أردوغان واللعب في سيرك الفشل
محمد أرسلان
تعيش تركيا أردوغان، حالة من الفوضى والاستدارات المكوكية منذ فترة علَّها تُخرج نفسها من المستنقع السوري العام والكردي الخاص الذي أدخلت نفسها فيه.
وبالرغم من كل المحاولات التي يقوم بها السيد أردوغان للحيلولة على الأقل بالخروج من هذا المستنقع بحفاظه على ماء الوجه، إلا أنه ولقدر مكتوب؛ كلما تحرك وأينما اتجه يزداد غرقاً والقشة التي يتمسك بها الآن أي روسيا كي تخرجه من المستنقع لن تخرجه من الحالة التي هو فيها على الأقل على المدى المنظور.
أردوغان الذي جعل من نفسه محمد الفاتح القرن العشرين نسي أو تناسى أن التاريخ لا يكرر نفسه مع أشخاص يستخدمون نفس الأسلوب للوصول إلى المجد. فلكل زمن رجاله كما يُقال، وأن اردوغان ليس رجل هذا الزمان، وليس بالخليفة الذي سيئم المسلمين في المسجد الأموي كما ادعى هو في بداية الأزمة السورية. بل ربما أن المستنقع السوري الذي أقحم نفسه فيه ربما يكون سبب زواله بنفس الوقت. خاصة أنه يرغب في طمس الحقيقة الكردية ثانية كما فعلها أجداده في بدايات القرن العشرين. وأعتقد أن اللعنة الكردية أصابته ولن يهرب منها وسوف تلاحقه أينما حلَّ وبمن استنجد.
فكيفما أن الكرد هم من كانوا السبب في ظهور الجمهورية التركية على وعود للكرد بأنهم سينالون حقوقهم في وطنهم، فربما سيكونون السبب عينه في زوال هذه الجمهورية بعد عقود من الخداع والظلم والقتل الذي مارسه الحُكام الترك بحق الكرد.
خلال ست سنوات فقط لا غير؛ وصل أردوغان لمرحلةٍ لا يُحسدُ عليها البتّة. فمن عويله على تقسيم سوريا وصريخه للصلاة في المسجد الأموي خلال أيام، وحتى أنينه في القضاء على التجربة الديمقراطية للكرد في شمالي سوريا، ها هو الآن يستدير نحو روسيا وإيران العدوين التقليديين لتركيا خلال القرنين الماضيين، ويُطَلّقُ أمريكا والغرب بالثلاث علَّه يُطيل من عمره برهة بعد حين من الهلوسة الشعاراتية التي كان يطلقها هنا وهناك.
الخلافة العثمانية التي وُصِفَتْ في أواخر أيامها بالرجل المريض؛ وعلى أساسه تم تفتيتها وتقسيمها وتحجيم جغرافيتها حتى حدودها الحالية على حسابِ قمعِ شعوبٍ بأكملها، ها هي الخلافة الأردوغانية أوصلت تركيا إلى مرحلة يمكن نعتها بالحفيد المشلول والآيل للسقوط والموت المُحتم. تركيا تعيش سكرات ما قبل الموت، وما عويل وصراخ أردوغان إن كان في سوتشي أو في جنيف وآستانا إلا حشرجات الموت بعينه.
لن تنفع أردوغان الحركات البهلوانية التي يقوم بها على مسرح السيرك الشرق أوسطي، ويرمي نفسه من هذا الحبل إلى ذاك؛ إن كانت روسيا أو إيران، الاستدارات الاستراتيجية يلزمها شخصيات تاريخية تعرف آليات العمل مع الوجهة الجديدة، وذلك بتوازنٍ عقلانيٍّ كبيرٍ وليس على أساس ردات الفعل التي أجبرت أردوغان على هذه الاستدارة؛ أو كما يسميها البراجماتية. فهذه الحركات البهلوانية لا ينجح فيها إلا من يمتلك من عناصر القوة والتوازن والإرادة والمعرفة حتى يقوم بها، وإلا من يقلد البهلوانيين لن يكون مصيره سوى السقوط المدوي؛ وربما تكون نهايته أيضاً.
إلا أن الأمر المختلف هو أنه على حلبات السيرك يقوم البهلواني بإضحاك الجمهور من خلال حركاته وقفزاته وخفة يده، لكن الذي يحصل مع أردوغان مع الأسف أنه لم يدرك بعد أنه ليس بهذا البهلواني، بل ما هو إلا بذاك القرد الذي ينط على الحبال ليضحك الجمهور بحركات من البهلوانيين الكبار أي روسيا وأمريكا.
فهل سَيُدْرِكُ السيد أردوغان أنه ليس إلا ألعوبة بيد القوى الكبرى يقوم بالدور المنوط به؛ وأنه لا يستطيع تقليدهم مهما حاول أن يصور ذاته للآخرين على أنه النمر أو الأسد في حلبة السيرك الشرق أوسطية هذه؟. هل بمقدوره أن يعي ذلك قبل فوات الأوان؟، هذا ما سنراه خلال الأيام القليلة المقبلة. وحينها سيضحك الكثير على سقوطه وتقسيم تركيا إلى ما شاء الله. حينها سيكون لكل حادث [1]