتابع للمواقف الصادرة من التحالف والولايات المتحدة، سيعلم بأن هناك شكوكاً مستمرة في الروايات والاتهامات التركية حيال الإدارة وقوات سوريا الديمقراطية وخاصة خلال الهجمتين الأخيرتين للاحتلال التركي على البنية التحتية لمناطق الإدارة الذاتية في العام المنصرم والحالي، وعلى ما يبدو أن هاكان فيدان يسير على نفس منهج الكذب الذي يسير عليه زعيم الإرهاب اردوغان، ففي العام الماضي أيضا قدموا سيناريو مشابه لتبرير هجماتهم على مناطق الإدارة الذاتية، وكانت الحكومة التركية قد قدمت فتاة باسم “أحلام البشير“، قالت إنها هي من نفّذت الهجوم الذي وقع في ميدان تقسيم في اسطنبول في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وأسفر عن مقتل وجرح العشرات، وزعمت بأنها عضوة في وحدات حماية الشعب، وجاءت من مناطق شمال شرق سوريا. وقد كشف الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية في مقابلة له مع موقع “المونيتور” في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 عن حقيقة “فتاة الانفجار”، ونشر معلومات موثقة عنها وعن عائلتها المنتمية إلى تنظيم “داعش”، ومن بينها حيثيات مقتل ثلاثة من أشقائها في صفوف مقاتلي التنظيم (قتلوا في الرقة ومنبج والعراق)، ووجود شقيق آخر لها يقود إحدى فصائل ميليشيا “الجيش الوطني” المدعومة من تركيا، وكيف ان “أحلام البشير “هذه، كانت نفسها متزوجة من ثلاثة رجال كانوا عناصر في تنظيم “داعش”، وعقب نشر تلك المعلومات، بدأت السلطات التركية في التكتم على مجريات التحقيقات، وتلاشى الضجيج، وكفت وسائل الإعلام عن الإشارة إلى القصة.
وهنا ينبغي التنويه أن هجمات الاحتلال التركي لم تكن متوقفة لتبدأ بهذه الوحشية والذهنية الإرهابية المخالفة للقوانين والأعراف الدولية، وهي استمرار لجرائمها المستمرة والمتكررة طيلة السنوات الماضية، ويبدو واضحاً للعيان أن هذه الجرائم ضد الإنسانية ليست ردّة فعل كما تدعي تركيا، ولكنها كانت بتنسيق وتعاون استخباراتي لما يسمى ببنود مؤتمر استانا الأخير والتي جرى فيها التوافق على محاربة قوات سوريا الديمقراطية وتدمير الإدارة الذاتية وتهجير سكانها، وهذا التوافق بدا واضحاً في أحداث ديرالزور الأخيرة، كما أن هذه الهجمات جاءت متزامنة مع تفجير حمص الدامي وهجوم النظام وروسيا على إدلب ومحيطها.
وعلى الجانب الآخر، فالولايات المتحدة الأمريكية أخذت موقف مبهم وغير واضح من هجمات المحتل التركي على مناطق الإدارة الذاتية، وهذا ما يبدو مرتبطاً بما يجري حالياً في إسرائيل وغزة ورغبتها في كسب تركيا الى جانبها كمحور رئيسي للضغط على حماس بشأن الأسرى الإسرائيليين لدى حماس وخاصة ان الجميع بات يعلم ان اردوغان يُعَدُّ المرشد الحقيقي للجماعات الإرهابية والاخوانية في العالم اجمع، وعلى ما يبدو ان هذه المهمة اُوكلت لأردوغان بالتنسيق مع مصر وتمويل قطري وتوجه أمريكي وهو ما جعل من الموقف الأمريكي غير حاسم ومتلكئ في إيقاف العدوان التركي على شمال وشرق سوريا.
[1]