بهروز يوجاني من مواليد 1983، لاجئ كردي من مدينة عيلام في “روج هلات” شرق كردستان، والمتاخمة للحدود العراقية من الشمال، درس العلوم السياسية في جامعة “تربيا مدارس” في طهران وعمل في البداية صحفياً في صحيفة محلية تهتم بشؤون الطلاب، ثم عمل في عدة مجلات وصحف إيرانية، وبعد أن أصبح محرراً لمجلة “واريا” الكردية التي تهتم بالشؤون السياسية والاجتماعية الكردية، لفت أنظار السلطات الإيرانية إليه، خاصة وأن الصحيفة كانت تناقش أهمية اللهجة واللغة الكردية التي يتحدث بها سكان مدينة عيلام وخطر انقراض تلك الثقافة واللغة بين أبناء الجيل الحديث.
غادر إيران في عام 2013 بسبب تعرضه لخطر الاعتقال والسجن، بسبب كتاباته المناهضة للنظام والحكومة في إيران من جهة ودعوته للكرد إلى المطالبة بحقوقهم الثقافية والمدنية من جهة أخرى، لكن انتهى به المطاف في ذلك السجن المنعزل في أستراليا، المكان الذي ظن أنه سيكون حراً لممارسة الكتابة، ويقول بوجاني من خلف الأسوار العالية، إن صحته غالباً ما تكون رديئة ومزاجه متقلباً بشدة، تتأرجح بين الهذيان والضعف إلى السوداوية والاكتئاب، ويضيف:” أستطيع الشعور بحالتي النفسية عندما أدخل في حالة الاكتئاب الشديد حيث تخرج تماماً عن سيطرتي، وأقف عاجزاً أمام نفسي بلا قوة”، ويشعر بوجاني بأفضل حالاته عندما يكون مشغولاً ويعمل على هدف معين للتحايل على الوقت والساعات التي تبدو له أنها بلا نهاية في ذلك السجن.
مهنة المتاعب:
رغم وجوده في السجن، إلا أنه يتواصل مع العالم الخارجي عن طريق تطبيق “واتس آب”، وصفحات التواصل الاجتماعي الأخرى إذا توفر الإنترنت، حيث يقوم بالتواصل مع الصحفيين الأستراليين، والمتعاطفين معه والمنظمات المتعددة كمنظمة حقوق الإنسان، والقلم الدولية.
وقد نشر الموقع الإلكتروني (بي بي سي)، تقريراً عن شاب كردي هرب من جحيم إيران والاعتقالات وأحكام الشنق الذي يتعرض له الناشطين الكرد، جاء فيها :
لم يدرك “بهروز بوجاني” الذي هرب من خطر الاعتقال والسجن في بلده إيران، أنه سيرسل إلى مركز احتجاز في جزيرة منعزلة ويقضي خمس سنوات فيها بسبب عدم حيازته على الأوراق الثبوتية الكافية لطلب اللجوء، رغم أن صيته ذاع في معظم أنحاء العالم عن طريق الصحف العالمية والمنظمات الحقوقية، وكان بهروز متجهاً إلى أستراليا برفقة عشرات المهاجرين على القارب، عندما صادفتهم البحرية الأسترالية وقادتهم إلى جزيرة كريسماس ثم مانوس الواقعة في بابوا غينيا الجديدة.
والجدير بالذكر أن البحرية الأسترالية تقود جميع قوارب المهاجرين التي تصادفها في البحر إلى مراكز احتجاز تطلق عليها السلطات الأسترالية اسم “مخيم أو مركز دراسة طلبات اللجوء” في جزيرة مانوس وكريسماس والذين يتم ترحيل معظمهم منها إلى البلاد التي أتوا منها.
سجن رهيب:
يقول بهروز في مقابلة أجرته معه صحفية من منظمة هيومن رايتس ووتش:(إن مركز دراسة طلبات اللجوء الذي يحتوي على مئات المعتقلين، عبارة عن سجن رهيب كثرت فيه حالات الانتحار، والتعذيب)، وصفحة بهروز على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، مليئة بصور عن معاناة المعتقلين، ولا يزال بهروز يوثق ويدون على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي “تجاوزات السلطات بحق المعتقلين”، الأمر الذي دفع بالسلطات إلى عزله عن زملائه ووضعه في سجن انفرادي لأنه يفضح أفعالهم بحسب ما كتب بهروز على صفحته وكرر ذلك للصحفيين الذين قابلوه في المعتقل عدة مرات.
عزيمة قوية رغم المصاعب:
لم يثنِ السجن عزيمته عن الكتابة للحظة، بل نشط أكثر وكتب عن حالات عديدة من داخل السجن، عن معاناتهم، وزود المنظمات الحقوقية والإنسانية بالمعلومات حول المركز، كما أنه لم يتوقف عن عمله الذي بدأه في إيران والذي يحث فيه المجتمع الكردي في إيران على الاستمرار بالمطالبة بحقوقه الثقافية والسياسية في البلاد، وضعته السلطات عدة مرات في سجنٍ انفرادي بسبب كتاباته التي يقول فيها بوجاني أنها كانت فاضحة لأعمالهم، لم يتوقف بوجاني عن الكتابة، وتحسباً لتمزيق السلطات لأوراقه استخدم تطبيق “واتس أب” على هاتفه النقال في كتابة رواية (لا صديق سوى الجبال) على مدار خمس سنوات، يقول بوجاني:(كنت أكتب في كل مرة رسالة نصية وأرسلها إلى صديقي خارج السجن، ليجمعها في ملف خاص بعيداً عن خطر تمزيق السلطات لأوراق)، استغرق كتابة تلك الرسائل خمس سنوات دون كلل أو يأس، وبحسب ما قال في صفحته، فقد كان يعمل لساعات طويلة كل يوم تصل أحياناً إلى 16 ساعة.
ذاع صيت كتابه في الأوساط العالمية، وبيعت نسخ عديدة منه في حفل افتتاح لكتابه في أستراليا وعلى مواقع الإنترنت، ونال إعجاب العديد من الكتّاب والروائيين في العالم، إلى أن تم ترشيح عمله لتحويله إلى فيلم سينمائي.
التمسك بلغته الكردية:
إلى جانب روايته التي ذاع صيتها في العالم، لم ينسَ الكتابة لوسائل الإعلام الكردية من شعر ونثر وقصص قصيرة، كما أنه كتب رسائل خطابات ورسائل رسمية إلى الوزراء ورؤساء الوزراء، لكنه نادراً ما كان يحصل على رد بحسب ما كتب على صفحته في تويتر، وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة الغارديان قال:(كنت وما زلت صحفياً، حتى وأنا في هذا المكان، إنه عملي وواجبي).
وفي عام 2011، ألقي القبض عليه وتم استجوابه من قبل الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وبعد أشهر، أطلق سراحه بعد أن كتب تعهداً بعدم العودة إلى كتابات ثورية تتعلق بحقوق الكرد، لكنه عمل في تحرير المواد التي كان يرسلها له زملاؤه الصحفيون عن طريق البريد الإلكتروني بطريقة سرية، إلا أن السلطات ألقت القبض على أحد عشر من زملائه بعد عامين بسبب اتساع نشاط المجلة وتفاعل الناس معها بحسب ما قال في إحدى مقابلاته مع منظمة هيومن رايتس ووتش.
وفي تلك الأثناء، كان بوجاني يعمل سراً في موقع أسسه هو من طهران، تحت اسم “مراسلون إيرانيون”، انتشرت أخبار ذلك الموقع سريعاً، وعلمت به السلطات، فلم يكن أمامه سوى الاختباء والتفكير في الهرب خارج الحدود قبل أن يُعتقل هو الآخر.
كاتب عالمي تحدى ظروف الكون:
ويقول ل”غارديان”: بعد أن نُشِرت آخر الأخبار على ذلك الموقع، قررت الذهاب لرؤية والدتي في عيلام، كنت أعلم بأنني الهدف التالي، لم يكن قلبي مطمئناً، لذا لم أبقَ هناك وعدت أدراجي إلى طهران للاختباء في منزل صديق لي، لقد نصحني بعض أصدقائي الذين أطلق سراحهم بمغادرة البلاد فوراً، لأن السلطات كانت تبحث عني كوني العقل المدبر للمجلة، فكانت وجهته أستراليا ظناً منه أنه سينعم بالحرية هناك، وقد رفض بهروز بوجاني تقديم طلب اللجوء إلى سلطات بابوا غينيا الجديدة قائلاً:(لم آتِ إلى هذا البلد بإرادتي، وأنا هنا رغماً عني، ولا أقبل بذلك)، ويعرف تماماً أن حياته ستكون في خطر شديد إذا ما رُحِل إلى إيران، والاعتقال والتعذيب سيكونان أقل ما يمكن أن يلاقيه.
وخرجت العديد من المظاهرات التي تطالب بإغلاق مركز الاحتجاز في جزيرة مانوس، وطالبت منظمة مراسلون بلا حدود بحمايته ومنحه الإقامة لأنها وبحسب تعبيرها مقتنعة بأن حياته وحريته ستكونان في خطر كبير إذا أُرغم على العودة إلى إيران، ويقول بوجاني عن منح منظمة القلم الدولية العضوية الفخرية له، أنها ولّدت لديه شعوراً كالطفل حين يتلقى هدية في يوم ميلاده .[1]