من مآسي حراكنا الكردي الجزء الثاني
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6535 - #12-04-2020# - 10:02
المحور: القضية الكردية
كثيرا ما ينقدوني الإخوة، بل البعض يهاجموني، لأنني لا أشارك في الصراعات الجارية، رغم أنني لم أتوان يوما عن النقد، ومحاولة تصحيح الأخطاء، وفي جلها أستند على المفاهيم الملغية للخلافات، والتي تبحث عن الوطن وتتجاوز الانتماءات الحزبية الضيقة، وتتعارض مع الداعمة للصراعات السياسية، وأنا على قناعة بصحة رؤيتي على أن مفاهيم جديدة يجب أن تحل مكان البالية، أستند في هذا على دراستي لتاريخنا وجدلية الخلافات اللامنتهية بين شعبنا، والتي تتأزم اليوم بين الحراكين الثقافي والسياسي.
أود أن أعلم ومعي شريحة واسعة من الشعب الكردي، متى سنعترف كحراك ثقافي قبل السياسي، أننا نعاني من قلة الإدراك ولربما قلة الوعي أو حتى الجهالة في معالجة قضايانا؟ وأنه تم التعتيم على النخبة في حراكنا! وحراكنا الثقافي منذ صراعها مع الأحزاب لم تخرج بمردود يذكر، فلم تتمكن حتى تغيير مفاهيمها في الدفاع عن ذاتها أمام الحراك الثقافي، وكثيرا ما حصلت على رد فعل قاسية، وهو يؤكد لنا أن الأساليب المستخدمة في التعامل بين بعضنا، تكرار لماضينا المأزوم، وإن كانت بأوجه مختلفة، وقد أدت إلى خسارتنا للكثير من مكتسباتنا وديمومة هيمنة الأعداء، فما بين فترة وأخرى لا بد وأن يظهر صراع ما بين مجموعات من ضمن الحراك أو بين الأحزاب، وكثيرا ما يتجاوزون تهم التخوين، إلى التعرض لكرامة العائلات.
ومعظمنا ندرك أن إشكالية تأخرنا عن ركب الحضارة، والبقاء تحت رحمة المحتلين، تكمن في ديمومة تمسكنا بالمفاهيم البالية الماضية، دون محاولات جدية لتغييرها، والتي لن توصلنا إلى غايتنا، بمحاربة الأحزاب، أو بالصراع بين بعضنا، وبالتخوين أو عزل الذات عن القومية. ومن الغرابة أننا كنا نتقاتل سابقا على مفهوم الوطن، ما بين كردستان أو الجغرافيات اللقيطة، واليوم وبعد النهضة الفكرية نتصارع على جدليات طوباوية ما بين الأممية والوطن، وللأسف حراكنا الثقافي عوضا عن إيجاد الحلول تشارك في تصعيدها.
في العالم المتحضر، تمكن الحراك الثقافي، والإعلام، من أحداث التغيير في مجريات الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبرى، كما وغيرت ولمرات عدة من نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وفي بعضها عزلت رؤساء، وقضت على بعض الأحزاب، ونحن هنا لا نتحدث عما فعلته في توعية المجتمع، وتغيير المفاهيم، وتصحيح مسارات الحركات السياسية، لكن معظمنا يعرف أن بعضها خلقت ثورات، أو غيرت من مفاهيم الثورات، وجلها ظهرت وتظهر عندما تكون على قدرة من الوعي في معرفة ذاتها، وتتمكن من تحديد مكامن العطب ببعد رؤية، وبالتالي تنتقل من هدر طاقاتها في الصراعات الداخلية إلى تسخير إمكانياتها لإعادة الإنتاج الثقافي والسياسي، لا في محاربة البعض مثلما تجري بين أحزابنا، أو بينها وبين حراكنا الثقافي.
ولا نستغرب فيما إذا قلنا إن حراكنا الثقافي تملك هذه القدرات، لكنها ولسبب ما تهدرها في غير مجالاتها، وبالتالي تخسر الزمن وتتعتم رؤيتها، فتفشل في معالجة قضايا الشعب بل مثلها مثل الأحزاب لم تنجح في حل أية معضلة منذ ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن وأكثر. فبالمفاهيم الكلاسيكية، وبمشاركة الأحزاب في صراعاتها، وبالأدوات التي تستخدمها سوف لن تتمكن من معالجة قضايا الأمة بل لربما ستزيدها تعتيما، وستعيد أنتاج السلطة وتفتح لها الأبواب التي كادت أن تنغلق أمامها في السنوات السابقة.
في الماضي القريب كان من السهل تحديد العدو وأجنداته، بل هو ذاته لم يكن يخفيها، فلم يكن يبالي بقوتنا، ولا بما كنا نطالب به، أو نعمل عليه، لأنه كان يعلم ما غرزه بيننا من الأوبئة التنظيمية والفكرية، والتي لا تزال تظهر بين فينة وأخرى رغم السنوات التي غابت فيها سلطتي البعث والأسد عن الساحة، وما يجري اليوم بين حراكينا وأساليب حراكنا الثقافي في معالجة قضايانا الداخلية هي من ثمار ما غرزته السلطات بيننا، وللأسف نلاحظ أن طبيعة مفاهيمنا حتى اللحظة تسهل النمو لتلك البذور الفاسدة، والخلافات الجارية بين الأحزاب هي ثمارها المسمومة.
جدلية لا داعي لتكرارها، على أن حراكنا السياسي بأحزابها وعلى مدى العقود الطويلة لم تتمكن من تقديم شيء يذكر على سوية الشعب الكردي وقضيته، عندما هدرت إمكانياتها، أو فرضت عليها، بخلافات داخلية على شعارات الوطن بوجهيه الكردستاني أو الإقليمي، واليوم تهدرها على الإيديولوجيات ما بين الطوباوية الأممية أو القومية، ونحن لا نزال في مراحل التحرر الأولى، ولسنا هنا بصدد عرض صحتها أو خطأها ودراستها، بل بمدى قدرتها على تسخير أمكانيات أمتنا لبلوغ الهدف أو هدرها بدون نتيجة.
ولقلة حيلة حركتنا الثقافية وضعفها أصبحت تظهر ذاتها أنها لا تقل عن الأحزاب ضعفا فكرياً، بل أثبتت وفي الفترة الأخيرة، ومن خلال محاربتها للأحزاب الهزيلة أو الغارقة في صراعاتها وجلها بالوكالة، أنها تابعة لها، أو أنها كالتائه تبحث عن ولي أمر تتلقى منها الأوامر، وينور لها الدروب لا لتنور لهم، وبعكس الحركات الثقافية في العالم المتحضر، تتناسى أنها صاحبة التنوير، وولية أمر المجتمع وتربيته وتوعيته.
فالحراك الثقافي ومنذ ظهورها على الساحة في العقدين الأخيرين، كقوة منافسة، لم تتجاوز ساحة الانتقادات والتهجم على الأحزاب المحتضرة، كما ولم تتمكن من إعادة إنتاج بديلها، كما ولم تستطع لا إنعاشها ولا قتلها، وجل ما تقوم به تحافظ على بقائها خصما، لتتلهى بها، أو لتبيع الوطنيات بمحاربتها، والعملية في الواقع تذكرني بمن يطعن خصم للتباهي وهو ليس بخصم بل جثة تحتضر.
ومن الغرابة أنها في العقدين الأخرين لم تبحث عن أساليب ومفاهيم جديدة لعزلها، حتى أولئك الذين طرحوا مثل هذه الرغبة لم يستطيعوا، ولم يتجاوزوا حدود بياناتهم، وشريحة أخرى لم ترغب في عزلها عن الساحة، فهي ببقائها مصدر التبجح من خلال التهجم عليها وفي أقله نقدها بقسوة، ليظهر ذاته كالمنتصر، وهذا أقل ما كان يتوجب على الحراك الثقافي تقديمه، متناسيا توعية المجتمع، وإنتاج البديل من المفاهيم، بل بالعكس لم تتوانى من تسخير جهودها في تصعيد الخلافات بينها وبين أحزاب لا حول ولا قوة لها باستثناء الحفاظ على ذاتها وبكل الأساليب، مستخدمة كل الطرق من أجل ذلك، وستظل تقوم بها، ومن أجل ذلك تبحث عن طرق لتصعيد الخلافات مع الحراك الثقافي، كأحد أهم العوامل المساعدة لحضورها على الساحة، وما تم نشره في هذه المرحلة على المواقع الكردية دليل واضح على المذكور، وتكررت مرارا خلال العقدين الأخرين، وفي الحقيقة الحركة الثقافية، لقلة وعيها ساهمت في تثبيت هذه الخدعة، بصراعها هذه وتهجمها عليهم. وبها بينت للعالم على أن أحزابنا الفاشلة ممثلة عن حراكنا السياسي، وبالتالي عن شعبنا في الداخل وفي المحافل الدولية، ولهذا ظلت قضيتنا دون مستواها الحقيقي بين القوى الإقليمية والعالمية، ونشرت بأدنى مفاهيمها ومطالبها...
يتبع...
[1]