الكُرد وبلاد الجبل في كتاب تقويم البلدان لأبي الفداء (672-732ه/ 1273-1331م)
د. إبراهيم إبراهيم
ملخص للبحث المنشور في (المجلة الدولية للدراسات الكردية)، العدد 7/1 كانون الثاني 2021، والذي يتناول إقليم الجبال أو بلاد الجبل وفق تسمية أبو الفداء من حيث الموقع والوصف ومعالمه الحضارية، والذي كان يُعدّ إقليماً هاما خلال عصوره المختلفة، ومعقلاً أساسياً وأصيلاً للكُرد.
– مقدمة:
لم يكن الكُرد اقل أهمية من غيرهم من الشعوب التي ساهمت في التاريخ الإسلامي وحضارته، بل كانوا فاعلين وبدرجة كبيرة في الحياة العامة، ولهم اسهامات واضحة في التاريخ الإسلامي خلال مراحله المختلفة، ومن النواحي المتعددة الثقافية، العلمية، الفكرية، الدينية، أو من الناحية السياسية سواء أكانوا في المعارضة أو في السلطة، كما أنهم اسسوا حكومات ودويلات عديدة في مناطقهم خلال العصر العباسي الثاني (232-590ه/ 847-1195م). وبعدها أيضاً، وتزعموا مقاليد الدولة الإسلامية خلال العصر الأيوبي (1174-1250م) كما كانت لهم اسهامات واضحة ايضاً خلال العصر المملوكي (648-922ه / 1250-1517م)، وفي المجالات المختلفة السياسية، العسكرية، الثقافية، العلمية وغيرها أيضاً، وبرزت شخصيات ذات قيمة ثقافية عالية ومنهم المؤرخ والجغرافي الذائع الصيت أبو الفداء، والذي تناول بعضاً من حياة الكرد وتاريخهم في مؤلفاته التاريخية والجغرافية أيضاً ومن تلك الكتب كتاب تقويم البلدان. وإذا كان الكرد يتوزعون بين الأقاليم العديدة، فقد كان بلاد الجبل من تلك الأقاليم الهامة التي عاش فيها الكرد وأسهموا في حضارتها ومن نواح عديدة.
1. أبو الفداء صاحب كتاب تقويم البلدان:
ولد أبو الفداء في دمشق سنة 762ه/1273م، وهو إسماعيل بن علي بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن عماد الدين الأيوبي، وإلى جانب شهرته بلقب أبو الفداء، ولا سيما في وسط الباحثين الأوربيين، عُرف بلقب الملك الصالح، والملك المؤيد، أما سبب تلك الألقاب الكثيرة فهي بلا شك نتيجة مكانته الاجتماعية والسياسية، والمعرفية، فهو من سلالة الأيوبيين العريقة حيث كان والده أمير دمشق ويعرف بالملك المنصور، وكان لهذا دوره في تعيين ابو الفداء لاحقاً أميراً على حماه، وله دور في تثقف أبو الفداء بثقافة عالية في الآداب والعلوم المختلفة إلى جانب قدراته العسكرية.
لم يكتف أبو الفداء بالاهتمام بنفسه فقط وإنما اهتم بمحيطه أيضاً وقام بتشجيع الكتاب والأدباء مادياً ومعنوياً وكان يقربهم إليه وإلى مجالسه، وكان هذا أيضاً عاملاً مساهماً في زيادة المعارف والمعلومات المختلفة والتي بدورها أثرت في كتابات أبو الفداء.
2. عصر المؤلف
عاش أبو الفداء في الفترة الممتدة بين (672-732ه/ 1273-1331م)، خلال العصر المملوكي، والذي امتد بين (648-922ه / 1250-1517م)، حيث تقلّد المماليك مقاليد الأمور خلفاً للدولة الأيوبية، وأصبحوا الحكام الفعليين لرقعة جغرافية واسعة من العالم الإسلامي شملت كلاً من مصر وبلاد الشام والحجاز، والجزيرة، كما امتد نفوذهم وتأثيرهم على مناطق أخرى من العالم الإسلامي. وشهد ذلك العصر صراع النفوذ بين المغول والصليبيين والمسلمين.
3. كتاب تقويم البلدان:
يعتبر كتاب تقويم البلدان من أكثر كتب أبو الفداء شهرة لنوعيته ومنهجه والمعلومات الواردة فيه، وهو يحوي الكثير من المعلومات والأحداث التاريخية إضافة إلى المعلومات الجغرافية، كما يأتي على ذكر الكرد ويبين حضورهم وأماكن تواجدهم، ودورهم الحضاري. وقد كانت ثمة دوافع أدت إلى قيام أبي الفداء بتأليف هذا الكتاب، وهو يذكر ذلك في مقدمة مؤلفه، ويوضح أن الغاية هي تدارك النقص في الكتب الجغرافية التي سبقته من حيث المعلومات، وضبط الأسماء، وعدم ذكر بعض الأمكنة الهامة، ويتضح أنه اعتمد على مؤلفات هؤلاء أيضاً في بعض الحالات، كما أنه يذكر صراحة أنه استوحى عنوان كتابه من كتاب (تقويم الأبدان) في الطب لابن جزلة (المتوفى سنة 493ه/1100م).
ويتضح أن أبا الفداء اعتمد في كتابه أيضاً على المشاهدة وتوثيق الحدث كشاهد عيان عليه، فيصف المدن كما شاهدها بعينه من خلال تجواله فيها، ويبين أوضاعها العامة الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية، ومعالمها، كما أنه اعتمد أيضاً على أحاديث سمعها من التجار وبعض الناس شفاهاً. وبشكل عام ، يمكن تقسيم الكتاب إلى قسمين:
القسم الأول: يتضمن معلومات عامة في الجغرافية الفلكية كمقدمة وصفية عن تقسيم الأرض وخط الاستواء والأقاليم السبعة، والمعمورة من الأرض ومساحاتها، ذاكراً بحارها وبحيراتها وأنهارها وتضاريسها الأخرى، كما يتناول وحدات القياس التي كانت متداولة حينذاك.
القسم الثاني: جاء على شكل ثمانية وعشرين جدولاً، يذكر المناطق الجغرافية ويصنفها ضمن ثمان وعشرين إقليما جغرافياً، ويبين موقع كل إقليم وحدوده، وبذلك يكون أول جغرافي اتبع نظام الجداول في علم الجغرافيا، وقد بقي هذا الكتاب محط اهتمام الكثير من المستشرقين واعتبروه الأفضل في ذلك الوقت مقارنة مع غيره من المؤلفات الجغرافية ومن أمثال هؤلاء الذين امتدحوا هذا الكتاب المستشرق الفرنسي رينو Reinaud.
4. بلاد الجبل والكرد في كتاب تقويم البلدان
4. 1. موقع وحدود بلاد الجبل
بلاد الجبل ويسميه أبو الفداء بعراق العجم أيضاً، هو الإقليم التاسع عشر الذي تناوله كتاب تقويم البلدان، ويرسم أبو الفداء حدود هذا الإقليم، فيحده من الغرب أذربيجان، ومن الجنوب جزء من بلاد العراق وخوزستان، أما حدوده الشرقية فمفازة خراسان وفارس، ومن الشمال فيحده بلاد الديلم وقزوين والري. ويتطابق هذا مع ما جاء في كتاب صورة الأرض لابن حوقل عندما رسم حدود إقليم الجبال. وهي المتمثلة الآن بالأراضي التي تشمل على المنطقة الواقعة شمال غربي إيران حتى بحيرة أورميا، وممتداً من سهول العراق غرباً حتى الصحراء الإيرانية الكبرى شرقاً، ومشتملة على منطقة الجبال شرقي أذربيجان. ويظهر أن أبا الفداء اضاف مناطق أخرى إلى إقليم الجبال بخلاف الجغرافيين الذين سبقوه، كمدينة إربل والذي اعتبرها قاعدة ل (شهرزور).
4. 2. تاريخ الكرد في بلاد الجبل منذ القرن 4-8 ه/10-14م:
تناول البحث هذه الفترة التاريخية لأن أبا الفداء في وصفه لهذه المناطق يعتمد في الكثير من الأحيان على مصدر معلوماته من الكتب التي سبقته والتي تعود بغالبها إلى تلك الفترة المعروفة بالعصر البويهي من (334-447ه/946-1055م)، حيث شكّل الكرد خلاله إمارات ودويلات، والتي استمرت لاحقاً في عصر النفوذ السلجوقي (447-590ه/1055-1195م)، ثم حتى نهاية الخلافة العباسية، لتغدو في حالات دولاً وحكومات، وقد ساهم الكرد بجزء هام من تاريخ إقليم الجبال خلال تلك الفترات، وتزعموا مقاليد الأمور السياسية، وشكلوا حكوماتهم، ودخلوا في صراعات سياسية وعسكرية مع محيطهم، ومن أهم تلك الحكومات والتي تخص البحث؛ سلطة عيشانيه (300-350ه/ 912-961م)، الإمارة الحسنويه (348-406ه/ 959-1015م)، الإمارة العنازية (381-511ه/991-1117م)، الإمارة الهذبانية (437-534ه/1046-1139م)، إمارة اللور الكبرى (543-827ه/1148-1424م) وإمارة اللور الصغرى (543-827ه/1148-1424م).
4. 3. بلاد الجبل في كتاب تقويم البلدان:
تناول كتاب تقويم البلدان الجوانب العديدة من بلاد الجبل، سواء من الناحية العمرانية من خلال توصيف (المدن، القرى، البلدات، القلاع، الأسواق، وغيرها) أو من الناحية الاقتصادية من خلال التطرق إلى الواقع الاقتصادي لسكان تلك المناطق وأعمالهم المتعددة في التجارة والصناعة والزراعة، كما لم يغفل أبو الفداء الناحية الاجتماعية ولو بشكل أقل من خلال ذكر الطوائف والقوميات والقبائل التي تعيش في هذا الإقليم وصفاتهم وبعض عاداتهم أو تقاليدهم، واستقرار الكرد في العديد من المدن والأمكنة، حيث انتشر في بلاد الجبل المدن والبلدات والقرى الكثيرة، منها الكبيرة ومنها الصغيرة، كما كانت لا تخلو من القبائل المتنقلة من مكان لآخر بحثاً عن المراعي. ويذكر أبو الفداء مراكز حضارية عديدة في الإقليم وأسماء العديد من المدن ويبين أهمية تلك المدن ويصنفها وفق أحجامها وكبرها وأهم المدن الكبيرة في بلاد الجبل وفق ذكره هي (همذان، دينور، أصبهان، قم)، إضافة إلى مدن أخرى أقل حجماً (قاشان، نهاوند، إربل، روذراور)، ومدن أخرى عديدة مختلفة الأحجام والأهمية (قصر شيرين، قصر اللصوص، كرمنشاه، السيروان، شهرزور، سهرورد، أبهر، الصَّيمرة، اللور…..) وغيرها.
كما صنف أبو الفداء بعض المدن خارج بلاد الجبل وكان جغرافيون آخرون قد صنفوها ضمن هذا الاقليم كمدينة حلوان في سفح الجبل المطل على العراق، وقد صنّف ابو الفداء حلوان ضمن إقليم العراق، وعلى أنها آخر حدود العراق مع الجبال، ولكنه يذكر بأنه هناك من صنفها ضمن إقليم الجبال، فهي ذات طبيعة جبلية وطبيعتها الجغرافية ذات صفات أقرب إلى الجبال منها إلى العراق، وكان وقوع مدينة حلوان على حدود إقليمي العراق والجبال سبباً في ذكرها ضمن إقليم العراق عند البعض، أوضمن إقليم الجبال عند آخرين، وقد وصفوا سكانها بأنهم أخلاط من العرب والعجم، من الفرس والأكراد.
ولا بدّ من الذكر أنّ أبا الفداء قد جاء على ذكر الكرد وتواجدهم في أقاليم وأماكن أخرى خارج بلاد الجبل فهو يذكر عقر الحميدية على أنها قلعة حصينة مشهورة ببلد الموصل، كما يذكر قبائل الحميدية الكردية المنتشرة في تلك المنطقة، ويذكر أيضاً قلعة فنك على أنها بالقرب من جزيرة ابن عمر وأنها من قلاع الأكراد البشنوية، كما يأتي على ذكر حصن الأكراد في بلاد الشام.
النتائج:
تضمن البحث نتائج عديدة أهمها انتشار الكرد الواسع في مناطق وأقاليم عديدة، خلال الفترة الممتدة من القرن 4ه/10م وحتى القرن 8ه/14م، ولا سيما في بلاد الجبل أو إقليم الجبال كما هو متعارف عليه في كتب التراث الإسلامي. والتعرف على واقع مدن وبلدات وقرى، ومعالم وتضاريس إقليم بلاد الجبل، إضافة إلى المناخ السائد في تلك الأمكنة، وأيضاً إلقاء الضوء على علاقة الكرد بمحيطهم المتعدد، إضافة إلى نتائج أخرى متعددة.
للاطلاع على البحث كاملاً من مصدره الأصلي، والمنشور باللغة التركية في (المجلة الدولية للدراسات الكردية)، كانون الثاني 2021.[1]