هل كردستان تتجه نحو الحضارة - الجزء الأول
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6556 - #06-05-2020# - 09:58
المحور: القضية الكردية
هل حقا تستيقظ الحركة السياسية الكردية من سباتها الطويل؟ وهل توسعت مداركها، وأدركت أخطاءها؟ وأن كانت، فهل هي على مستوى أنتقاء الدروب الصحيحة؟ وهل المبادرات الأخيرة، التي جاءت على خلفية الإملاءات الخارجية، وبعد الإنتقادات والتوجيهات الشريحة الواعية من الحراك الثقافي، كافية لإنقاذ ذاتها من الضحالة وقيادة المجتمع لبلوغ الهدف؟ أم أنها تحركات مرحلية وستعود إلى مستنقعها، وستعود لتسلك دروب التيه، في حال هدأت الأسباب، أم أنها بلغت مرحلة الوعي وبدأت تعي مجريات الأحداث المحاطة بأمتنا؟ وأصبحت تتقبل المفاهيم الحضارية عن وعي وإدراك، وبدأت تستوعب الواقع؟
أم أن ما يجري هي إملاءات خارجية لأحزاب لا حول ولا قوة لها، تنفذ ما تفرض عليها؟ وأنها ليست على دراية بما تنفذه، رغم أبعادها الحضارية؟ وأنها ليست على مستوى المسؤولية لقيادة الأمة؟ كما وهي لا تزال تحت هيمنة شريحة ساذجة، تمنع النخبة الواعية من قيادة الحركة، وتستند على أشباه المثقفين السياسيين الذين لا يميزون بين جدلية المثقف والسياسي المثقف، الذين لا يزالون يتخبطون بين ما قرأوه بعيونهم ولم تستوعبها مداركهم، غارقون في ضحالتهم المعرفية، وهي الشريحة التي لا تعرف أنها لا تعرف، ولا تدرك كيف ومتى وعلى من تطلق الأحكام؟ فهل علينا أن نستمر في العمل على جدلية إعادة الإنتاج لأحزابنا المتحكمة، لإنجاح ما يجري وما يملى علينا؟
ما عرضناه، جاءت على خلفية النشاطات والبيانات الصادرة من الحركة السياسية لإدارة المناطق ضمن الجزئين الجنوبي والغربي من كردستان، فيما إذا نجحت وطبقت بمنهجية صادقة، كما أعلنت عنها في بيانات وتصريحات متواضعة، ستنقل كردستان بإقليميها إلى أبعاد ديمقراطية حضارية لا مثيل لهما في شرقنا، وعلى الأغلب ستعرض النظم السياسية والإدارية في دول المحتلة لكردستان إلى انتقادات داخلية وخارجية واسعة، ولربما إلى خطر الانهيار الداخلي، ولهذا فمن المتوقع؛ ولاجتناب المعضلة ستتحرك السلطات المتأثرة في اتجاهين، داخليا ستحاول ترسيخ الشمولية الدكتاتورية، وتوسيع المواجهة العدائية ضد أقاليم كردستان. لأن تجربتهما، فيما إذا نجحت، ستوعي شعوب تلك الدول على تجربة نوعية حضارية لإدارة الشعوب.
فما يتبدى للشارع الكردستاني حتى الآن أن أبعاد نشاطات الجزء الغربي، وحيث التقارب بين الكتل السياسية رغم الاختلافات الماضية، والتضارب في المفاهيم الإيديولوجية، تتجه نحو اتفاقيات تعكس أحلام الشعب الكردي. وفي الإقليم الفيدرالي الكردستاني، تم تقديم مطالب للسلطة الفيدرالية لتطبيق نظام الإدارة الذاتية للمدن أو المحافظات ضمن الإقليم، وهذه تتبين من الوهلة الأولى أنها متعارضة مع أمال الأمة الكردية، وتعكس التباعد بين المناطق أو شبه تقسيم لجغرافيتها وديمغرافيتها الواحدة. والنشاطين إن كانت بدوافع ذاتية أو تحت تأثيرات خارجية، فهي تتأرجح ما بين تقزيم قضيتنا القومية وإنجاحها، والحالتين تدفع بنا لإلقاء الضوء عليهما، وعرض مقارنة؛ واستخلاص نتيجة.
1- على ساحة جنوب غرب كردستان:
وبالمقابل؛ تظهر بوادر تطبيق نظام ديمقراطي في غربي كردستان، رغم ظروف الحرب وضغوطات القوى المتربصة بالكرد، من خلال احتمالية توسيع إدارة المنطقة، وإشراك القوى الكردية الأخرى فيها. وضعت الاحتمالية على خلفية الاجتماعات التي جرت بين قيادات الأنكسي وال تف دم في غرب كردستان، مع التحفظ على بعض النقاط، بعد خلافات حادة على مدى السنوات الثمانية الماضية، علما أن التقارب الجاري حاليا؛ جلها بفضل القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما كانت عرابة تجاوز الخلافات بين السليمانية وهولير، كما ذكرنا.
ولا شك الرضوخ أو تقبل إملاءات الدول الكبرى، وعلى رأسها أمريكا، ليست ناقصة، بل تعكس بوادر نمو الوعي السياسي، وبدايات إدراك ما يجري على الساحات الدولية، على أن هناك مصالح للدول الكبرى تتقاطع مع مصالح الشعب الكردي في المنطقة، كما وتعكس عن معرفة ما لخفايا التحركات الدبلوماسية للقوى الإقليمية وخاصة المحتلة لكردستان؛ المحتكرة للعلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع تلك الدول، والمتراجعة هيمنتها قليلا مقابل صعود الثقل الكردي السياسي والاقتصادي، وبالتالي لا بد من تنمية الوعي الذاتي، لاستغلالها قدر الإمكان بحنكة سياسية.
وعلينا أن ندرك أن المصالح هي التي تتحكم بالعلاقات الدولية، وبالتالي يتطلب منا تقبل المفروض، ولنكن واقعيين فجميع القوى المتواجدة في سوريا تتهافت للحصول على الإملاءات الخارجية التي ترافقها الدعم، وتجربة المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري مع تركيا واضحة للجميع، ومثلها تقبل سلطة بشار الأسد لإملاءات حكومة إيران، بل وحتى القوى الإقليمية تسخر كل دبلوماسيتها لدمج مصالحها مع مصالح أمريكا وروسيا، وجميعها تدرج ضمن خباثة العلاقات السياسية، مع عدمية القيم.
فبوادر تجاوز الخلافات في غرب كردستان، والتي تتعلق كثيرا بمدى تنازل ال ب ي د والإدارة الذاتية والجناح العسكري لها أي قوات سوريا الديمقراطية عن مواقفها المتشددة من الحركة الكردية المعارضة لهم، وتقبلها التعامل مع الأطراف الكردية الأخرى، والاتفاق على بعض نقاط التقاطع، في البعدين القومي والوطني، تعكس خطوة نحو الوعي الحضاري في حل الخلافات بين الأطراف الكردية، وكما نعلم جرت المحادثات ضمن معسكر للقوات الأمريكية، ولا يهم إن كانت البنود قد فرضت بإملاءات أو بقبولها عن قناعة، بل المهم هنا هو التوافق على بعضها.
فالتصريحات الإيجابية الصادرة عنها حتى الآن، تعكس تفاءل بالمستقبل الكردي في جنوب غرب كردستان، بل ولكل سوريا، رغم أن المعلن عنه حتى الآن جلها عامة، ولا تتعرض إلى إشكاليات الصراع والخلافات الإدارية والعسكرية، ونحن هنا لا يهمنا الاختلافات الإيديولوجية والسياسية حاليا، لأن الاجتماعات بحد ذاتها خطوة إيجابية، وكثيرا ما طالبنا بها حتى ولو لم نتفق، خاصة وأنهما ومعهما كلية الحراك الكردي يحاولون إيجاد حل لكلية سوريا القادمة، وعلى أسسها يجب أن يتم التوافق على اللا مركزية في السلطة والنظام الفيدرالي؛ كبعد حضاري ليس فقط للواقع الكردي بل لجميع شعوب سوريا وطوائفها.
ومن جهة أخرى فاجتماع (الأنكسي وال ب ي د) من بين أطراف الحراك السياسي، مع التغييب لجهات كان لا بد من حضورها https://www.rudaw.net/kurmanci/kurdistan/0205202012 تعكس ناقصة، لا بد من تجاوزها مستقبلا، فالاجتماعات واحتمالية الوصول إلى نتائج إيجابية، بدون أغلبية الأطراف الأخرى، وحصرها ضمن الجهتين، ستقلل من احتماليات نجاحها، وقد تؤثر على بناء إدارة كردستانية ديمقراطية، وإهمالهم قد تؤدي إلى ديمومة إشكالية الأنا وإلغاء الأخر، وهي من المعضلات التي نصرخ بها ونطالب تجاوزها من خلال رفع مستوى الوعي القومي.
لا يستبعد أن اجتماع اللجنتين الأمريكية والفرنسية مع أكثر من ثلاثين شخصية يمثلون منظمات أو أحزاب، والاستماع إلى أراءهم، محاولة لقطع الطريق على هذه الإشكالية وإحساس الطرفين المتحاورين على أنهم يجب توسيع اللجان من جهة، ومن جهة أخرى إزالة المنهجية المستقاة من الأنظمة المحتلة، والثقافة المترسخة فينا وعلى مدى عقود بل وقرون طويلة، لذلك نأمل أن يتم تقزيم منطق الأنا في الاجتماعات القادمة، لتكون محل ترحيب أوسع ودعم من كلية الشارع الكردي؛ لأنها تتعلق بمصير الأمة، والتوجه نحو تطبيق نظام ديمقراطي قد يكون مثالا لأنظمة الشعوب المجاورة...
يتبع...
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]