إزالة “التشدد” بالديمقراطية
الإدارة الذاتية وقعاً و.. واقعاً
مصطفى عبدو
في السنوات القليلة الماضية انتشرت الأفكار المتشددة والمتطرِّفة, على نطاقٍ واسع في العالَم، ولقيت هذه الأفكار الرعاية والاحتضان من قبل الكثيرين، وأمدُّوها بعوامل القوة للهيمنة على مفاصل الحياة السياسية في المنطقة, وخاصة في البلدان التي غُيِّبتْ فيها إرادة الشعوب وتطلعاتها وأمانيها.
إن التشدد بات يسودُ ويُخَيِّمُ على أغلب دول العالم, وخاصة الشرق أوسطية منها, وفي كل ميادين الحياة فيها مما يكشف عن بروز اشكاليات جديدة في إطار المجتمعات الإنسانيٍة؛ حيث يرى المواطنُ المستقبلَ قاتماً أمامه، وتسيطر عليه الانقسام والتشتت بين أممه وشعوبه ومكوناته.
إن تصفية أدوات التطرَّفِ والتشدُّدِ, وجميع قوى الإرهاب في المنطقة والعالم ممكن وقادم دون أدنى شك، وعملية تجفيف منابع فيضانه تسير تقريباً باتجاه القضاء عليه، لكن للتخلص من ظاهرتي التشدد والتطرف نهائياً؛ نحتاج إلى اتخاذ عدة مواقف مستقبلية شجاعة وتدابير حكيمة؛ نتحصن من خلالها بالوعي والعزيمة والتأهب الثقافي اللازم لذلك, وصولاً إلى الكينونة الديمقراطية للمجتمع كأفضل المشاريع للحياة المشتركة والمتساوية والحرة. وضمن أجواء عامرة بالسلام؛ وبأساليب سياسية ديمقراطية. بحيث تقوم الشعوب مجتمعة إلى تقرير مصيرها السياسي, والبدء بالمصالحات المجتمعية العميقة والشاملة بين مختلف مكونات المجتمع, على أرضية التفاهم على الأولويات, بدءً من إدارة الحكم والتفاهم على انتقال ملموس، إلى وفاق دستوري ديمقراطي، وتكريس المواطنة كبديل عن الطائفية والتفرقة.
إلى جانب كل ذلك؛ يتطلب منّا اتخاذ عدة إجراءات وتدابير سريعة تأتي من أولوياتها؛ الاعتماد على التفكير المنطقي بدلاً عن التفكير التلقيني, ومعالجة الظواهر السلبية بحزم, وكشف المفسدين ووضعهم فِي مواجهة الرأي العام.
إيلاء المزيد من الاهتمام بالمفكرين والمثقفين بكل ما يملكون من نزعات، والارتقاء بنشاطاتهم وابداعاتهم، وتمكينهم من التعبير عن ذواتهم الإنسانية عبر الوسائل والطرق التي يجدونها مناسبةً.
بناء جسر متين للتواصل بين المكونات المجتمعية من خلال تبادل الفعاليات والنشاطات, وترسيخ قِيَم المجتمع الديمقراطي, وكل ما يحقق التفاعل مع المجتمع, والاندماج فيه, مع الحفاظ على خاصية كل مكون من مكونات هذا المجتمع.
ليس من السهل والهين اتخاذ خطوات جريئة في هذا الاتجاه بدون مشروع يهدف لإعادة بناء المجتمع وإصلاح البُنى المنهارة والمتصدعة في المجتمع، وتنشيط الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وإصلاح القضاء والتعليم وغيرها.
إن هذا النمط من التفكير إنما تعبر عن شراكة الحياة التي يسودها التعاضد والتعاون بين المكونات المتعددة، على خلفية التعددية والحرية والمساواة, ويستحيل بناء أي مجتمع ديمقراطي إلاَّ من خلال هكذا نموذج من الحياة ومن المجتمع.
إن مقترح ومشروع الأمة الديمقراطية كنموذج حل يعتبر طريق الحل الوحيد لإنهاء جميع أزمات المنطقة والعالم، ولا سبيل لأيَّة حلول جانبية أخرى. ولكي تُرسى وتترسَّخ دعائم هذا الحل, يتعين توسيع أُفق المجتمع المدني الديمقراطي تدريجياً.[1]