الأزمة السورية تدخل عامها الرابع عشر.. الأسباب قائمة لاستمرار المعاناة (1)
يحيى الحبيب
لا تزال الأزمة السورية التي بدأت في #15-03-2011# بحراك شعبي قبل انحرافها عن مسارها، دون أي حل يلوح في الآفق، وعلى وقع ذلك تزداد معاناة السوريين الإنسانية والاقتصادية والمعيشية.
خلال السنوات الفائتة، شهد السوريون الكثير من التطورات والأحداث، وكانت هناك الكثير من العوامل والأسباب التي أدت إلى تعمق الأزمة السورية، من بينها تمسك السلطة بخيار الإقصاء لكافة الآراء والقوى، بالإضافة إلى تشدد ما تسمى المعارضة وتحولها إلى أداة ومرتزقة بيد الاحتلال التركي.
وفي المقابل، كان في شمال وشرق سوريا مسار مغاير، حيث تحولت الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، على الرغم من حملات التشويه إلى منطقة جذب لمختلف السوريين والعالم، لذلك يسعى الطرفان المتصارعان على حكم البلاد؛ إلى القضاء على هذه الإدارة.
وفي هذا التقرير المؤلف من جزأين، سنلخص مسار الأزمة السورية بشكل مقتضب، منذ انطلاقتها عام 2011 وحتى دخولها عامها ال 14.
البداية من الجنوب السوري
على وقع انتشار رياح ما يسمى الربيع العربي، أطلق السوريون حراكهم الشعبي في #15-03-2011# وكانت البداية من درعا في الجنوب، على إثر الانتفاضة ضد حكومة دمشق بسبب إقدامها على اعتقال بعض الأطفال بسبب كتابة عبارات مناوئة لها.
وسرعان ما توسعت هذه المظاهرات، إذ شهدت مدينة حمص وريف دمشق مظاهرات ضخمة تمت مواجهتها من قبل قوات حكومة دمشق بالعنف؛ ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا، ودخل الحراك السوري مرحلة جديدة تلوّح بالدموية، بعد دخول قوات حكومة دمشق إلى مدينة حمص وسقوط المزيد من الضحايا.
إخفاق مبكر للدبلوماسية وبحث عن حسم عسكري
في بداية 2012، دخلت الجامعة العربية لحل الأزمة وقدمت مبادرة تتضمن تشكيل حكومة وطنية على أن يسلم بشار الأسد لاحقاً كامل صلاحياته إلى نائبه بالتعاون مع هذه الحكومة، إلا أن حكومة دمشق رفضت ذلك؛ ما أدى إلى ازدياد مستوى العنف.
وفي آذار من العام نفسه، وجّهت حكومة دمشق ترسانتها العسكرية إلى حمص، وهاجمت حي بابا عمرو وأعلنت السيطرة عليه بعد قتال عنيف استمر قرابة 26 يوماً، وفي شهر تموز، أخذت الأزمة السورية منعطفاً آخر بعد أن أعلن تلفزيون حكومة دمشق مقتل كل من وزير الدفاع داوود راجحة ونائبه آصف شوكت، وحسن تركماني معاون نائب بشار الأسد في تفجير استهدف مبنى الأمن القومي السوري في حي الروضة بدمشق.
تركيا تغرق المدن السورية بالمرتزقة
على الرغم من ما حققته المجموعات المسلحة من تقدّم على حكومة دمشق ودخولها العديد من المدن، فقد غيّرت دمشق من استراتيجيتها وخططها؛ هرباً من الاستنزاف، مُركّزة سيطرتها على المدن الاستراتيجية ذات الأهمية والتي سميت سوريا المفيدة، لكن الدعم الإيراني وإرسال المجموعات الشيعية، ومن بينها حزب الله اللبناني، وكذلك تنامي المجموعات المرتزقة مثل جبهة النصرة وداعش، شكلوا عبئاً مضافاً على الحراك في سوريا؛ ما خلط الأوراق وجعل المشهد يبدو ضبابيّاً.
وفتحت تركيا مطاراتها لاستقبال المرتزقة من كافة أنحاء العالم، وسهّلت عبورهم إلى الأراضي السورية، كما حوّلت حدودها إلى معابر يتدفق منها السلاح إلى المرتزقة في سوريا، وقدّمت كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي والطبي لهم؛ أما إيران فحشدت الشيعة أينما كانوا، وأرسلتهم إلى سوريا للقتال إلى جانب حكومة دمشق.
داعش إلى الواجهة
مع تزايد قدوم المرتزقة الأجانب من كل أصقاع العالم واستخدام الشحن الطائفي والقومي في المنطقة كوسيلة لتجنيد المسلحين، احتل مرتزقة داعش صيف 2014، مساحات كبيرة من سوريا والعراق، بدءاً من الموصل العراقية بداية شهر حزيران، ثم مدينة الرقة التي أعلنها عاصمة لخلافته المزعومة في 29 حزيران.
كما احتل الغالبية العظمى من دير الزور، بالإضافة إلى وجوده في كل من حلب، وإدلب، وحماة، وريف دمشق وعدد من المناطق السورية الأخرى، وبذلك بات يحتل ما يقارب نصف مساحة سوريا.
روسيا تتدخل لإنقاذ حكومة دمشق من الانهيار
عام 2014، شهدت قوات حكومة دمشق انهياراً كبيراً، حيث احتلت المجموعات المرتزقة وخاصة جبهة النصرة، مساحات كبيرة من حلب، وإدلب، وحماة، ودرعا، وحمص، والقنيطرة، وانحصر وجود قوات حكومة دمشق في المدن الرئيسة فقط.
ونتيجة لهذا تدخّلت روسيا ووقّعت اتفاقاً مع دمشق، في آب 2015، يمنح الحق للقوات العسكرية الروسية باستخدام قاعدة حميميم في كل وقت دون مقابل، وإلى أجلٍ غير مسمى، وابتداءً من أيلول 2015، عززت روسيا حضورها العسكري في سوريا.
مسار مغاير في شمال وشرق سوريا.. عقد اجتماعي وانتخابات
بالتزامن مع الانهيار الذي شهدته قوات حكومة دمشق وانسحابها من المناطق السورية وتركها الأهالي لقمة سائغة أمام المرتزقة وخاصة داعش وجبهة النصرة، حملت وحدات حماية الشعب والمرأة على عاتقها مهمة الحفاظ على مقاطعات الإدارة الذاتية الثلاث التي أعلنت في روج آفا، في كانون الثاني 2014، والمتمثلة في مقاطعات الجزيرة وعفرين وكوباني، لتتوسع هذه الإدارة وتشمل مناطق شمال وشرق سوريا.
وعملت الإدارة الذاتية على تطبيق نظرية الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب، حيث تمكنت من جمع كافة مكونات المنطقة وعززت السلم الأهلي، كما تمكنت من الحفاظ على المنشآت السورية الحيوية وطورتها عبر تشكيل مؤسسات مدنية اعتمدت على تطبيق الاقتصاد المجتمعي وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، كما عززت دور المرأة عبر تطبيق نظام الرئاسة المشتركة لكل مؤسسة وهيئة، بالإضافة إلى أنها تستمر بتطوير العمل السياسي والاجتماعي من خلال تطبيق عقد اجتماعي جديد ستتبعه انتخابات خلال الفترة المقبلة.
القوات الأميركية رسمياً في سوريا
بحثت الولايات المتحدة الأميركية منذ بداية الأزمة السورية عن مجموعات سورية مسلحة، وقامت باختبار بعض المجموعات المسلحة، ففي 4 آذار وصلت مجموعة من 50 شخصاً، مزودين بجميع أصناف الأسلحة الحديثة من اللواء 51 بعد تلقيهم تدريبات ضمن إطار البرنامج الأميركي لتدريب المعارضة المسلحة إلى سوريا، عبر معبر باب السلامة في مدينة أعزاز، ولقي أفراد هذه المجموعة وخلال أيام معدودة مصرعهم، فيما فرّ آخرون وسلموا أنفسهم لمرتزقة داعش مع أسلحتهم.
إلا أن الإدارة الأميركية كانت تراقب جدارة وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة في محاربة داعش؛ لذا وبعد الإعلان عن تشكيل التحالف الدولي المناهض لداعش عام 2014، اضطرت قوات التحالف الدولي؛ لتقديم الدعم الجوي لوحدات حماية الشعب والمرأة، وخاصة في معركة كوباني، في أيلول عام 2014، ليستمر هذا الدعم فيما بعد حتى إعلان تشكيل قوات سوريا الديمقراطية وإلى الآن.
وحررت قوات سوريا الديمقراطية عموم شمال وشرق سوريا من داعش، وأبرز المناطق التي تم تحريرها؛ هي منبج والرقة ودير الزور وصولاً إلى الباغوز، حيث أُعلن عن القضاء على الخلافة المادية لداعش.
حلف أستانا يقسم الأراضي السورية إلى مناطق نفوذ
بعد قطيعة استمرت أكثر من نصف عام، وُصفت خلالها حكومة دمشق وداعموها (في إشارة إلى الروس) بالمجرمين، اعتذر أردوغان عن إسقاط الطائرة الروسية وأعرب عن حزنه، وبذلك انحاز إلى جانب الروس وأراد تحقيق أطماعه في سوريا من البوابة الروسية، فيما سعت روسيا لاستغلال تركيا؛ لإيقاف الدعم المقدم للمجموعات التابعة لها الأمر الذي سيمكنها من تقوية حكومة دمشق.
نهاية عام 2016، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين من اليابان أنه اتفق مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان حول محادثات السلام السورية، وقال إنهما اتفقا لاستمرار المحادثات في العاصمة الكازاخية، أستانا.
21 جولة من أستانا عقدتها هذه الدول (روسيا – تركيا – إيران) بدءاً من 23–#24-02-2017# حتى #25-01-2024#؛ لمناقشة أزمة السوريين دون حضور أصحاب الأزمة، إلا أن أهداف النقاشات ونتائجها كانت واضحة، وهي استمرار التفاهمات الروسية – التركية، ومهاجمة مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
واستغلت تركيا هذا الاتفاق من أجل احتلال عفرين وسري كانيه وكري سبي وأجزاء من أرياف إدلب واللاذقية وحلب في المقابل مكّنت روسيا حكومة دمشق من السيطرة على مناطق سورية واسعة.
غداً:
سنسلط الضوء على فشل الاجتماعات والمنصات الدولية بتقديم حلول للأزمة السورية، بالإضافة إلى مسارات التقارب بين دمشق والاحتلال التركي، والتطبيع العربي مع حكومة دمشق، إلى جانب التدهور المعيشي في مناطق حكومة دمشق وما تسبب ذلك باندلاع الحراك الشعبي مجدداً.
[1]