$سوريا: دور الاتفاقيات الدولية في عمليات التهجير القسري (3)$
رابطة “تآزر” للضحايا
كُتب هذا التقرير بالشراكة ما بين منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” و “رابطة تآزر للضحايا”، وبدعم من منظمة “تبنّى ثورة – Adopt a Revolution”، وإنّ الآراء الواردة في هذا التقرير لا تعكس بأي حال من الأحوال موقف المنظمة الداعمة.
1. ملخص تنفيذي:
أربعة أعوام مضت على شنّ تركيا عمليتها العسكرية بالتعاون مع فصائل “الجيش الوطني السوري” تحت مسمّى “نبع السلام”، على منطقتي رأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي شمال شرقي سوريا، والتي أطلقتها في 9 من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وسيطرت خلالها على كامل المدينتين وأجزاء من ريفيهما، بعمق ما يقارب 30 كيلومتراً من الطريق الدولي M4 ، قبل أن توقف العملية بموجب اتفاقين منفصلين مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، في 17 و22 من الشهر ذاته.
العملية التي بعثرت أوراق المنطقة، وغيرت خرائط السيطرة لصالح الجيش التركي على حساب قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، لا تزال آثارها السلبية مستمرة على الأهالي حتى يومنا هذا، بما نجم عنها من تغيير ديموغرافي وإفراغ المنطقة من مكوناتها الأصلية التي كانت تشكّل تنوعاً غنياً لطالما أعطاها طابعها المتفرد، إذ تتمازج فيها ديانات وقوميات مختلفة مثل السريان والآشوريين والأرمن والشيشان والعرب والكرد والتركمان والماردلية، كما تعد مثالاً يُحتذى به في السلم الأهلي والتعايش المشترك.
يقول الناشط المدني من المكون الشيشاني، ريان أخته، بهذا الصدد: “من يعرف تكوين مدينة رأس العين/سري كانيه الاجتماعية والثقافية يُدرك تماماً ما حصل من مسح وطمس لتلك الهوية الغنية المفعمة بروح التآخي والتعايش السلمي والتكاتف، هذه الهوية ليست نتاج سنوات قليلة مضت، بل تشكل إرثاً قديماً تناقلته الأجيال على مدار عقود وبقيت محافظة عليه رغم ما حصل في سوريا، فقد كانت أبواب هذه المدينة مفتوحة أمام العديد من العوائل القادمة من محافظات أخرى بعد أن تعرضت لظروف الحرب، وكان الأهالي بأطيافهم كافة مجتمعاً مضيفاً للنازحين ومثالاً يُقتدى به”.
ويرى الكاتب والباحث، شورش درويش، أن العملية العسكرية التركية كانت تستهدف بالأصل البنية الاجتماعية الكردية، موضحاً: “قبل العملية سمعنا خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي أشار فيه إلى أن طبيعة المنطقة، ويقصد رأس العين/سري كانيه (لا تناسب نمط حياة الكرد)، فيما كانت موسكو وواشنطن متواطئتين مع نهج أردوغان”.
ويضيف: “نحن أمام سياسة إعادة توطين واحتلال إحلالي يقوم على فكرة اقتلاع السكان الأصليين وإحلال آخرين مكانهم”.
أسفرت العملية العسكرية عن تشريد مئات الآلاف من السكان الأصليين قسرياً، نزح قسم كبير منهم إلى مخيمات أنشأتها الإدارة الذاتية لاحقاً، كسري كانيه/الطلائع وواشوكاني وتل السمن ونوروز، إلى جانب توزع أعداد كبيرة في مدن شمال شرق سوريا، لا سيما الرقة والحسكة والقامشلي، فضلاً عن لجوء الآلاف إلى إقليم كردستان العراق، ودول أوروبية.
رغم مضي أربعة أعوام على احتلال تركيا لمنطقة رأس العين/سري كانيه، لا يزال أكثر من 85% من سكانها الأصليين مهجرون قسرياً، كما فقدت المنطقة ألوان وخصائص تنوعها، إذ لا يزيد عدد الكُرد فيها اليوم عن 45 شخصاً، بعد أن كان الكُرد يشكلون أكثر من 75 ألف نسمة قبيل الاحتلال التركي، ويقل عدد الأرمن والسريان والايزيديين عن عشرة أشخاص، كما نزح غالبية العرب والشيشان والشركس وغيرهم، في حين قامت تركيا بتوطين أكثر من 2800 عائلة نازحة من مناطق سوريّة أخرى، ومن اللاجئين الذين رحلتهم من أراضيها في منازل السكان المهجرين قسرياً، بما في ذلك عائلات عراقية من نساء وأطفال مقاتلي تنظيم “داعش”.[1]
تصف الصحفية شيرا اوسي، ابنة رأس العين/سري كانيه، مشاق رحلة نزوح الأهالي: “كانت عملية النزوح التي عاشها أبناء رأس العين/سري كانيه وتل أبيض صعبة جداً، إذ تشارك هذه التجربة القاسية الطفل والمريض وذو الإعاقة والكبير في السن، كثيرٌ من العائلات تشتّت، وبعضها فقدت أطفالها، أو لم تجد ما تطعمهم، فكنا نرى أطفالاً انقطعوا عن حليبهم، وأمّاً تبكي دماً على طفلها الجائع وهي لا حول لها ولا قوة، وكان الجميع يمضي إلى طريق مجهول”.
تبدو مشاهد التتريك جلية في المناطق التي تسيطر عليها تركيا، فمنذ الأيام الأولى من إيقاف عملية “نبع السلام” رفعت القوات العسكرية التركية والفصائل السورية التابعة لها العلم التركي في مدينتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، ثم دخلت إليهما منظمات إغاثية تركية مثل “إدارة الكوارث والطوارئ” (آفاد)، و”هيئة الإغاثة الإنسانية التركية” (IHH)، و”الهلال الأحمر التركي”، أعقبها فرض التعامل بالليرة التركية وتغيير المناهج المدرسية وأسماء البلدات.
يؤكد وجود النية المبيّتة بإجراء تغيير ديموغرافي في المنطقة إعلان الحكومة التركية عن مشروع “المنطقة الآمنة”، وشروعها ببناء مستوطنات بهدف إعادة ملايين اللاجئين من أراضيها، وخلق حاجز بشري على حدودها الجنوبية يفصلها عن التواجد الكردي في سوريا.
ويستنكر سكان محليون ما تقوم به تركيا من إعادة قسرية لسوريين إلى أراضٍ غير عائدة لهم، في حين يعيش سكانها الأصليون في المخيمات، أو يعانون من أجل تأمين أبسط مقومات الحياة.
وعن التحديات التي لاتزال تواجه الأهالي تتحدث الناشطة وعضو مجلس المرأة السورية، كلستان عفدكي: “أولى الصعوبات عدم استطاعتهم العودة إلى مناطقهم وبيوتهم، تليها عدم قدرتهم على التأقلم في مناطقهم الجديدة، أما في المخيمات فالصعوبات أشد وأكثر قسوة لأنها معدومة من مقومات الحياة وغير معترف بها أو مدعومة من قبل هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية”.
ولم يعد من السكان الأصليين إلى منازلهم إلا نسبة ضئيلة، بينما تم استقدام سوريين من مناطق مختلفة مثل حمص وحماه وإدلب، أو جنسيات أجنبية أخرى كالعراقية، وإسكان عائلات مسلحي الفصائل التي قاتلت إلى جانب القوات التركية في المنازل التي هجرها قاطنوها.
ولا تزال الفوضى الأمنية في المنطقة تسيطر على المشهد نتيجة الاشتباكات بين الفصائل المتناحرة وصراعها على النفوذ والموارد، إلى جانب ما ترتكبه من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان تتمثل بالقتل والاعتقال التعسفي والتعذيب والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة ما يمنع عودة السكان الأصليين.
وتخالف الانتهاكات السابقة البند الرابع من الاتفاق الأمريكي– التركي لوقف إطلاق النار الذي يؤكد البلدان من خلاله: “التزامهما بصون الحياة الإنسانية وحقوق الإنسان وحماية المجتمعات الدينية والعرقية”.
ويشير المحلل السياسي المقيم في العاصمة الأمريكية واشنطن، عهد هنيدي، إلى أن المسؤول عن تنفيذ بنود الاتفاق هي الحكومة التركية بالدرجة الأولى والكتائب العاملة تحت مظلتها، مؤكداً أن الظروف غير مواتية لعودة آمنة للأهالي: “لا يمكن عودة النازحين في ظل وجود مجموعة كبيرة من الكتائب التي تقاتل بعضها البعض لأنها تختلف على السرقات والاستيلاء على أموال المواطنين، وهي لم تستطع حتى الآن تشكيل هيئة حكم تشكل استقراراً حقيقياً وتجعل المواطنين يشعرون أنهم يعيشون تحت إدارة مؤسسات دولة، إذ لا تزال الحالة الميليشياوية هي القائمة، وهناك عشرات الميليشيات التي لا تمتلك أي عقيدة حقيقية في الحكم، بل ما يجمعها هو الاستيلاء على ممتلكات المواطنين والسلاح والسلطة والمال”.
2. منهجية التقرير:
يهدف التقرير المشترك بين منظّمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ورابطة “تآزر” للضحايا إلى توضيح الخلفيات السياسية المرافقة للاتفاقين الأمريكي- التركي، والروسي- التركي على منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، ودور الجهات الدولية الفاعلة فيما حدث، وأبرز الانتهاكات التي طالت الأهالي على طريق التهجير وصولاً إلى الأماكن التي نزحوا إليها.
ويتتبع التقرير أحوال المهجّرين اليوم والصعوبات التي يواجهونها، لاسيما النازحون منهم في المخيمات ومراكز الإيواء، وتجاوزات حقوق الإنسان في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض على يد الفصائل العسكرية المسيطرة، لا سيما انتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكية، والصعوبات التي لازالت تواجه الأهالي وتمنعهم من العودة إلى مناطقهم الأصلية، في محاولة لطرح توصيات تسهم في التخفيف من تداعيات الاتفاقيّن وآثارهما السلبية على الأهالي، والحيلولة دون تجذّر عملية التغيير الديموغرافي الحالي.
ويأتي ضمن سلسلة تقارير ناقشت أثر الاتفاقيات الدولية التي أفضت إلى عمليات تهجير واسعة غيّرت الديموغرافيا السورية، تحدّث الأول منها عن اتفاق الغوطة مقابل عفرين، والثاني عن اتفاق المدن الأربعة.
اعتمد التقرير في منهجيته على مخرجات جلسة حوارية تفاعلية عُقدت يومي 5 و6 أيار/مايو 2023، جمعت أهالي وناشطين/ات من رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي، ناقش الحضور خلالها الأحداث المرافقة للاتفاقيّن الأمريكي-التركي والروسي-التركي، وما أفضيا إليه من تبعات سلبية وصعوبات لا تزال آثارها على الأهالي مستمرة حتى اليوم، وخلصوا إلى بعض التوصيات التي تمت مراجعتها لاحقاً من قبل الباحث القانوني في المنظمة.
كما أُجريت، لغرض إتمام التقرير، مجموعة من المقابلات عبر الإنترنت مع أهالي من رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي يتواجدون داخل سوريا وخارجها، ومسؤولين عن المخيمات وكتّاباً ومحللين سياسيين، مع مراعاة التنوع العرقي والإثني والديني الغني الذي يميز مكونات المنطقة. استند التقرير أيضاً إلى تقارير حقوقية، وأبحاث، ومقالات إخبارية منشورة في مصادر مفتوحة موثوقة.
3. مقدمة:
لم يحلّ السلام في المناطق التي غزتها تركيا يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019 شمال شرقي سوريا، بذريعة مخاوفها الأمنية من تواجد القوات الكردية على حدودها الجنوبية ورغبتها بإقامة “منطقة آمنة”.
فعلاوةً على ارتكاب القوات التركية وفصائل المعارضة السورية المتحالفة معها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب خلال هجماتها، وفقاً لما وثقته منظمة العفو الدولية، بما في ذلك القتل العمد، والهجمات غير القانونية التي تسببت بمقتل وجرح مدنيين، كانت الأمين العام لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف إحدى ضحاياها، تستمر الانتهاكات حتى يومنا هذا، بحسب ما تؤكده منظمات محلية ودولية، بما في ذلك القصف التركي المتكرر على المدنيين.
فبعد خضوع المنطقة الممتدة من رأس العين/سري كانيه إلى تل أبيض، لسيطرة الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني”، تقاسمت الفصائل مناطق النفوذ فيها، حيث انتشرت “الجبهة الشامية” و”فيلق المجد” و”أحرار الشرقية” في تل أبيض، و”فرقة السلطان مراد” و”الحمزة” في رأس العين/سري كانيه مع تواجد أقل لفصائل أخرى منها “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن” و”لواء صقور الشمال” و”فرقة المعتصم” و”الفرقة 20″.
وعمدت الفصائل إلى ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق سكان المنطقة الذين ذاقوا الويلات، شملت عمليات نهب وسيطرة واسعة على المنازل والمحال التجارية للمدنيين الذين اضطروا إلى الفرار، إضافة لمبانٍ وممتلكات عامة بما فيها الاستيلاء على مخزون الحبوب الاستراتيجي في المنطقة وبيع قسم منه إلى تركيا.
فضلاً عن عمليات الاغتيال والتهديد والابتزاز والقتل والاختطاف والتعذيب والاحتجاز والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات، والتي رافقها تمييز على أساس عرقي.
وفي الوقت الذي تقرن الفصائل عمليات الاعتقال والتعذيب بوجود صلات للمتهمين/ات بقوات سوريا الديمقراطية، يرى شهود عيان أن السبب الرئيس هو ابتزازهم مادياً وإجبارهم على دفع الفدية، ولاحقاً التخلّي عن ممتلكاتهم ومغادرة مناطقهم الأصلية.
وبينما يُمنع الأهالي من العودة، يعيشون في ظل ظروف إنسانية ومادية صعبة، ففي المخيمات يعاني النازحون من شحّ المياه وتلوثها، وسوء البنية التحتية، وتردّي الأوضاع التعليمية والصحية لا سيما ما يتعلق بذوي الإعاقة.
ويشكّل التنافس على النفوذ بين القوى الدولية المتواجدة بمنطقة شرق الفرات عاملاً إضافياً لعدم استقرارها، في ظل تواجد أطراف النزاع الأساسيين في سوريا، الأتراك والروس والأمريكيين، الذين حققوا مكاسبهم ورسّخوا توازناتهم بعد العملية العسكرية.
إذ استطاعت تركيا تحقيق هدفها من العملية المتمثل بإبعاد القوات الكردية عن حدودها، وبناء مستوطنات لإعادة اللاجئين السوريين من أراضيها، وتتريك المنطقة.بينما استغلت روسيا العملية لترسيخ وجودها العسكري، لاسيما في مدينة القامشلي/قامشلو بمحافظة الحسكة، حيث شيّدت قاعدة لها في مطار المدينة مرتبطة بقاعدة حميميم، تضم منظومات دفاع جوي وطائرات حربية، فضلاً عن نقاط التفتيش الروسية المنتشرة في كامل المنطقة.
بدورها عززت الولايات المتحدة من وجودها في ريف الحسكة الجنوبي والشرقي، حيث حقول وآبار النفط والغاز، إضافة إلى العديد من النقاط العسكرية التي تحول دون اتساع النفوذ الروسي.
4. توصيات:
أفضت الجلسة الحوارية التي عقدتها “سوريون” و”تآزر” وحضرها أهالي وناشطين/ات من رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي، وكذلك تواصلنا المباشر مع الضحايا، إلى مجموعة من التوصيات التي يمكن تلخيصها بما يلي:
إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي:
الضغط على الحكومة التركية للاعتراف بحالة الاحتلال للمناطق التي تسيطر عليها فعلياً في سوريا، ومن ضمنها رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وبالتالي القيام بواجباتها كدولة احتلال وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية السكان المدنيين وممتلكاتهم.
فرض عقوبات على الشخصيات والفصائل والكيانات السورية والوافدة إلى سوريا، المتورطة في ارتكاب انتهاكات بالمناطق التي يتناولها التقرير، وتصنيفها على قوائم الإرهاب بهدف قطع أي تمويل عنها.
الضغط على الحكومة التركية لوقف هجماتها العدائية على البنى التحتية والمرافق الحيوية في مناطق شمال شرق سوريا، والتي تدمر سبل عيش السكان وتهدد استقرار المنطقة الهش أساساً، ومطالبتها بالخروج من المناطق التي تحتلها بأقصى سرعة ممكنة، ومنع الفصائل والميليشيات التابعة لها من ارتكاب انتهاكات بحق السكان المدنيين، وضرورة محاسبة جميع المتورطين في هذه الانتهاكات، وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل الاحتلال.
الضغط على الحكومة التركية لوقف استخدامها المياه كسلاح ضد أهالي وسكان مناطق شمال شرق سوريا، وتحييد هذه المسألة عن التجاذبات السياسية، وإعادة ضخ مياه محطة علوك بشكل طبيعي كونها مسألة وجودية للأهالي المستفيدين منها.
الضغط على الحكومة التركية لتوفير البيئة الآمنة والمحايدة في المناطق التي تحتلها، لتأمين العودة الطوعية والآمنة للنازحين/ات والمهجّرين/ات إلى أماكن سكناهم الأصلية، والكفّ بشكل فوري عن سياسات التغيير الديموغرافي للمناطق التي تحتلها، وإزالة الآثار الناجمة عن تلك الممارسات.
الضغط على “الائتلاف الوطني السوري” و”الحكومة السورية المؤقتة” لممارسة صلاحياتهما في منع الفصائل العسكرية التابعة ل “الجيش الوطني” من ارتكاب انتهاكات بحق السكان المدنيين وضرورة محاسبة الأشخاص المتورطين منهم في تلك الجرائم، ويجب أن تكون هاتين المؤسستين عرضة للمساءلة في حال تقاعسهما عن القيام بتلك الإجراءات.
تقديم كل أنواع الدعم للمتضررين من الاحتلال التركي لمناطقهم، وبخاصة للمقيمين/ات في مخيمات النزوح، وذلك عن طريق معبري اليعربية/تل كوجر وسيمالكا (فيشخابور) دون انتظار موافقة الحكومة السورية، كون المساعدات الإنسانية تعتبر من المستلزمات المنقذة للحياة.
تقديم الدعم اللازم لمنظمات المجتمع المدني ومبادرات الضحايا المتخصصة في مجال توثيق الانتهاكات والأعمال الإغاثية، لاسيما تلك التي تركّز عملها في مناطق الاحتلال التركي ومع النازحين والمهجّرين من تلك المناطق.
إلى الحكومة السورية:
القيام بواجباتها الدستورية المتمثلة بضرورة حماية سلامة أراضيها وشعبها، وبالتالي عليها تقديم شكاوى رسمية إلى الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال التركي لأراضيها، ويمكنها بهذا الخصوص اللجوء إلى محكمة العدل الدولية بهدف استصدار قرار منها يُلزم تركيا بإنهاء حالة الاحتلال ومغادرة الأراضي السورية.
مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على تركيا لإيقاف دعمها للميليشيات والفصائل والشخصيات التي يُشتبه بتورطها في ارتكاب الانتهاكات، وفقاً لتقارير منظمات حقوقية دولية ومحلية، ووقف أي تفاوض مع الحكومة التركية إلى حين انتهاء حالة الاحتلال، واتباع الطرق القانونية المشروعة لإنهاء العمل ب اتفاق أضنة المبرم مع تركيا، كونه مجحف بحق سوريا، وتمّ إبرامه نتيجة التهديدات التركية ضدها.
مساعدة ودعم المهجّرين/ات والنازحين/ات من مناطق الاحتلال التركي، خاصة أولئك المقيمين في المخيمات ومراكز الإيواء.
منح الموافقة الفورية للأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية باستخدام معبري سيمالكا واليعربية/تل كوجر لإيصال المساعدات الإنسانية إلى أهالي وسكان شمال شرق سوريا، لاسيما النازحون من مناطق الاحتلال التركي ومنها رأس العين/سري كانيه وتل أبيض.
إلى منظمات المجتمع المدني:
العمل على توثيق الانتهاكات التي ترتكبها تركيا والفصائل الموالية لها في المناطق التي تحتلها من سوريا، كالقتل خارج القضاء والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب والتهجير القسري، وكذلك تلك التي تطال حقوق الملكية والسكن، وتزويد المؤسسات الأممية ك لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا والآلية الدولية المحايدة والمستقلة الخاصة بسوريا، بتلك التوثيقات بهدف إصدار تقارير معمّقة ومكثّفة عن الانتهاكات المرتكبة في المناطق التي تناولها التقرير.
تكثيف عمليات المناصرة لأصوات ضحايا الانتهاكات التي طالت مناطق الاحتلال التركي ومنها رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وحشد الجهود لتعريف المجتمع الدولي والقوى الفاعلة في الملف السوري بشكل أكبر بتلك الانتهاكات.
توفير كل أنواع الدعم (القانوني والطبي والاجتماعي والنفسي والخدمي) للنازحين/ات من المناطق التي تناولها التقرير، ومساعدتهم/ن في تحقيق الاندماج مع المجتمعات المضيفة، والعمل مع هذه المجتمعات لتقبل النازحين بينها.
تكثيف عمليات التوعية والتدريب للمهجّرين لتعريفهم بحقوقهم المسلوبة، لاسيما تلك المتعلقة بالملكية والسكن، وأهمية الاحتفاظ بوثائق إثبات ممتلكاتهم الواقعة بمناطق الاحتلال التركي، ومساعدتهم في استصدار تلك الوثائق من مؤسسات الدولة السورية في حال فقدانها أو تلفها أو ما شابه.
إلى الإدارة الذاتية:
تأمين الخدمات الأساسية للنازحين/ات في مناطقها، لا سيما سكان المخيمات، وضمان حقوقهم الأساسية، وتأمين فرص العمل لهم، ومساعدتهم في التأقلم مع المجتمع المضيف.
تأمين البيئة الملائمة لعمل منظمات المجتمع المدني العاملة على قضايا النازحين في مناطقها، وإزالة العقبات الإدارية والقانونية التي تواجهها.
5. تفاهمات سياسية غير معلنة:
أسهم انسحاب القوات الأمريكية التي تقود التحالف الدولي من نقاطها على الحدود السورية التركية، وانحسار تواجدها في أقصى شمال سوريا وشرقها، في شنّ الهجوم التركي على رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، لا سيما بعد حصول أنقرة على ضوء أخضر أمريكي باجتياح تلك المناطق خلال مكالمة هاتفية جرت بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والأمريكي دونالد ترامب، بتاريخ 6 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
ويشير المحلل السياسي المقيم في العاصمة الأمريكية واشنطن، عهد هندي، إلى أن الديمقراطيين كانوا ضد قرار الانسحاب من سوريا، والذي أعقبه استقالة مسؤولَين بارزين من إدارة ترامب، هما المبعوث الأميركي للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، بريت ماكغورك، ووزير الدفاع، جيمس ماتيس.
ويوضح بهذا الصدد: “إدارة بايدن كانت دائماً تنتقد ترامب على انسحابه الجزئي من شمال شرق سوريا، وما تعرضت له المنطقة نتيجة الانسحاب، لكن اليوم كون الموجود الذي ورثته هو هذا الاتفاق فهي تريد الحفاظ على الحالة الراهنة وألا يتم التوسع التركي بشكل أكبر من هذه المنطقة“.
فقد ورثت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة “ترامب”، وهي تحاول الحفاظ على الحالة الراهنة، وفقاً لعهد.
وكان “ترامب” أعلن نيته سحب قواته من مناطق شمال شرقي سوريا، إلا أن البنتاغون عمل على احتواء القرار.
ويلفت عهد إلى أهمية التواجد الأمريكي في المنطقة، ويرى أنه في حال خرجت الولايات المتحدة فربما ستملأ تركيا الفراغ في المناطق الشمالية، بينما سيعمل النظام السوري والميليشيات الإيرانية على الدخول إلى المناطق الجنوبية.
ويضيف: “اليوم لدى القوات الأمريكية تواجد صغير لكن في الوقت نفسه له تأثير كبير في الحفاظ على استقرار المنطقة، التي يتواجد فيها عدد كبير جداً من المهجّرين داخلياً، الذين جاؤوا من مناطق عديدة في سوريا، إذ إنه يمنع اللاعبين الخارجيين من الدخول إلى المنطقة وزعزعة الاستقرار فيها“.
بدوره يؤكد الصحفي والباحث، منهل باريش، أهمية التواجد الأمريكي وتأثيره على الوضع الأمني والعسكري وخريطة السيطرة الحالية والسابقة في كامل منطقة شرق الفرات، ويقول بهذا الصدد: “قام الأتراك بعملية نبع السلام وأخذوا رأس العين وتل أبيض بعد ضوء أخضر أمريكي من ترامب لأردوغان، ولم يكن ممكناً أن يقوم الأتراك بهكذا عملية دون الإعلان الصريح من ترامب، كل المنطقة الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية والتي هي منطقة النفوذ الأمريكي ما يحدث فيها مرهون بالتواجد الأمريكي“.
ويشير منهل إلى أن الأتراك كانوا يهددون بالقيام بالعملية العسكرية، ويضغطون سياسياً حتى تمكنوا أخيراً من انتزاع الموافقة من ترامب.
أما عن الحكومة السورية وروسيا فلن يعطيا ضوءاً أخضر لتركيا لأي عملية عسكرية، إلا إذا كانت ضمن منطقة النفوذ الأمريكي، “بمعنى إذا كنتم تريدون إزعاج الأمريكان اذهبوا لإزعاجهم ليس لدينا مشكلة”، الأمر نفسه ينطبق مع ما حصل في اللقاء الذي جمع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ونظيره السوري، علي محمود عباس، مع وفد ضمّ جهازي الاستخبارات في موسكو، إذ ناقش البند الأول من المفاوضات عودة اللاجئين إلى سوريا فكان رد وزير الدفاع السوري: “لسنا مهتمين بعودة اللاجئين إذا كنتم تشعرون بالعبء عليكم قوموا بعملية بالقامشلي أو عامودا أو أي منطقة يتواجد فيها النفوذ الأمريكي، وأعيدوا اللاجئين إليها إذا كنتم غير قادرين على استضافتهم“.
ويرى الكاتب والباحث، شورش درويش، أن دور الولايات المتحدة بات حراسة الاتفاق الذي وقّعته مع تركيا، لكنه ينتقد عدم إسهامها في وقف العمليات العدائية التركية ومحاولتها توسيع مناطق سيطرتها. ويقول: “إذا كان صحيحاً أن الأمريكيين يساهمون في منع شنّ حرب تركية جديدة على شمال شرقي سوريا، إلّا أنهم ساكتون تجاه القصف المتكرر واستخدام تركيا للطائرات دون طيار التي تستهدف الاستقرار في المنطقة وتعرّض المدنيين وقوات سوريا الديمقراطية للخطر الدائم“.
صورة رقم (1) – خارطة تمّ رسمها من قبل الشركاء تُظهر مناطق السيطرة العسكرية في شمال سوريا في شهر أيلول/سبتمبر 2019.
صورة رقم (2) – خارطة تمّ رسمها من قبل الشركاء تُظهر مناطق السيطرة العسكرية في شمال سوريا في شباط/فبراير 2020.
6. صعوبات مستمرة منذ النزوح:
في الساعة الرابعة عصر يوم 9 من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، بدأت الغارات الجوية التركية والقصف المدفعي المكثف على رأس العين/سري كانيه، ومن ثم تل أبيض/كري سبي والشريط الحدودي الفاصل بين المدينتين، لتبدأ رحلة نزوح فورية للأهالي الذين تركوا وراءهم كل ما كانوا يملكونه ولاذوا بالفرار نحو المناطق الآمنة المحاذية على أمل عودة قريبة.
وخلال الأيام الأولى من العملية نزح ما يزيد عن 180 ألف شخص من منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب الأمم المتحدة، ليواجهوا مصيراً مليئاً بالصعوبات والتحديات والخسارات التي لا تزال تداعياتها مستمرة.
يصف الناشط السياسي المستقل، حكمت محمد، ابن مدينة رأس العين/سري كانيه، مشهد النزوح:
“عندما انطلقت عملية ما يسمى بنبع السلام في تمام الساعة الرابعة وعشرة دقائق مع قصف الطائرات التركية لمحيط المدينة، كنت حينها على رأس عملي وعندما خرجت إلى الشارع شاهدتُ عائلات مصطحبة أطفالها وفي يد كل منها حقيبة صغيرة يبدو أنها تتسع فقط للوثائق الرسمية، وكان كل همّها إنقاذ الأرواح والخروج من المدينة دون أن تعلم وجهتها“.
ويضيف: “اضطر بعض النازحين للتخييم في العراء عدة أيام ريثما يجدون مأوى لهم، بينما توجه آخرون ممّن لهم أقارب إلى المناطق الآمنة التي لم تشملها العملية العسكرية كالحسكة، وبعد انتهاء العملية استقر أهالٍ مهجرون من رأس العين/سري كانيه في قرى تل تمر التي هجرها الأخوة الآشوريون إبان هجوم تنظيم داعش الإرهابي، وتوزع الباقون في مختلف مدن محافظة الحسكة، بعضهم استأجر منازل، والبعض الآخر لجأ إلى المدارس، وفيما بعد تأسس مخيما واشوكاني وسري كانيه/الطلائع، اللذان بلغ تعداد سكانهما من المهجّرين ما يقارب 27000 ألفاً“.
ويشير حكمت إلى أن الصعوبات التي يواجهها النازحون في المخيمات كثيرة في ظل غياب دعم المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وتقصير الإدارة الذاتية في تأمين المستلزمات الإنسانية الضرورية.
“كابي” اسم مستعار لأحد أهالي رأس العين/سري كانيه من المكون السرياني نزح مع عائلته إلى الحسكة إثر العملية العسكرية التركية واستقر فيها حتى اليوم، يقول حول أسباب توجهه إلى هناك: “نزح غالبية أهالي رأس العين السريان يوم النكبة إلى أقرب منطقة وهي قرى الحسكة، لوجود أقاربهم وأصدقائهم ومعارفهم فيها، ولكونها قريبة، إذ كان الوقت ضيقاً ولم يكن هناك مجال للهرب إلى مناطق أبعد، ومن ثم وعقب هدوء الأوضاع قصد بعضهم حلب أو دمشق، أما القسم الأكبر فقد قرروا السفر إلى خارج البلاد“.
ولم تنتهِ الصعوبات التي يواجهها الأهالي مع استقرارهم في المناطق التي نزحوا إليها، حيث يُبيّن كابي بهذا الصدد:
“اليوم وصلنا لمرحلة أننا نعاني في سبيل توفير أبسط مقومات الحياة كالماء والكهرباء والسكن، فعندما تأتي المياه من محطة علوك نقيم عرساً ودبكة، وكذلك عندما تأتي الكهرباء أو المساعدات، وقد قُطعت المعونات التي كنا نتلقاها بشكل نهائي في الفترة الأخيرة“.
ويضيف: “أهل رأس العين الذين كانوا معزّزين مكرّمين باتوا يسكنون في المدارس كنازحين، وعندما آتي إلى الحسكة وأطلق على نفسي صفة نازح وأنا في بلدي فهذه مصيبة.. لا أحد يدفع الثمن سوى الشعب“.
المكون الشيشاني في رأس العين/سري كانيه ليس أوفر حظاً، فقد تشتّت شمل أسره وتوزعو إثر العملية العسكرية التركية في الحسكة والقامشلي والرقة ودمشق وحلب، فضلاً عن موجات الهجرة إلى خارج البلاد المتواصلة منذ بدء النزاع في سوريا، وفق ما يُبيّن الناشط المدني، ريان أخته، وهو عضو مكتب العلاقات العامة ل “لجنة باقون وعائدون لمهجري رأس العين/سري كانيه”.
يقول بهذا السياق: “إن حرب عام 2019 تركت الأثر الأكبر على المكون الشيشاني، فهو كباقي المكونات عانى من النزوح والتهجير ما نتج عنه تصدّعات تعدّ الأكثر خطورة عليه منذ بدء الصراع، لأن الحال وصلت إلى أن يتشتت أفراد العائلة الواحدة، نتيجة التهجير والضغوط والمشاكل الناجمة عنه“.
ويضيف: “ألقت الحرب بثقلها على المكون الشيشاني منذ بداية الحرب السورية، فقد تأثر بعدة نواحٍ أهمها كان على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي، وبدأت حالات الهجرة من فئة الشباب الى الدول الأوروبية أو المجاورة، كما انتقلت بعض العائلات إلى محافظات أخرى بحثاً عن الاستقرار واستمرارية العيش، وهو ما خلق نوعاً من التشتت للمكون نتج عنه آثار سلبية عديدة أهمها على المستويين الاجتماعي والثقافي، وذلك بعد أن حافظ على صلابته لعقود من الزمن، فمنذ ما يزيد عن مائة عام كان متواجداً بمنطقة الجزيرة السورية وبالأخص في مدينة رأس العين“.
من جانبها تؤكد بثينة أيندر، مسؤولة لجنة التدريب والتربية ومتابعة أمور النازحين في مراكز الإيواء، المهجّرة من رأس العين/سري كانيه، أن حال شيشان المدينة لا تختلف عن أحوال باقي المكونات فيما عانوه من تهجير وضغوط بأشكالها كافة.
وتضيف: “نحن الشيشان تعرّضنا للتهجير على يد روسيا حين طالبنا بالدولة، واليوم نحن نعاني من التهجير ذاته إضافة إلى النزوح“.
وتتابع بهذا الصدد: “النازح بين نارين، فهو لا يستطيع العودة إلى مدينته ولا الاستقرار في الأماكن التي يتواجد فيها“.
أما أهالي تل أبيض فتوجه غالبيتهم نحو الرقة وعين عيسى وكوباني وفق ما توضح الناشطة المدنية، جوليا كردو، وتصف ما حلّ بهم: “هناك العديد من العائلات فقدت أفراداً منها نتيجة القصف، أو أصيبوا إصابات أدت إلى إعاقات مستدامة“.
وتضيف: “ترك المهجّرون كل ما كانوا يملكونه من مسكن ومستلزمات منزلية وحتى اللباس، وهذا ما جعل الظروف المعيشية صعبة بالنسبة للأهالي الذين توجهوا إلى المدن، خاصة مع ارتفاع قيمة الدولار وأسعار الإيجارات والأساسيات الغذائية، وهو ما ترافق مع صعوبة تأمين العمل والدخل اليومي، وقد تم إنشاء مخيم تل السمن لإيواء من لا يستطيع تحمّل تكلفة العيش في المدن“.
7. حال المخيمات:
تلفت مسؤولة لجنة التدريب والتربية ومتابعة أمور النازحين في مراكز الإيواء، بثينة أيندر، إلى أن وضع النازحين يُرثى له، والمخيمات ومراكز الإيواء متأزمة جداَ: “الصعوبات كثيرة منها قلة المواد الغذائية والمياه وندرة فرص العمل، وقد حدثت حالات احتراق للخيم راح ضحيتها عدد من النازحين، فنتيجة للظروف التعليمية الصعبة تم تخصيص خيمة للتعليم في مخيم تل السمن لم تكن آمنة، ما أدى لاحتراقها ووفاة طفلة وتعرّض آخرين لحروق بليغة“.
يعاني نازحو مخيم تل السمن شمالي الرقة، من قلة المساعدات والخدمات المقدَّمة، وهم يعيشون شتاء قاسياً وصيفاً ملتهباً نظراً لتواجده بمنطقة صحراوية.
غالبية نازحيه هم من مدينة تل أبيض وريفها، ولا زال يتوافد إليه نازحون جدد نتيجة ما تشهده المنطقة من قصف تركي متكرر.
يعتمد معظم النازحين على فرص عمل موسمية بأعمال الزراعة والحصاد لذلك فهي تنحصر بفصل الصيف، بينما يواجهون في الشتاء ندرة فرص العمل، ما يفاقم أوضاعهم سوءاً.
ويوجد في الرقة ما يزيد عن 103 آلاف نازح، يتوزعون في ثلاثة مخيمات نظامية، و58 مخيماً عشوائياً، يعيشون في ظل أوضاع إنسانية واجتماعية صعبة نتيجة شحّ المساعدات.
كما يعاني مخيما سري كانيه/الطلائع ، واشو كاني/التوينة مشكلات متعددة على مستوى الخدمات، لا سيما المتعلقة بالنظافة والتعليم والرعاية الصحية، وسط عدم كفاية الدعم المقدم من المنظمات الدولية.
ويتعرّض المخيمان للعديد من الحرائق في فصل الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة، بينما تُغرق الأمطار الغزيرة خيام النازحين في الشتاء.
ويقع المخيمان داخل مناطق نفوذ الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، وتشرف عليهما بشكل أساسي.
وتُعتبر 85% من مخيمات الشمال السوري أقدم من عمرها المتوقع وأكثر عُرضة للتلف، وأقل مقاومة للظروف الجوية، وفقاً لتقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA).
الناطق باسم المجمع التربوي في مخيمي سري كانيه وواشوكاني، محمد حاجو، يصف الواقع الخدمي في مخيم واشوكاني بالسيئ بسبب النقص الكبير في الخدمات الأساسية، ويوضح بهذا الصدد: “يعاني المخيم من مشاكل في الصرف الصحي المتردي الذي يسبب الكثير من الأمراض والأوبئة، ويستخدم قاطنوه حمامات مشتركة بشكل عشوائي دون وجود خصوصية“.
ويضيف: “يعاني الأهالي من ضيق المكان إذ إن كل عائلة صغيرة كانت أم كبيرة تسكن في خيمة لا تتجاوز بضعة أمتار تستخدمها للمنامة والمأكل والمشرب والحمّام“.
ويؤكد حاجو على أهمية تحسين ظروف الصرف الصحي، وتزويد الأهالي بخيام جديدة كون الحالية باتت قديمة ومهترئة، خاصة أننا قادمون على فصل شتاءٍ قاسٍ.
أما بالنسبة للمشاكل التي تواجه العملية التعليمية، يشير حاجو إلى نقص في الدعم المقدم من المنظمات الإنسانية في مجال التعليم، إذ إنها لا توفر للتلاميذ أية قرطاسية أو لوازم مدرسية هم في أمس الحاجة إليها لاسيما في ضوء ما يعانيه الأهالي من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة.
كما يطالب ببناء مدارس جديدة من أجل تخفيف الضغط عن الشعب الصفية بما يعود بالنفع والفائدة على الأطفال الذين يفتقدون إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
ويلفت حاجو إلى بعض التحسن في الواقع التعليمي مؤخراً: “لوحظ تحسن من حيث زيادة عدد ساعات الحصص الدراسية نهاية العام الماضي، مع افتتاح مدرسة جديدة في المخيم ليبلغ عدد المدارس المتوفرة فيه حالياً ثلاث مدارس يتم التدريس فيها وفق نظام الأفواج، ما خفف من الضغط الحاصل جرّاء أعداد التلاميذ الكبيرة“.
ويشتكي نازحو مخيم سري كانيه من قلة الصفوف، واقتصار ساعات التدريس على ساعتين يومياً لكل فوج، فضلاً عن أن الأمكنة المخصصة غير آمنة وقد تسببت بإصابات وجروح جسدية للتلاميذ.
القطاع الطبي ليس أوفر حظاً، إذ يعاني من عدم كفاية الخدمات المقدمة وتوفرها في ساعات محدودة، ما يفاقم معاناة النازحين وبخاصة ذوو الإعاقة وأصحاب الأمراض المزمنة.
يشرح مدير مكتب الصحة في مخيم سري كانيه ، دلو محمد علي، حال القطاع الطبي بالقول: “الوضع الصحي سيئ جداً، تقدم منظمة IRC خدماتها من الساعة 8 صباحاً إلى 3 ظهراً، بينما يوفر الهلال الأحمر الكردي الرعاية الطبية والإسعاف الأولي على مدار 24 ساعة بما فيها حالات الولادة لكن في الفترة الصباحية فقط“.
ويشتكي الأهالي بشكل كبير من عدم توفر أي جهة داخل المخيم تستقبل الولادات المسائية سواء كانت قيصرية أم طبيعية، ويوضح دلو بهذا الصدد: “بالتنسيق بين الهلال الأحمر الكردي وغرفة العمليات في مشفى الهول يتم تحويل المريضات اللاتي يحتجن لولادات قيصرية إلى مخيم الهول“.
ويشير دلو إلى عدم تبني أي جهة للحالات الباردة داخل المخيم مثل عمليات استئصال اللوزتين والمرارة والزائدة والفتق، لافتاً إلى ضرورة توفر جهة تقدم المساعدة لهذه الحالات أو تأسيس مشفى مصغّر لاستقبالهم.
علاوة على ذلك يعاني ذوو الإعاقة وأصحاب الأمراض المزمنة من تهميش وإهمال، فهم لا يحصلون على ما يكفي من الأدوات المخصصة لهم، أو الأدوية.
ويبلغ عدد المصابين بأمراض مزمنة داخل المخيم 445 مصاباً، إضافة لوجود نحو 475 شخصاً من ذوي الإعاقة، وفقاً لدلو.
يوضح دلو: “يقدم الهلال الأحمر الكردي أدوية القلب والسكري لكن ليس بالكمية الكافية التي يحتاجها النازحون وهي غير متوفرة بشكل مجاني في المراكز الطبية، ما يجعل وضعهم سيئاً جداً لا سيما مع ما يعانونه من أوضاع اقتصادية صعبة، كما لا تتوفر احتياجات ذوي الإعاقة سواء من كرسي متحرك أو غيره بشكلٍ كافٍ“.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته بتاريخ 22 آب/أغسطس 2023، إن عشرات الآلاف من النازحين في المخيمات والملاجئ المكتظة في شمال شرق سوريا لا يتلقون مساعدات مستمرة أو كافية، مما يؤثر سلباً على حقوقهم الأساسية. ثمة حاجة ملحة لتأمين مآوي مناسبة للطقس، وصرف صحي كافٍ، ووصول ملائم إلى الغذاء ومياه الشرب النظيفة والرعاية الصحية والتعليم. وطالبت الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الأخرى والإدارة الذاتية بإيلاء الاهتمام الفوري إلى الوضع الإنساني الحرج الذي يتكشف في المخيمات غير الرسمية والملاجئ الجماعية عبر إعطاء الأولوية لنهج قائم على الحقوق.
8. وضع رأس العين/سري كانيه وتل أبيض اليوم:
تتسم مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض بانتشار فوضى أمنية تتمثل بالسلب والاستيلاء على ممتلكات السكان الأصليين، وعمليات الاعتقال والتعذيب وسوء المعاملة، فضلاً عن تردي الخدمات والبنى التحتية وغلاء الأسعار.
ويصف حكمت محمد حال رأس العين/سري كانيه في ظل انتشار الفصائل المسلحة بالسيئة جداً، مضيفاً: “الفصائل منتشرة في أحياء المدينة بعد أن سلبت ونهبت ممتلكات الأهالي بشكل ممنهج، ولكل فصيل سلطة وقانون خاص به مع غياب أي إطار قانوني جامع، كما تعاني المدينة من سوء الخدمات الصحية وعدم توفر فرص العمل وقلة الدعم المقدم للقطاع الزراعي وهي رغم خيراتها الوفيرة تعيش أسوأ مراحلها“.
تتشابه الأحوال في مدينة تل أبيض/كري سبي، وفق ما تبيّن جوليا ابنة المدينة التي اضطرت إلى النزوح عقب العملية العسكرية التركية إلى الرقة، ولم تتمكن من العودة إليها نتيجة ما خلّفه الاتفاقان اللذان وقعتهما تركيا لترسيخ وجودها في المنطقة.
وتصف جوليا حال تل أبيض اليوم بالقول: “يواجه الأهالي الذين بقيوا داخل المدينة الاضطهاد والاعتقال من قبل فصائل الجيش الوطني، مع استمرار الضغوط النفسية عليهم بشكل يومي، وانقطاع الكهرباء وغلاء أسعار المحروقات ومادة الخبز، وعدم توفر المستلزمات الطبية والمشافي المؤهلة“.
من جانبها تشير الصحفية شيرا أوسي إلى أن عدد أهالي رأس العين/سري كانيه الذين تمكنوا من العودة إليها قليل جداً، وهم يعيشون ظروفاً صعبة وخوفاً مستمراً من حدوث أي نزاع داخلي، لافتة إلى تعرّض الكثير من الأهالي الذين حاولوا العودة للاطمئنان على أملاكهم لانتهاكات عديدة.
توضح شيرا: “كل من يعيش الآن في رأس العين/سري كانيه معرّض يومياً للخطر، وقبل كل شيء تهان كرامته، وقد تعرّض بعض الأشخاص الذين عادوا للاطمئنان على بيوتهم وذكرياتهم أو لجلب بعض المستلزمات الأساسية لتساعدهم على تحمّل ظروف النزوح القاسية، للتعذيب والإهانة أو للاختطاف وطلب الفدية، فلم يستطع الكثير منهم الوصول إلى بيوتهم، أما من وصل فقد تمّ طرده من قبل السكان الذين استولوا على منزله“.
بدوره يشير الناشط المدني، ريان أخته، إلى أنه رغم عودة بعض العائلات إلى رأس العين/سري كانيه عقب انتهاء العملية العسكرية التركية إلا أن عائلات أخرى غادرتها لأسباب عدة تتجلى في: “فقدان الأمن وانتشار الفوضى، انعدام سبل العيش والاستقرار، انتشار الجريمة والقتل والابتزاز، التغيير الديموغرافي لأهل المدينة الأصليين، انعدام حقوق السكان الأصليين ودورهم في إدارة المدينة وتحكّم آخرين في مفاصلها وفرضهم لتوجهات وسياسات خارجية“.
المدير التنفيذي لرابطة دار لضحايا التهجير القسري، محي الدين عيسو، المنحدر من مدينة رأس العين/سري كانيه ويقيم في ألمانيا، يؤكد بدوره ما تمارسه فصائل “الجيش الوطني” من انتهاكات بحق الأهالي، مشيراً إلى أن تركيا مستفيدة مما يحدث:
“إن فصائل الجيش الوطني هي مجرد أدوات تابعة للاحتلال التركي تأتمر بأمره، وهي تمارس أبشع أنواع الانتهاكات بحق سكان رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي من الخطف والاعتقال والتعذيب، إلى الاستيلاء على ممتلكات المهجّرين قسراً ومنع عودتهم إلى مدنهم، علاوة على إحداث التغيير الديموغرافي عبر السماح للمستوطنين الجدد بالعيش داخل المدن ومنحهم المنازل والأراضي والمحال التجارية العائدة للمهجرين“.
ويضيف: “تستطيع الحكومة التركية ضبط إيقاع تلك الفصائل لكنها لا ترغب بذلك فكل تلك الجرائم والانتهاكات تصب في مصلحتها“.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية أكدت في تقرير لها صدر في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 أن: “الإعدامات، ونهب الممتلكات، ومنع عودة النازحين إلى ديارهم هي أدلة دامغة على أن (المناطق الآمنة) المقترحة من تركيا لن تكون آمنة. خلافاً للرواية التركية بأن عمليتها ستنشئ منطقة آمنة، فإن الجماعات التي تستخدمها لإدارة المنطقة ترتكب انتهاكات ضد المدنيين وتُميّز على أُسس عرقية”.
وقد تسبّب القصف التركي المتكرر على المناطق السورية المحاذية لحدودها، وتحذيراتها الدائمة من إمكانية شنّ حرب جديدة في شعور أهالي المدن والنازحين بانعدام الأمان والخوف الدائم وعدم قدرتهم على الاستقرار، فضلاً عن نزوح بعض العائلات لمرات عدة، وفق ما تبين الناشطة كلستان عفدكي.
ويحذر الكاتب والباحث، شورش درويش، من مخاطر التجاوزات التركية في تلك المناطق ومن مغبّة السكوت عنها، يقول بهذا الصدد: “إن القصف التركي يتسبب بحالة قلق ملحوظة، هناك أبرياء قُتلوا في الغارات الجوية وعمليات القصف في تل تمر وعين عيسى ومنبج، ونازحون فقدوا حياتهم، ولا توجد عملية إدانة دولية أو أممية للانتهاكات التركية المتواصلة، هناك نوع من الصمت الذي يرى بأن القصف التركي هو أمر عادي فيما يدفع سكان المناطق التي تتعرض له إلى مغادرة أماكن سكناهم بحثاً عن الملاذ الآمن والتفريط بممتلكاتهم رغم فقر معظمهم، أو البقاء وتحمّل عواقب ذلك“.
أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا بتقريرها الصادر في حزيران/يونيو 2023، في إطار عملها على مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، ومنها رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، أن “الجيش الوطني” ارتكب في سياق الاحتجاز جرائم حرب تتمثل في التعذيب والمعاملة القاسية وأخذ الرهائن والاغتصاب والعنف الجنسي فضلاً عن أعمال ترقى إلى مستوى الاختفاء القسري.
ويشمل الضحايا على وجه الخصوص الأشخاص الذين يُشتبه أن لديهم صلات بوحدات حماية الشعب الكردية أو قوات سوريا الديمقراطية وتم استجواب المعتقلين وأغلبهم من أصل كردي حول عقيدتهم وانتمائهم الإثني ومُنع عنهم الغذاء أو الماء.
9. انتهاكات حقوق الملكية:
منذ سيطرتها على مناطق رأس العين وتل أبيض عمدت فصائل “الجيش الوطني” إلى الاستيلاء على ممتلكات المدنيين الذين فروا من المعارك، وتحويل بعضها إلى مقرات عسكرية أو إسكان عائلات مقاتليهم، وفي بعض الحالات أُجبر السكان على ترك منازلهم من خلال التهديد والابتزاز والقتل والاختطاف والتعذيب والاحتجاز، وفق ما تؤكد منظمات حقوقية وسكان محليون.
ويروي محي الدين عيسو ما حلّ بممتلكات عائلته عقب سيطرة فصائل “الجيش الوطني” على رأس العين/سري كانيه، ومحاولاته التي باءت بالفشل لاستعادتها.
يقول محي الدين: “تم الاستيلاء على ثلاث منازل عائدة لعائلتي في رأس العين/سري كانيه بعد الاحتلال التركي للمدينة عام 2019، وفي حزيران/يونيو 2020 تمّ تحويل إحدى تلك المنازل إلى معهد لتحفيظ القرآن من قبل منظمة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)، وافتتح والي مدينة أورفا المعهد في نقلٍ حيٍّ ومباشر على وسائل الإعلام“.
ويضيف: “لا تحتاج تركيا والفصائل العسكرية التابعة لها أي ذريعة للاستيلاء على منازل المدنيين في المناطق المحتلة فهي تستبيح البشر والحجر، وتعتبر أن تلك المناطق وأملاك المدنيين فيها غنيمة حرب حتى تمنع الأهالي من العودة إلى مدينتهم بهدف إحداث التغيير الديموغرافي في المنطقة“.
ويتابع حول محاولات استعادة الأملاك: “لا أحد من المدنيين يستطيع إعادة ممتلكاته المنهوبة لأنهم لا يسمحون للأهالي بالعودة إلى مدنهم، كانت محاولاتنا عبر الضغط من خلال وسائل الإعلام والمنظمات المدنية المحلية والدولية لفضح السياسة الممنهجة في نهب ممتلكات المهجّرين قسراً، وإيصال أصواتهم إلى المنظمات الدولية للضغط على الحكومة التركية كسلطة احتلال، لكن للأسف ما يزال منزل عائلتي مستولاً عليه من قبل منظمة الإغاثة التركية، وترفض الخروج من المنزل كسائر ممتلكات المهجّرين قسراً من رأس العين/سري كانيه“.
بدوره يروي الباحث والأكاديمي السوري، د. إبراهيم مسلم، ما حلّ بمنزل عائلته في تل أبيض عقب دخول القوات التركية مع فصائل “الجيش الوطني” إلى المدينة: “في تشرين الأول/أكتوبر 2019 خرجت عائلتي من تل أبيض، لكن والدي رفض ترك المنزل بدايةً، وكنتُ خائفاً من أن يتعرض للتوقيف وهو الأمر الذي حصل مع كثير من الأشخاص، لكنه لاحقاً سلّم البيت مع أغراضه كأمانة إلى عائلة تمتلك محلاً تجارياً مواجه منزلنا، وبعد ثلاثة أشهر أخبروا والدي بأنهم لا يمكنهم الحفاظ على المنزل لأن عائلة عراقية من الهاربين من مخيم عين عيسى طلبت السكن فيه“.
ويضيف: “مع بداية عام 2020 صار المنزل ملكاً لعائلة عراقية بناء على توجيهات المجلس المحلي، طلبنا منها كثيراً الحفاظ على المنزل وممتلكاته لكننا سمعنا أنها باعت الكثير من أغراضنا، وقد تعرّض والدي على إثر ذلك للانزعاج الشديد ثم فجأة مرض وتوفي“.
ويتابع: “منذ ذلك الوقت لم نتواصل مع أحد لمعرفة مصير منزلنا لكن منذ أقل من سبعة أشهر عرض شخصان يعملان مع المجلس المحلي على أخي شراءه مقابل مبلغ مالي جيد لكننا قررنا عدم بيعه على أمل أن نعود يوماً ما إلى تل أبيض“.
وبحسب د. إبراهيم فإن جميع منازل أهالي تل أبيض الذين هُجّروا من المنطقة باتت تحت تصرف المجلس المحلي الذي تشكّل بعد دخول تركيا وهو من يوزع المنازل على العائلات، حتى الأراضي الزراعية أصبحت تابعة للمجلس المحلي أو المجالس العسكرية وهم يزرعونها حالياً ويستفيدون من خيراتها.
من جهته يؤكد، ريان أخته، استيلاء الفصائل والمدنيين الجدد الذين قدموا إلى رأس العين/سري كانيه على البيوت والمحلات والعقارات والأراضي الزراعية العائدة للسكان الأصليين، مشيراً إلى أن العديد من الأهالي الذين لم يغادروا المدينة أُجبروا على دفع مبالغ مالية مقابل البقاء في منازلهم أو استرداد أراضيهم كنوع من الابتزاز والتحكم، كما يطالَب البعض الآخر بدفع مبالغ مالية بحجة المحافظة على أملاكهم لحين العودة.
أما كابي فيبين أن جميع أملاكه لا تزال موجودة في رأس العين/سري كانيه إلا أن الظروف الحالية لا تزال غير مواتية للعودة ويبيّن: “أحتفظ ببيان قيد عقاري وسند ملكية وأوراق ثبوتية، كل شيء لا يزال موجوداً إن كان عقارات أو أراضٍ زراعية أو آليات، لكن الوضع لا يسمح حالياً بالعودة إلى المنطقة من جميع النواحي“.
رأي قانوني:
من غير المقبول قانوناً إطلاق تسمية “اتفاقيات” على التفاهمات غير المشروعة التي تمّت بين كلّ من تركيا والولايات المتحدة من جهة، وبين تركيا وروسيا من جهة أخرى، وكانت نتيجتها السماح لتركيا باجتياح منطقتي تل أبيض ورأس العين/سري كانيه واحتلالها لاحقاً، وذلك لأن تلك التفاهمات طالت أراضي دولة أخرى، هي سوريا، والأخيرة لم تكن طرفاً في تلك التفاهمات، ولم تقبل لاحقاً بنتيجتها، بل على العكس اشترطت انسحاب تركيا من الأراضي السورية التي تحتلها كشرط لإعادة تطبيع العلاقات معها.
ثم إن الدستور السوري قد اشترط لسريان أي اتفاقية تجاه الدولة السورية، سواء كانت ثنائية أم جماعية، أن تتم المصادقة عليها وإقرارها من قبل مجلس الشعب السوري (البرلمان)،[2] أمّا التفاهمات أو التسويات التي تناولها هذا التقرير، لم تُعرضْ على البرلمان السوري أصلاً، ولم تنل مصادقته أو إقراره، وبالتالي لا يمكن لأي كان الاحتجاج بها ضد الدولة السورية، والشعب السوري غير ملزم قانوناً بتحمل نتائج تسويات ومقايضات لم يكن على علم أو إطلاع بها، لا بصورة مباشرة ولا بصورة غير مباشرة من خلال “ممثليه” في مجلس الشعب، وتعتبر بالتالي بحكم المعدومة، ويتوجب على الدول المتورطة فيها القيام بمسؤولياتها والعمل على إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل عملية الاحتلال التي نتجت عن تلك التسويات.
ولأن الدولة التركية لم تعترف لاحقاً بكونها دولة احتلال ولم تلتزم بالنتيجة بواجباتها وفقا لما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، أدّى هذا الأمر إلى خلق حالة من الفوضى وانعدام الأمن في المنطقة، وبالتالي ارتكاب الكثير من الانتهاكات بحق السكان والأهالي المدنيين من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري” المُسيطَر عليه فعلياً من قبل الحكومة التركية، كالقتل خارج نطاق القضاء والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والتهجير القسري وعمليات النهب ومصادرة الممتلكات، وغيرها من الانتهاكات والجرائم التي ترافقت أو تلت العمليات العسكرية، والتي قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يقتضي تحرك الدول المتورطة في التفاهمات المذكورة لوقف تلك الانتهاكات، والإسراع في محاسبة المتورطين فيها.
إن تهرب الدولية التركية من التوصيف الصحيح للوضع القانوني لما يسمى منطقة “نبع السلام” باعتباره حالة احتلال لا يُعفيها من مسؤولياتها القانونية، حيث أن نفاذ القانون الدولي للاحتلال ليس مرهوناً باعتراف القوة المحتلة أو تبريرات وجودها، تدخلها، أو سيطرتها.[3] نظراً للطبيعة العرفية لأحكام القانون الدولي التي تعرّف الاحتلال،[4] فمن الثابت أنه “بموجب القانون الدولي العرفي كما هو موضح في المادة 42 من الأنظمة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة المؤرخة 18 أكتوبر 1907، تعتبر الأراضي محتلة عندما توضع فعليًا تحت سلطة الجيش المعادي، ويمتد الاحتلال فقط إلى الأراضي التي أنشئت فيها هذه السلطة ويمكن ممارستها”.[5] بناءً على ذلك، فإن استنتاج أن القوة الموجودة على أراضي دولة أخرى هي قوة احتلال لا يعتمد فحسب على مدى الانتشار العسكري لتلك القوة التي يمكن أن تتمركز في مواقع محددة فقط، إنما على إنشائها وممارستها للسلطة على المناطق التي تدخلت فيها.
وعلى الرغم من أن القانون الدولي الإنساني يفرض على أطراف النزاع حماية المدنيين في كل الظروف وبغض النظر عن تصنيف النزاع المسلح، إلا أن هذا القانون يفرض على قوة الاحتلال مستويات إضافية من الحماية والضمانات للسكان المدنيين على اعتبار أن الاحتلال يعتبر اعتداءً على سيادة دولة أخرى، ويجب أن يكون حالة مؤقتة، وبالتالي على قوة الاحتلال عدم القيام بتغييرات تؤثر بشكل فعلي على هذه الحالة. هذا يعني أن الدولة التركية مُلزمة بجميع ضمانات الحماية الواردة في مختلف أحكان القانون الدولي، بالإضافة إلى الواجبات الأخرى الواقعة على عاتقها بصفتها قوة احتلال.
وبالنظر إلى تطور الأحداث فيما يسمى مناطق “نبع السلام”، فمنذ بدء الأعمال العدائية من الجانب التركي لم يتم الالتزام بأحكام القانون الدولي خاصة فيما يتعلق بمنع تهجير السكان المدنيين. الأصل هو أن يمتنع أطراف النزاع عن استهداف السكان المدنيين والأعيان المدنية بشكل مباشر عملاً بمبدأ التمييز الذي يعتبر أحد قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي. إن أحد غايات هذا الواجب هو منع تهجير السكان المدنيين كأحد عناصر حماية المدنيين من آثار النزاع المسلح. من المتوقع خلال الأعمال العدائية أن يفرّ المدنيون سعياً وراء الحماية، ولكن هذا لا يعني أن هذا الفرار يُعفي أطراف النزاع من مسؤولياتهم القانونية أو أن يثبت هذا الفرار كواقع دائم. على أطراف النزاع اتخاذ الاحتياطات اللازمة قبل شنّ الهجوم العسكري، ومن ذلك ضمان الإجلاء الآمن والمؤقت للسكان إذا لم يكن هناك خيار آخر بسبب الضرورة العسكرية القهرية أو بسبب عدم القدرة على ضمان أمن هؤلاء السكان.
بالمقارنة مع سير الأعمال العدائية لما يسمى بعملية نبع السلام، لم يكن هناك أي إجراءات احتياطية لتجنيب السكان آثار العمليات العسكرية التي لم تكن موجهة إلى أهداف عسكرية محددة، كما لم تتخذ القوات التركية المهاجمة أية تدابير تضمن الإجلاء الآمن والمؤقت للسكان لحين انتهاء أية ضرورات عسكرية قهرية. على العكس من ذلك، لقد استخدمت القوة العسكرية المباشرة لإكراه السكان المدنيين على المغادرة ضد إرادتهم ودون خيار حقيقي، وهو ما يمثل جوهر مفهوم التهجير القسري كما بات مثبتاً في الفقه القضائي للمحاكم الدولية.[6] كما تجدر الإشارة إلى أن تدابير الإخلاء التي يجيزها القانون الدولي الإنساني يجب أن تكون لمصلحة السكان المدنيين الفضلى.[7]
وعلاوة على أن التهجير القسري محظور كأحد قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، تبقى السلطات المعنية ملزَمةً بجملة من الواجبات والضمانات القانونية في التعامل مع المهجرين قسرياً خلال وبعد تهجيرهم. ويحظى موضوعي المعاملة الإنسانية وحماية ممتلكات المهجرين قسرياً حيزاً كبيراً من هذه الواجبات والضمانات.
نظراً للطبيعة المؤقتة المفترضة لإجلاء السكان المدنيين، على قوة الاحتلال في حال كان الإجلاء لمصلحة المدنيين الفضلى أن تعمل على نقلهم واستقبالهم في مراكز آمنة وخاصة داخل المناطق المحتلة لأن في ذلك ضمان أكبر لعودتهم بعد انتفاء الأسباب التي أدت إلى إجلائهم في المقام الأول،[8] وكذلك كي تتمكن قوة الاحتلال من تنفيذ باقي التزاماتها المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 49 من اتفاقية جنيف التي تنص على أنه “يجب على دولة الاحتلال التي تتولى عمليات النقل أو الإخلاء هذه أن تضمن، إلى أقصى حد ممكن عمليًا، توفير أماكن الإقامة المناسبة لاستقبال الأشخاص المحميين، وأن تتم عمليات الإخلاء في ظروف مرضية من حيث النظافة والصحة والسلامة والتغذية، وألا يتم فصل أفراد العائلة الواحدة”.
إن ما نتج عن العملية العسكرية التركية من تهجير للسكان المدنيين متبوع بممارسة ترقى أن تكون ممنهجة من منع العودة بشكل مباشر أو غير مباشر يعني أن سلطة الاحتلال التركي تتعمد نقل السكان المدنيين قسرياً من المناطق التي تحتلها في مخالفة واضحة للفقرة الأولى من المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، باعتبارها انعكاساً للقانون الدولي العرفي كذلك.
فيما يتعلق بممتلكات المهجرين، يعتبر احترام حقوق الملكية للمهجرين أحد قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي. وفيما يخص الاحتلال، تفرض المادة 46 من لوائح لاهاي على قوة الاحتلال احترام الملكية الخاصة وتمنع مصادرتها. إن منع المالك الأصلي من ممارسة حقوقه الطبيعية في ملكيته ومن ضمنها الوصول إليها ودخولها يعتبر شكلاً من أشكال خسارة هذه الملكية لصالح من يقوم بالمنع. وقد التفت القانون الدولي الإنساني إلى احتمالية إبرام اتفاقات أو ترتيبات مع سلطات الأراضي المحتلة من قبل سلطة الاحتلال كوسيلة فعالة يمكن لسلطة الاحتلال أن تحاول من خلالها تحرير نفسها من الالتزامات التي يفرضها عليها قانون الاحتلال.[9] لذلك تنص المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه “لا يجوز حرمان الأشخاص المحميين الموجودين في الأراضي المحتلة، بأي حال أو بأي شكل من الأشكال، من فوائد هذه الاتفاقية بسبب أي تغيير يطرأ، نتيجة لاحتلال إقليم ما، على مؤسسات أو حكومات الدولة، ولا بموجب أي اتفاق مبرم بين سلطات الأراضي المحتلة ودولة الاحتلال، ولا بموجب أي ضم من قبل الأخيرة لكل أو جزء من الأراضي المحتلة”. وبالتالي، فإن أية ترتيبات تفرضها أو تتفق عليها سلطة الاحتلال مع أية سلطات محلية في المناطق المحتلة لا يمكنها أن تجعل من انتهاك حقوق سكان تلك المناطق مبرراً، ولا أن تبرر تجاوز وإقصاء القانون الوطني والمؤسسات والإجراءات الرسمية التي يحظر على سلطة الاحتلال تغييرها إلا بالحد الذي يمكن أن يكون لصالح السكان المدنيين.
وأخيراً، إن تمركز مخيمات المهجرين قسراً خارج مناطق الاحتلال التركي لا يُعفي سلطة الاحتلال من واجباتها القانونية في أنها المتسببة أساساً في هذا التهجير. وبالرغم من ذلك، لا تزال باقي الأطراف ذات الصلة، وفي مقدمتها الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا كونها الجهة التي تمارس سيطرة فعلية على هذه المخيمات، مُلزمة بتأمين الحاجات الإنسانية للمهجرين قسرياً، خاصة من خلال تيسير وصول الإغاثة الإنسانية والتعاون مع الفاعلين الإنسانيين محلياً ودولياً. فالمبدأ الثالث من المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي تنص على أنه “تقع على عاتق السلطات الوطنية، في المقام الأول وفي نطاق ولايتها، واجب ومسؤولية توفير الحماية والمساعدة الإنسانية للمشردين داخلياً”، كما تؤكد على أنه “للمشردين داخلياً حق طلب وتلقي الحماية والمساعدة الإنسانية من هذه السلطات. ولا يجوز اضطهادهم أو معاقبتهم بسبب تقديمهم طلباً كهذا”.
11. خاتمة:
مع كل ما خلّفه الاتفاقان الأمريكي- التركي، والروسي- التركي من أثر سلبي على حياة أهالي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، لا تبدو شروط عودتهم إلى مناطقهم الأصلية في ظل الظروف الحالية محققة، خاصة في ظل غياب بيئة آمنة ومحايدة، تسبقها إجراءات بناء ثقة تتعلق بمحاسبة المتورطين، وإعادة الحقوق لأصحابها.
ويرى المدير التنفيذي لرابطة دار لضحايا التهجير القسري، محي الدين عيسو، أن ما جاء باتفاق دولي لا يمكن أن يذهب إلا باتفاق دولي آخر، وهو ما يبدو غير وارد على المدى القريب، وبالتالي فإن معاناة المهجّرين قسراً ستستمر.
وللتخفيف من أثر الاتفاقين يؤكد محي الدين على ضرورة أن تعمل المنظمات المدنية عبر وسائل المناصرة على إيصال أصوات المهجّرين قسراً إلى الحكومات والمنظمات الدولية لتقديم المساعدة لهم بالأخص للذين يعيشون في المخيمات ومراكز الإيواء، ومحاولة الضغط على المجتمع الدولي لعودة المهجّرين قسراً إلى مدنهم وقراهم عودة آمنة وطوعية وكريمة، واستعادة ممتلكاتهم المنهوبة ومحاسبة المتورطين في تلك الانتهاكات والجرائم، وذلك بعد خروج الفصائل العسكرية من مراكز المدن والبلدات، لضمان سلامة العائدين وعدم ممارسة الانتهاكات بحقهم.
يتفق الناشط السياسي المستقل، حكمت محمد، مع محي الدين على ضرورة إخراج المسلحين من رأس العين/سري كانيه وتل أبيض كشرط لعودة المهجّرين، إلى جانب تشكيل إدارة مدنية من الأهالي، وتأمين عودة آمنة لكل المهجّرين قسراً بضمان وإشراف وإدارة دولية من قبل الأمم المتحدة، لحين الوصول إلى الحل السياسي السوري الشامل.
كما تؤكد مسؤولة لجنة التدريب والتربية ومتابعة أمور النازحين في مراكز الإيواء، بثينة أيندر، على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين وتسهيل الحياة عليهم إلى حين تحقيق مطالبهم بالعودة الآمنة.
بدورها تؤكد الصحفية شيرا أوسي، على ضرورة أن تقوم الدول العظمى المتواجدة في المنطقة لا سيما روسيا وأمريكا، بالضغط على الحكومة التركية للانسحاب من المناطق التي احتلتها، وتكثيف الجهود لنقل معاناة الأهالي والنازحين لمجلس الأمن الدولي وجمعيات حقوق الإنسان ذات الصلة.
[1] وكانت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية IHH، قد نقلت 139 عائلة عراقية من رأس العين/سري كانيه وتل أبيض إلى تركيا، بتاريخ 2 حزيران/يونيو 2022، لإعادتها إلى بلادها بالتنسيق مع القنصلية العراقية في ولاية غازي عنتاب التركية ومكتب المهجرين والمغتربين العراقيين في اسطنبول، من بينها 131 عائلة كانت تقطن في مدينة رأس العين، وهي المرة الثانية التي تقوم فيها الهيئة بنقل عائلات عراقية من مناطق “نبع السلام” إلى داخل الأراضي التركية، حيث سبق أن قامت بنقل 57 عائلة عراقية من المنطقة في أيلول/سبتمبر 2021.
[2] المادة 75 من دستور سوريا لعام 2012
[3] Democratic Republic of the Congo v. Uganda, Judgment, ICJ Reports 2005, p. 168, paras. 78,91.
[4] Legal Consequences of the Construction of a Wall in the Occupied Palestinian Territory (Advisory Opinion), ICJ Reports 2004, p. 136, para. 89.
[5] Democratic Republic of the Congo v. Uganda, Judgment, ICJ Reports 2005, p. 168, paras. 78,91.
[6] ICTY, Prosecutor v. Radovan Karadžić, Case No. IT-95-5/18-T, Public Redacted Version of Judgement Issued on 24 March 2016 – Volume I of IV (TC), 24 March 2016, § 489.
[7] ICRC, Commentary on Geneva Convention IV relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War (1958 edition), p. 280.
[8] Ibid.
[9] ICRC, Commentary on Geneva Convention IV relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War (1958 edition), p. 274.
[1]