=KTML_Bold=التنوع الديني والمذهبي عند الكُرد خلال العصر الوسيط الإسلامي=KTML_End=
ياسين طه
شهدت كلية الآداب جامعة المنصورة بجمهورية مصر العربية بداية الشهر الماضي مناقشة رسالة ماجستير للباحث الكُردي (ياسين طه محمد) بعنوان (الاتجاهات الدينية والمذهبية عند الكُرد في العصر العباسي الثاني 232_656 ﮪ /847 _ 1258م دراسة تاريخية تحليلية)، وقد تضمنت هذه الدراسة التاريخية تناول الحالة الدينية والمذهبية في المناطق الكُردية خلال العصر العباسي الثاني الذي دام أكثر من أربعة قرون.
وتنبع أهمية هذه الدراسة من أنها تناولت جانباً مهماً من التاريخ الحضاري للكرد خلال جميع مراحل العصر العباسي الثاني (232_656ه/847_1258م)، الذي شهد تطورات فكرية وعقائدية ومذهبية كبيرة، حيث نشأت وانتشرت خلاله المذاهب الفقهية السنية، وعدد من الفرق الكلامية، كما ظهرت فيه طوائف ومعتقدات دينية خاصة في المناطق الكُردية كالإيزيدية واليارسانية.
وتوضح الدراسة أن الكُرد كسائر الشعوب الإسلامية عاش عقوداً في ظل التنوع والاختلاف الديني والمذهبي، فاعتنقوا الديانة الزرادشتية ثم اليهودية ثم المسيحية حتى وصلهم الإسلام، وانتشر بينهم مجموعة من المذاهب الفكرية والفقهية المتفرعة من تلك الديانات خلال العصر الوسيط الإسلامي، وأسهم مجاورة المناطق الكُردية لبلاد فارس التي عرفت بمهد التنوعات الفكرية الكبيرة التي وصلت لحد التناقض في بعض الأحيان في بلورة هذا التنوع لدى جيرانهم الكرد ايضاً، وكذلك مجاورة الكُرد لأرض العراق الذي ظهر فيها فرق وجماعات كثيرة، وكانت بمثابة مركز للثقافات القديمة الجامعة للملل والنحل والمعتقدات المختلفة.
وقد جاءت هذه الدراسة التي حصلت على درجة الامتياز من قبل لجنة المناقشة والحكم في تمهيد وأربعة فصول، بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة، وعدد من الملاحق.
ويستعرض التمهيد أصل الكُرد، ولغتهم، ومميزاتهم، وموطنهم، ومناطق انتشارهم بعد ظهور الإسلام وخلال العصر الوسيط الإسلامي، مع الإشارة إلى كيفية دخولهم الإسلام بالطرق السلمية والحربية، ويستعرض أيضاً الحالة الدينية السائدة بين الكُرد بعد اعتناقهم الإسلام وصولا إلى العصر العباسي الذي شهد ظهور الكثير من الفرق والمذاهب الإسلامية والعقائد المركبة.
ويتناول الفصل الأول دراسة “الأديان غير الإسلامية” بين الكُرد خلال عدة مباحث، جاء الأول لتناول بقايا الديانة الزرادشتية بين الكُرد رغم انتشار غالبيتهم الإسلام، والثاني لتناول اليهودية وخصائص ما عرف في المراجع ب “اليهود الكرد”، والثالث للمسيحية وطوائفها المتمثلة بالنساطرة واليعاقبة وأحوال أتباعهم في المناطق الكُردية، والرابع للمعتقدات المختلطة والمركبة القديمة؛ المانوية والمزدكية والخرمية.
وقد أُفرد الفصل الثاني لتناول “الاتجاه الخارجي والشيعي” معاً لقرب ظهورهما تاريخياً، واختلافهما عن المذاهب السنية والفقهية والكلامية المعروفة، ويتناول العنصر الأول من هذا الفصل بدايات علاقات الخوارج مع الكُرد وأبرز مراكزهم الرئيسية في بلاده منذ نشأتهم، مع تحليل أسباب مساندة بعض الكُرد لهم، وذكر أبرز واشهر الحركات التي قاموا بها في المناطق الكُردية، ويتناول المبحث الثاني ظهور الشيعة ومفهومها ووصول النزعات والأفكار الشيعية إلى الكُرد، والمواطن الكُردية التي كان للفرق الشيعية فيها انتشار أو نفوذ.
ويعرض الفصل الثالث الذي يحمل عنوان “المذاهب الفقهية السنية” كيفية انتشار المذاهب الفقهية السنية الرئيسية الأربعة في الوسط الكُردي، ومكانة تلك المذاهب بينهم خلال أربعة مباحث (الشافعية، الحنفية، الحنبلية، المالكية) مع مناقشة الأسباب التي أدت إلى سيادة المذهب الشافعي بين الكُرد دون غيرها من المذاهب الثلاثة الأخرى، كما يعرض هذا الفصل اختلاط المذهب الأشعري العقائدي بمذهب الشافعية في الأصول والفروع في مناطق انتشار الكُرد، ومكانة الأحناف بين الكُرد، وسبب قلة أتباع الحنبلية والمالكية بينهم.
ويتضمن الفصل الرابع الذي يحمل عنوان “الاتجاه الصوفي” ثلاثة محاور “التصوف، اليزيدية، اليارسان”، ودراسة ظهور النزعات الصوفية الظاهرية والباطنية في المناطق الكُردية، وتأثير هذه النزعات مع رواسب الأديان القديمة في ظهور الطائفة اليزيدية ونحلة اليارسان الدينية، كما يعرض هذا الفصل العناصر الصوفية الموجودة في اليزيدية واليارسان مع تناول الخلفيات الدينية والفكرية الأخرى لهاتين الطائفتين المركبتين اللتين ظهرتا بالمناطق الكُردية دون غيرها من البلاد الإسلامية، مع متابعة مسيرة تطورهما التاريخية منذ النشأة وحتى سقوط الخلافة العباسية.
وفي ختام هذه الدراسة حدد الباحث مجموعة من النتائج التي توصل إليها الدراسة، أهمها:
1_ الكُرد مجموعة بشرية ذات لغة خاصة ومميزات قومية معينة.
2_ فُتحت المناطق الكُردية من قبل العرب المسلمين بالطريقتين السلمية والحربية معاً، ولم تؤدِ الفتوحات الإسلامية إلى دخول جميع الكُرد إلى الإسلام في حينه وبشكل سريع.
3_ استمر تأثير الديانة الزرادشتية التي كانت دين غالبية الكُرد قبل الإسلام على المناطق الكُردية لفترات طويلة بعد الفتح الإسلامي للمناطق الكردية.
4_ كانت المناطق الكُردية أحد المراكز الرئيسية ليهود المشرق الإسلامي، وكان لل “اليهود الكُرد” كيانهم الخاص في ظل الدولة العباسية.
5_ ظلت بعض القبائل والعناصر الكُردية المتنصرة على الديانة المسيحية في ظل الحكم العباسي إلى جانب النصارى الوافدين إلى المناطق الكُردية، وتعايشوا مع جيرانهم المسلمين متقاربين تارة ومتنافرين تارة أخرى، لكنهم نادراً ما تعرضوا للاضطهاد لأسباب دينية.
6_ تمتع المسيحيون بامتيازات كثيرة في ظل الإمارات الكُردية خاصة في الجزيرة وأربل.
7_ شكّل الزرادشتيون الغالبية بين الملل غير الإسلامية بين الكُرد الساكنين في إقليم الجبال ، بينما كانت هذه الغلبة للتجمعات المسيحية في نواحي إقليم الجزيرة وبلاد هكاري وحول مدينة أربل والموصل.
8_ انضم الكُرد إلى الخرمية المناوئة للحكم العباسي من أجل تحقيق بعض العدل والمساواة التي حرمهم منها الزعامات الإقطاعية.
9_ كان الخوارج ومذهبهم الفكري عنصراً رئيسياً إن لم يكن أوسع المعتقدات والحركات الدينية انتشاراً بين الكُرد حتى القرن 4ه/10م الذي انتهت فيه حركاتهم في بلاد الكُرد.
10_ تأثر الكُرد بتطورات الأحداث التاريخية والفكرية التي أدت إلى تقسيم المسلمين إلى فريقين سني وشيعي، حيث انضم بعضهم إلى الفكر الشيعي.
11_ انحصرت النزعات الشيعية بين الكُرد في الفرق الإمامية والزيدية، وفرقتي الإسماعيلية والقرامطة الباطنيتين.
12_ انحصرت المذاهب الفقهية السنية بين الكُرد في المذاهب الأربعة (الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنبلية) بالإضافة إلى مذهب الإمام الثوري.
13_ بحلول القرن 4ه/10م، حل مذهب أهل السنة بشكل كبير مكان النزعات الشيعية والخارجية في كثير من المناطق الكُردية.
14_ بدأ المذهب الشافعي بالانتشار بين الكُرد في المرحلة الثانية من مراحل تطور هذا المذهب وخلال القرن 4ه/10م، ثم استقر غالبية الكُرد على الشافعية الأشعرية.
15_ لم يقتصر اعتناق الكُرد للمذهب الشافعي على التقليد، بل ساهم عدد من الفقهاء والعلماء الأكراد في رحلة تطوره عبر التدريس وتأسيس المدارس وتولية القضاء على نهجه.
16_ تقاسم الأحناف مع الشوافع في التدريس والفتوى في بعض المدن الكُردية.
17_ لم ينتشر المذهب الحنبلي بشكل كبير بين عامة الأكراد بسبب رحلة أعلامه الأكراد إلى بغداد، وبسبب طبيعته البعيد عن الاجتهاد، ولظهورها بعد الشافعية والحنفية.
18_ لم يأخذ مذهب المالكية الفرصة في الانتشار بين الكُرد رغم محاولة أهل المذهب.
19_ بدأت النزعات الصوفية بالانتشار بين الكُرد منذ القرن 3ه/9م، لكن انتشارها الواسع كان في القرن 4ه/10م تحت تأثير عوامل ومؤثرات سنية، وشيعية، واجتماعية.
20_ ينتمي أصول اليزيديين إلى الأكراد الزرادشتيين، ثم التفوا خلال القرن 6ه/12م، حول الطريقة العدوية الصوفية، ثُمّ طرأت على عقيدتهم سلسلة من التغيير والتحوير أدت إلى انفصالهم عن المسلمين بشكل كامل فيما بعد.
21_ ظهرت اليارسانية التي لا تشكل بذاتها ديناً مستقلاً بين الأكراد دون غيرهم من الشعوب الإسلامية، بتأثيرات مزدكية ونصرانية ويهودية وإسلامية غلبت عليها عقائد مغالاة الشيعة الباطنيين، مع الاعتماد على تنظيم الصوفية.[1]