إرادة الحياة …. في حلبة الموت ..
(كولوسيوم الشرق الاوسط)
جملة من الظروف والمسائل اجتمعت لتكتب تراجيديا #الشعب الكردي# هذا الشعب الذي يشكل القومية الرابعة في الشرق الأوسط والقومية الثانية في كل بلد من البلدان الأربعة المسيطرة على كردستان ، لذلك كان قدره بأن يفرض عليه التقسيم ليصبح ضحية لنفسه و للآخرين ضحية للجغرافيا السياسية (الجيوبوليتيكية) ضحية لقرون من الحروب الطاحنة التي كانت كردستان غالبا ساحة من ساحاتها ضحية الظلم و اللاعدالة في هذا العالم وضحية للتخلف والجهل الذي فرضته السياسات الشوفينية و الذي انعكس سلبا سياسيا واجتماعيا واقتصادياً وما ترتب على ذلك من تشتت وسذاجة وبساطة بالتعامل في الاقتصاد و السياسة في غابة تعج بالذئاب والضباع والكذب والنفاق بدءاً من نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918وتفكك الإمبراطوريات العثمانية والروسية والألمانية و بدء حركات التحرر للشعوب المضطهدة بالنهوض والمقاومة مطالبة بحقها في الحرية وتقرير المصير بعيداً عن الهيمنة الإمبريالية وحتى الان .
و لم يكن للشعب الكردي عند الشدائد عبر التاريخ أصدقاء سوى البنادق والجبال ولفافات التبغ ، وظلوا محصورين في مناطقهم الجبلية الوعرة , الجبال التي ساعدتهم بالمحافظة على هويتهم ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم رغم الغزوات التي مرت عليهم ، وهبهم الله كل شئ قوة بدنية و جبال شامخة وسهول واسعة واكتفاء زراعي وثروات طبيعية متنوعة ( نفط غاز فحم حجري نحاس حديد …وغيره ) ولم يكن ينقصهم سوى منفذ على البحر ، ولكن بالوقت ذاته منحهم ذاكرة ضعيفة تجعلهم يقعون في الأخطاء ذاتها على مدى التاريخ ، وباعتبار ان التاريخ يكتبه المنتصرون فالكرد لم يكتبوه وتاريخهم كتب من قبل أعدائهم فشوهوه و حرفوه حتى أنهم احرقوه فحيناً أسموهم باتراك الجبال و بالأجانب أحيانا اخرى حتى وصل الحد ان يسموهم بأبناء الجن.
هذه الأمور تفاعلت فيما بينها وانعكست على مصير الكرد فكان على الغرب والاتحاد السوفييتي خلال حروبهم بالقرن العشرين كقطبين متناقضين أن يحسبوا الحساب لحكومات أنقرة وطهران و دمشق وبغداد بعد استقلالها أكثر من الشعب الكردي ، فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي انتهت بسقوط الإمبراطوريات الألمانية والإيطالية واليابانية عام 1945 ، وقيام نظام عالمي جديد على أثر مؤتمر ( سان فرنسيسكو) وتشكيل منظمة الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم ، وجاء ميثاقها مؤكداً في ديباجته على حق الشعوب في تقرير المصير فكانت خير مشجع للشعوب المضطهدة على النهوض من جديد لاستعادة حريتها ، وبدأت مرحلة جديدة وجدية من نضال الشعب الكردي ، ولكن كانت طموحات هذا الشعب تصطدم دائما بمصالح الدول الغربية السياسية والاقتصادية والعسكرية بالاضافة الى الاخطاء والخطايا التي وقعت فيها الحركة الكردية.
أما الآن وبعد انتشار ملايين الكرد في العواصم الأوروبية والأمريكية والعربية ، وبعد استقطاب السياسة الكردية للسياسة الدولية والتأثير عليها في الشرق الأوسط لتمكنهم من لعب دور الحليف الاقتصادي والعسكري والسياسي المؤثر والفعال فسياسياً يعتبر الكرد والأحزاب الكردية بيضة القبان في الانتخابات و التحالفات السياسية في دولهم التي يقطنوها كما ويتمكنون من جمع الأطراف المتناقضة من القوميات والطوائف والاحزاب (غير الكردية) سياسياً على جبهة واحدة و طاولة واحدة , و ديموغرافياً يساعد الكرد بتحقيق التوازن الطائفي والمذهبي في بلدانهم , و عسكرياً اتجهت بوصلة العالم الى المقاتلين والمقاتلات الكرد كرأس حربة في محاربة الإرهاب المتطرف ( داعش) في سورية و العراق والبطولات التي ظهرت في ملحمة كوباني الخالدة في ضمير الإنسانية وفي معاركهم في منبج و الرقة و دير الزور و الموصل و شنكال ، أصبح الكردي بعدها الجوكر و اللاعب رقم واحد في الشرق الأوسط وأي خارطة جديدة سترسم سوف يكون لهم موطئ قدم .
ولمن يملك ذاكرة قوية فالكرد لم يرفعوا السلاح ضد أي شعب من شعوب المنطقة وإنما كان حمله على الدوام دفاعاً عن النفس و ضد حكومات قمعية وحشية شوفينية شمولية ، وكانوا يستجيبون لكل مبادرات السلام التي تطرح والتي كانت مضيعة للوقت وإعادة لترتيب الأوراق ضد الكرد، وكانت الأنظمة الاستبدادية بالنتيجة هي التي تخرق عمليات السلام متوقعة من الكرد الاستسلام والرضوخ للشروط المذلة لينتقل عندها الكرد مجدداً من ساحة التفاوض إلى ساحة القتال برفقة البنادق والجبال.
دمج الأمة الكردية أو الشعب الكردي (التي تعتبر أكبر مجموعة عرقية على وجه الأرض محرومة من أبسط حقوقها القومية والإنسانية ) بالأمم التركية والعربية والإيرانية غير جائز، فهذه الأمم صحيح يجمعها العامل الديني ولكن يفرقها العامل الإثني العرقي ، والصراع مستمر مابين العاملين فقد تتحد أمم مع بعضها البعض نتيجة العامل الديني ومن ثم تفترق نتيجة للعامل الإثني كما توحدت الأمة التركية والعربية مثلا نتيجة للعامل الديني ومن ثم انتصر العامل القومي وانفصل العرب عن الترك ، كما انفصلت باكستان عن الهند بسبب العامل الديني ومن ثم انفصلت بنجلادش عن باكستان نتيجة العامل القومي.
والكرد كشعب مضطهد من قبل بلدان العالم الثالث لم يعتبروا حتى مواطنين من الدرجة الثانية بل حتى أنهم لم يمنحوا حق المواطنة في بعض الأحيان وعندما كانوا ينادون بحقوقهم كانوا يعتبرون خونة ومتمردين وخارجين عن القانون , ومورست بحقهم جرائم الإبادة الجماعية الوحشية ومصادرة حقوقهم الإنسانية في العيش بسلام وحرية وذلك ما هو سوى انتهاك للمواثيق والاتفاقيات و المعاهدات الدولية وليس شأنا داخليا لهذه الحكومة أو تلك أو مسألة تخضع للمساومات السياسية الدولية والمصالح الاقتصادية الإقليمية وإنما هي قضية تعني الإنسانية جمعاء كما ان نضال الأقليات بالعالم يخضع لأحكام القانون الدولي وليس للقوانين الداخلية لهذه الدولة او تلك ، وانطلاقا من هذا الواقع ومن واقع أكثر من 50مليون كردي منتشرين في أصقاع العالم ومحرومين من أبسط الحقوق الأساسية في الحياة والعيش بسلام وكرامة وسط صمت وتواطؤ دولي ، واذا اعتبرنا حق تقرير المصير من الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية فمن حق الكرد تبعا لذلك تقرير ذلك و ما حصل في الاستفتاء باقليم كردستان العراق (باشور) و خيار الشعب بالاستقلال ومن ثم الغاءه بالقوة لابد من ان يزيده قوة ويزيد الشرخ بين المكونات العراقية وذات الشيء ينطبق على كرد روجافا و باكور وروجهلات ، و من المهم أن ندرك ايضاً أن أسلوب حرق المراحل واستعجال تحقيق الهدف الاستراتيجي المشروع في إقامة كردستان الكبرى من دون تحقيق الظروف الموضوعية الضرورية في سائر كردستان الكبرى لا يخدم القضية ، بل ينطوي على مخاطر كبيرة ونتائج سلبية على مستقبل الوحدة الكردية الكبرى ،وقد تستمر لزمن طويل وسيبقى طموح الشعب الكردي في الوحدة وتأسيس كردستان الكبرى الحلم الأكبر بالنسبة له وسيقف بكل تأكيد كل الديمقراطيين الحقيقيين المؤمنين بحق تقرير مصير الشعوب وحقوق الإنسان إلى جانب نضاله وطموحه وخياراته المشروعة , حتى تحقيق ذلك لابد من حشد القوى السياسية والدبلوماسية المناصرة للقضية الكردية وأصحاب الضمير الإنساني الحي من أجل الدعوة لاعتماد ممثل للكرد بصفة مراقب دائم في الأمم المتحدة وفي كافة الهيئات والأجهزة التابعة لها , و بالنهاية نقول أن إرادة القوة ستمنحنا القوة وارادة البقاء هي التي تبقي على المخلوقات و إرادة الحياة هي التي تنفخ في الشعوب روح الحياة وتساعد الإنسان ان ينتصر في ساحات وحلبات الصراع , يقول الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي :
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَدَر
وَلا بُدَّ لِلَّيْلِ أنْ يَنْجَلِي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِر [1]