الاستحقاق الديمقراطي
البنية الروحية للأمة الديمقراطية
وليدة حسن
تشكل الأزمة السورية حالة خاصة من الصراع الدائر في الشرق الأوسط من جوانب عدة، فتشابُك مصالح القوى الدولية والإقليمية، وتصارعها على الجغرافية السورية، أدَّى إلى خلط الأوراق بشكل عنيف. تَدَخُّل تلك القوى عبر أجنداتها لحماية مصالحها ومكتسباتها، شكَّل عقدة كأْدَاء من الصعب فك رموزها وعُقَدِها، والطبيعة البنيوية للنظام المستند إلى موروث تراكمي عبر احتكار البعث للسلطة على مدى /40/ عاماً، وقيادته للبلاد عبر سياسة إقصاء الآخر وتهميشه، فقراءته الأولية كانت خاطئة للأزمة؛ حيث افتقد إلى الكثير من المنطقية والموضوعية؛ مما أضعف بوادر حلحلتها. ومع مرور المشهد السوري بالكثير من السيناريوهات المؤلمة، حسبما رصدت ووثَّقت شبكات حقوق الإنسان إحصائيات مُرعِبة في أعداد القتلى المفقودين والمعاقين والمهاجرين والنازحين، ودمار هائل في البنية التحتية، وانتهاكات صارخة في مجال حقوق الإنسان على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، وتباين الحلول المقترحة من مؤتمرات (جنيف – آستانا – الرياض – القاهرة) واللقاءات والاجتماعات السرية منها والعلنية؛ لوضع الرُّؤى وإيجاد مُخرجات الحل، وطبعاً المقترحات والتفاهمات كانت تعكس مصالح الجهات التي تصدر عنها، وعلى الأغلب كانت توُلد مَيْتَة ولم تكن تُعبِّر عن إرادة وتطلعات الشعب السوري الذي ذاق ويلات الحرب، فكان لابد من دراسة واقع الأزمة وحيثياتها؛ وذلك بالانطلاق من تفكيك الأساسيات المُسبِّبَة للأزمة التي تمتد بجذورها إلى بنيوية تاريخية ومجتمعية وسياسية واقتصادية، وهذا ما استند عليه حزب “الاتحاد الديمقراطي” في قراءته للأزمة بناءً على معطيات وحقائق نابعة من دراسته للواقع السوري كحزب سوري مجتمعي.
وبهذا ظهرت صوابية الخط الثالث الذي اعتمده حزب الاتحاد الديمقراطي في بداية الحِراك السوري، فكان تنظيم الشعب عبر مؤسسات مجتمعية والإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية بمشاركة مختلف مكونات المنطقة وترسيخ فكرة الحماية الذاتية عبر منظومة عسكرية حققت الانتصارات ودحرت الإرهاب؛ متعمدة بذلك على نهج وفلسفة “الأمة الديمقراطية” التي طرحها قائد الشعوب “عبدالله أوجلان”، وذلك انطلاقاً من مفهوم حرية الإنسان، وتكريس أخوَّة الشعوب والعيش المشترك، وقبُول الآخر؛ فكانت هذه المبادئ التي وحَّدَت شعوب المنطقة ودفعها للاستبسال في الدفاع عن وجودها، ونبذت المفاهيم القوموية والطائفية والمذهبية التي حاول الكثيرون التلاعب على هذا الوتر، فكانت وحدة الشعوب هي الجواب الكافي ضد كل المؤامرات المحاكة؛ وذلك عبر إبدائهم الأريَحِيَّة عندما تم الإعلان عن مشروع فيدرالية “الشمال السوري”، وبدأت الخطوات الفعلية بتنفيذها، فكانت انتخابات “الكومونات” التي تُعدَّ الخلية الأساسية لتنظيم المجتمع، وخطوة هامة حيث حققت إقبالاً شعبياً، فكانت الخطوة الأولى للبدء بتأسيس النظام الفيدرالي في “الشمال السوري” وتأتي الخطوة الثانية من الانتخابات (البلدة – الناحية – المقاطعة) كتتمة لترسيخ هذا النظام.
ربما يسأل الكثير من الفرقاء السياسيين عن توقيت الانتخابات في هذه الفترة؛ فمنذ بداية الثورة وعملية التحرير والتأسيس متلازمتان متكاملتان تسيران في نفس المستوى، لا يمكن تأجيل أو تسويف إحداهما، والبعض أو ربما الكثير؛ يهدف إلى عرقلة المشروع الديمقراطي بدواعي أن المرحلة تتطلب التسويف أو التباطؤ.
إن الاستحقاق الديمقراطي المُتَمثل بانتخابات حُرَّة ديمقراطية شفافة؛ هي من أهم مكتسبات الثورة، وجاءت نتيجة تضحيات آلاف الشهداء من أبناء المنطقة كُرداً وعَرَباً وسرياناً آشور، وهذا بات واضحاً من الأجواء التي نعيشها اليوم في الشمال السوري؛ في الانفتاح التام على العملية الديمقراطية أكثر من أي وقتٍ مضى في تاريخ المنطقة، وهي مشجعة على الإقبال على صناديق الاقتراع والمشاركة في العملية الانتخابية، وهذه مسؤولية تاريخية مُلقاة على عاتقنا كشعوب الشمال السوري، وأن حق الانتخاب أكدت عليه القوانين والمواثيق الدولية، وجاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (21):
أ- لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده؛ إما مباشرةً أو بواسطة ممثلين يُختارون في حرية.
ب- لكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تقليد الوظائف العامة في بلده؛ وهذا ما أكَّدَ عليه أيضاً الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية في مادته (25) فالانتخاب يعتبر من المعايير الديمقراطية وعملية تنافسية شفافة حقيقية يجب إجراؤها في أجواء حُرَّة.
ويتم تنظيم العملية الانتخابية عبر قوانين وأسس واضحة، والتي تبدأ من مرحلة الترشيح وشروطها الشفافة، وقبول أسماء المرشحين من قبل (مفوضية الانتخابات) إلى أجواء الديمقراطية التي تمر بها الانتخابات إلى العد والفرز وإعلان النتائج، وتكُون عبر عملية معيارها الأساسي الشفافية والنزاهة والمصداقية.
إذاً فالانتخابات لا تسبق الديمقراطية بل تمر عبرها وتزيدها رسوخاً. فالمشاركة الحقيقة من الشعب وإيمانه بهذا الحق واندفاعه الوجداني لممارسة حقه الذي يَضمَنهُ الدستور في اختيار ممثليه بإرادة حرة، وجديرٌ بالذكر أن مشاركة المرأة في العملية الانتخابية تكون من عوامل إنجاحها، ولقد ظلت المرأة محرومة من حقها في الانتخابات، واستطاعت عبر نضالات سياسية اجتماعية طويلة إحقاق حقها الطبيعي في ممارسة الانتخابات من (ترشيح وتصويت)، إذ أن العملية الانتخابية أينما كانت مرهونة بمشاركة المرأة الفعلية فيها.
وأخيراً أن العملية الانتخابية واجب وطني وأخلاقي وحقوقي، وأن عملية التحوُّل الديمقراطي التي نشهدها اليوم، يستلزم زيادة الانخراط والمشاركة الفعّالة في العملية السياسية التي تبدأ من أصغر خلية في المجتمع. [1]