#صلاح بدرالدين#
الحلقة الثالثة هذه ستدور حول الكرد السوريين وإسرائيل حصرا من دون الدخول بتفاصيل مايشاع عن علاقات اسرائلية كردستانية في الاجزآء الأخرى لأننا لسنا على اطلاع كامل بجوانبها كما ان ذلك ليست من وظيفتنا فأشقاؤنا أدرى بما يدور لديهم .
إسرائيل والكرد السورييون
لست هنا بصدد البحث عن مايقال ويتردد حول علاقات إسرائيلية مع أطراف من الحركة الكردية بشكل عام أو الرد على اتهامات من أطراف معادية للكرد وقضيتهم ترمي التهم جزافا مقرونة بالادانة ووصم الكرد – بإسرائيل ثانية – تعبيرا عن وضعهم في خانة العدو ( وهي لم تعد تهمة بل نوعا من المديح على الأقل في مفهوم النظام العربي الرسمي ) في المرحلة الراهنة على ضوء ما نشهد فيه تقدما مرئيا ومسموعا لعلاقات العرب بإسرائيل هذا ماعدا ماهي طي الكتمان تفوق أضعاف علاقات غير العرب بها التي تصل الى مستويات معاهدات السلام والاتفاقيات الأمنية قبل الاقتصادية وهو أمر يخص تلك الدول المعنية ومن صلب قراراتها السيادية وشعوبها الأولى بقبولها أو رفضها .
قبل عقود وفي – مدريد – ( 1991 ) وباشراف دولي عقدت معاهدة السلام وتم نوع من المصالحة العربية – الإسرائيلية والاعتراف المتبادل بين الطرفين وبعدها بوقت قصير تمت اتفاقية – أوسلو – للحكم الذاتي الفلسطيني الانتقالي ( 1993 – 1995 ) بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل وعاد بموجبها الرئيس الراحل ياسر عرفات وقيادة المنظمة ومؤسساتها وكوادرها مع عائلاتهم الى الوطن وأقيمت السلطة الوطنية الفلسطينية رسميا ومعترف بها من إسرائيل ومن عشرات الدول وهيئة الأمم المتحدة .
كان الموقف الرسمي لجميع الأحزاب والفعاليات السياسية والاجتماعية الكردية السورية المعلنة هو الوقوف الى جانب النضال الفلسطيني من أجل حق تقرير المصير ولم يبق أي طرف كردي من جميع الأجزاء الا ونسج علاقات مع قوى المقاومة الفلسطينية أو حاول ذلك وحقق البعض منها تحالفات سياسية وتعاون وعمل مشترك معها وكانت القضية الفلسطينية من البنود الثابتة في برامج وبيانات واعلام مختلف الأطراف الكردية وخصوصا في سوريا والعراق وكان الامر يختلف قليلا لدى الحركة الكردية في تركيا وفي ايران مابعد الشاه .
المنطلق في الموقف الكردي السياسي المؤيد للقضية الفلسطينية كما أرى – خصوصا في سوريا والعراق – كان جانبان الأول مبدئي لتشابه الحالتين كشعبين يسعيان الى انتزاع حق تقرير المصير ومواجهة الاضطهاد والظلم والجانب الثاني سياسي يتعلق كما ذكرنا بوقوف الفصائل الرئيسية في منظمة التحرير الفلسطينية ضد نظام الأسد والى حد ما معارضا للنظام العراقي بعهد صدام أو غير موال له بتعبير أدق مع مواقف متسمة بالتعاطف مع قضايا الشعب الكردي بالحدود المسموحة لتوازناتها الداخلية والعربية وان كان الموقف الكردي مع حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني ولكنه لم يكن متطابقا مع مواقف بعض التيارات السياسية الفلسطينية تجاه إسرائيل خاصة حول شعارات ( رمي اليهود بالبحر ) وفيما بعد سعي جماعات الإسلام السياسي الفلسطينية الى تحويل النضال الفلسطيني من قضية تحرر وطني الى صراع ديني .
لقد دفعنا نحن في ( حزب الاتحاد الشعبي ) – سابقا - الموقف الفلسطيني العام وأقصد منظمة التحرير وحركة فتح والجبهة الشعبية والديموقراطية وغيرها المناوئ والحذر وغير التابع لنظام البعث السوري خصوصا في حقبتي الأسد الاب والابن الى التحاور معهم والتضامن والتوافق وكانت مواقفنا متشابهة اجمالا وبصور متفاوتة تجاه النظام السوري المستبد الذي أساء للشعبين السوري والفلسطيني والحق الأذى الكبير بالقضية الفلسطينية وفي مرحلة ما خلال الثمانينات قدمت منظمة التحرير دعما سياسيا الى تيارات معارضة سورية وأبدت استعدادها لمضاعفته عندما تتوحد المعارضة وتناضل ضد النظام .
وفي تلك المرحلة التي امتدت عقودا لم تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي بل كانت من صلب استراتيجيتها التأثير والتغلغل في محيط البلدان العربية من الأقوام والشعوب الأخرى مثل ( تركيا – ايران – اثيوبيا ودولا افريقية أخرى ) وكذلك الامر باتجاه الاقوام والمكونات غير العربية مثل ( الكرد ) وأوساط الأديان غير المسلمة بالداخل السوري وخصوصا ( المسيحييون ) حيث كشفت وثائق فرنسية في زمن الانتداب الفرنسي عن بعض منها كما كشف – موشي شاريت - رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الخارجية بعهد – بن غوريون – في يومياته عن اتصالات مع المسيحيين الموارنة وكذلك مع – المطران – حبي - ولم ينشر شيئا عن أية اتصالات اسرائلية حينها مع الناشطين الكرد السوريين في مناطقهم من دون استبعاد حصول صلات فردية بالخارج .
السياسة الإسرائيلية في كل وقت منذ قيام الدولة العبرية تعمل لصالح استمرارية كيانها وانفتاح المحيط عليها للتخلص من العزلة وباعتبارها الدولة المدللة لدى أمريكا والغرب عموما فقد حاولت أطراف التقرب منها للوصول الى الغرب وبحسب مااعلم فقد كان هدف الراحل مصطفى بارزاني يصب بذلك الاتجاه وبخلاف مساعديه وبعض مسؤولي حزبه فقد كان يسعى الى استخدام إسرائيل جسرا للوصول الى واشنطن بعد اشتداد الضغط على الكرد والحملات العنصرية والعسكرية من نظام بغداد وتخلي العالم عنه خصوصا الاتحاد السوفيتي – السابق – ولم يرضخ يوما للشروط السياسية الاسرائلية تجاه العديد من الملفات ومن بينها معاداة العرب ولهذا السبب لم يلق التجاوب بل أن إسرائيل وبعد أن خيب البارزاني آمالها بدأت تعمل على محاربته عبر الضغط على أمريكا وشاه ايران لعدم دعم الثورة الكردية وحصلت اتفاقية صدام – الشاه بالجزائر عام 1975 ونكص وزير خارجية أمريكا – هنري كيسنجر – بكل وعوده الى درجة ان تحول ذلك الى أزمة بالكونغرس الأمريكي وعرفت حينها بتقرير – بايك - .
كما بدأت إسرائيل بالبحث عن زعيم قومي بديل وأجرت بهذا الخصوص صلات مع الراحل – كاميران بدرخان – الذي رفض رفضا قاطعا حتى الحديث باالموضوع ثم حضر المؤتمر الثامن للبارتي في – ناوبردان – كردستان العراق - بدعوة من البارزاني وخطب وكنت حاضرا بالتأكيد على زعامة القائد الكبير مصطفى بارزاني وفي تلك اللحظة شعرت باندماج النهجين والمدرستين الوطنيتين القوميتين بمجرى واحد والى الابد ثم قام بعدها السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة الإقليم بافتتاح – مكتبة البدرخانيين – بدهوك كبادرة معبرة وشاركت بمراسيم الافتتاح هناك واستمرت إسرائيل بمشروعها وتردد انها اتصلت بالمهاجر الكردي من تركيا في بيروت المرحوم – زيا شرفخان – من احفاد شرفخان بك البدليسي للغرض ذاته ولكنها لم تفلح .
في خضم هذه التطورات كان المرحوم د عصمت شريف وانلي الذي كان عضوا باللجنة المركزية لحزب اليمين الكردي السوري وممثله بالخارج وهو مثقف كردي سوري من دمشق وكاتب ومؤرخ مرموق يقوم بأدوار مكملة ولم يكن بعيدا عن السياسة الإسرائيلية تجاه القضية الكردية حسب قناعاته ومفاهيمه وكان يجاهر بذلك أمام الجميع وفي التسعينات التقيت به بباريس بمركز المعهد الكردي بمكتب مدير المعهد الدكتور – كندال نزان – وتبادلنا اطراف الحديث ثم أشار الي بانني من انصار منظمة التحرير وذلك كتهمة فاجبته المنظمة حركة تحرر ولا تغتصب جزء من كردستان ونحن أيضا من حركات التحرر والعلاقة هنا بين الاحرار ولكن هل تفسر لي علاقتك الإسرائيلية وبأي هدف ؟ وهل لكرد سوريا أية مصلحة ؟ لم يجب وانسحب بهدوء بعد ان تذكر رسالته ( المنشورة بالحلقة الثانية ) .
عودة الى أحداث التاريخ وطبيعة كفاح حركات التحرر الوطني يمكن للمتابع أن يتفهم ولو من باب – الواقعية السياسية – عندما تجري الصفقات الكبرى لتحقيق أهداف كبرى ولايمكن باي حال مقارنة الحالة الكردية السورية في الستينات بتلك الوقائع والتجارب المشار اليها فلو كانت الحركة الكردية موحدة آنذاك ووضعت في صلب أهدافها مثلا اعلان دولة كردية في سوريا وعقدت من اجل ذلك صفقات مع هذا الطرف الإقليمي والدولي أو ذاك حينها قد يكون الموضوع مثار خلاف او اختلاف او أخذ ورد أما أن نرى جناحا من حزب – مثل اليمين الكردي - ينطلق من أن كرد سوريا اقلية وليس شعبا ويرضى بحقوق ثقافية ولايمتلك مشروع حتى – إدارة ذاتية – فماحاجته الى التواصل مع دول عدوة أو صديقة لسوريا والسوريين ؟ وماذا سيطلب منها غير المال ؟ ولماذا المال ؟ هل من أجل منافع ذاتية ؟ .
ان الهدف الأول والأخير لإسرائيل هو الخروج من العزلة والتفاعل الإنساني والاقتصادي والاجتماعي مع البلدان العربية ولن تضحي بصداقة اكثر من 300 مليون عربي ومستقبلا 80 مليون تركي ومثله وأكثر إيراني من أجل 40 مليون كردي وهم بدون كيان مستقل مقابل 24 دولة مستقلة .
ونحن أيضا كشعب كردي موزع على أربعة دول شرق أوسطية ويعيش مع شعوب وأقوام تعدادها بمئات الملايين لنا مصالح عضوية وحياتية معها وتاريخ مشترك منذ آلاف السنين نتقاسم العقائد والأديان والمذاهب كما ان مصيرنا مرتبط بمصائرهم في الحاضر والمستقبل والأولى بحركتنا السياسية الوطنية أن تعي هذه الحقائق وتسير على ضوئها .
هناك كتابان مشهوران صدرا لمسؤولين مشهورين في إسرائيل لم تتضمن كل صفحاتها أية إشارة الى الكرد في المنطقة الأول لشمعون بيريس – الشرق الأوسط الجديد- والثاني لبنيامين نتانياهو – مكان تحت الشمس – يعني أن المسؤولين لايعيران أي اهتمام لا بوجود الكرد ولا بحقوقهم ورغم ذلك هناك من يقلب الحقائق .
إسرائيل ولوبيها الكبير المؤثر بامريكا والغرب عموما لم تعمل يوما بصدق من أجل تعزيز علاقات الكرد بتلك البلدان وكما اعتقد ليست بوارد الاسهام بحل القضية الكردية بأي بلد بالمنطقة خصوصا بسوريا والعراق بل ستعقد الأمور حتى لا يستتب الوضع بتلك البلدان وحتى تبقى النظم الدكتاتورية والاستبدادية حاكمة والأزمات قائمة .
من جهة أخرى ليس لمصلحة إسرائيل بحسب نهج حكامها أن يقام كيان كردي لان تجربتها بنيت على الحديد والنار والتهجير والعنف والانتقام مع النزعات العنصرية المعروفة التي ابتليت بها أيضا تيارات ومجموعات فلسطينية كرد فعل أما التجربة الكردية فتختلف وتتميز بالنضال السياسي ونشدان الديموقراطية والعدالة والمساواة بين مختلف الاقوام والديانات والمذاهب التي تعيش في مختلف أجزاء كردستان وتجربة إقليم كردستان العراق مثال حي ونموذج يحتذى بها في هذالمجال وإسرائيل المدللة الموسومة بالحديقة الحضارية في الصحاري القاحلة لن ترحب بتجربة أخرى بالشرق الأوسط تفوق عليها بكل الجوانب وتتحول الى مثال على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية .
أتذكر وكنت بأربيل في 2017 عندما تم استفتاء تقرير المصير وساءت العلاقة مع بغداد الى درجة حصول مواجهات بين البيشمةركة من جهة وبعض قطاعات الجيش العراقي ومختلف فصائل ميليشيات الحشد الشعبي وتوالت التهديدات العسكرية الانتقامية والهادفة الى اجتياح كردستان من كل حدب وصوب ومن الجوار الإيراني والتركي وأعلن الامريكان موقفهم ليس المعارض للاستفتاء فحسب بل التهديد بانهم لم يتدخلوا ولن يدعموا الكرد في حال تعرضهم للهجوم أتذكر حينذاك أن نفرا من الكرد السوريين وبعضهم مقيم بالاقليم بدأوا ببث الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية بان الجيش الاسرائلي قادم لإنقاذ كردستان كما نشروا – يوتيوبات – مفبركة مضللة وغير واضحة توحي بان الطائرات الإسرائيلية تهاجم الجيش العراقي والحشد الشعبي والحقيقة التي كنا على اطلاع عليها أن الاسرائليين كانوا من أشد معارضي الاستفتاء وهم ضغطوا على الامريكان والغربيين بهذا الاتجاه .
لاأعتقد أن بعض الاتصالات الفردية من جانب كرد سوريين خصوصا من المتواجدين في أوروبا مع الجهات الإسرائيلية – سرا وعلنا – ستؤسس لعلاقات استراتيجية بين الشعب الكردي وحركته الوطنية من جهة وبين دولة إسرائيل من الجهة الثانية على الأقل في المديين المنظور والابعد لانها لن تكون متكافئة لان إسرائيل دولة مستقلة والكرد ليس لهم دولة حتى تبرم اتفاقات بين دول حسب الأصول المثبتة بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ولاتستند الى معطيات وبرامج سياسية متعادلة أو مصالح مشتركة متقاربة والمسألة لاتتجاوز ردات فعل فردية ترتبط بالمشاعر الآنية العابرة وان نتجت عنها أية فائدة فستكون للجانب الإسرائيلي دون شك .
الحركة الكردية السورية وتحديدا أحزابها لم تكن مهيأة لاقانونيا ولا سياسيا ولا موضوعيا ولاذاتيا لبناء علاقات مثمرة ومتوازنة مع دول وأنظمة نحن بدأنا منذ عام 1965 وحتى 1975 بمهمة إعادة تعريف الكرد ومسألة الدور والموقع الوطني وطبيعة النظام وتحديد الهوية وتشخيص المطالب وقمنا بشرح ذلك كله للاشقاء والشركاء والأصدقاء عبر الحوارات المستمرة وكنا أحوج مايكون الى توفير الدعم لتعزيز الخطوة الأولى من النهوض القومي والوطني والأممي وبعد نهاية الثمانينات ومن انشق عنا ومعظم من جاء من بعدنا لم يستكملوا الخطوات بتراتيبيتها المعهودة المطلوبة ولم يطورا العمل القومي والوطني بل كان الهدف الأول والأخير هو هدم مابنيناه بتصميم مشوب بالحقد الاعمى ومااسهل ذلك فمابنيناه بثلاثين عاما يمكن تشويهه بايام خاصة اذا كانت السلطة شريكة واذا كان شخصا مثل – محمد منصورة - يقف وراء ذلك .
في كل الأحوال وفي المرحلة الراهنة من تاريخ منطقتنا وبعد كل هذه الحروب والدمار من مصلحة جميع شعوب المنطقة وخاصة الشعب الكردي أن يتحقق السلام العادل بالمنطقة ويتم الاعتراف المتبادل بالوجود والحقوق وأن تصرف الأموال على التنمية وليس على السلاح ويسود السلام والوئام بين مختلف الشعوب والاقوام والمكونات والأديان والمذاهب .[1]